امتحانات الثانوية وتبديل العملة.. هل تكرس الانقسام في السودان؟
في ظل استمرار الحرب قررت الحكومة السودانية استبدال "العملة" وعقد امتحانات الشهادة الثانوية، وهو ما اعتبرته قوات "الدعم السريع"خطوة ضمن سياسات تهدف إلى «تقسيم» البلاد.
ومن المتوقع أن يجلس طلاب الشهادة الثانوية الدفعة المؤجلة لعام 2023-2024 للامتحانات في 28 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد الإعلان الذي وضعته وزارة التربية والتعليم وأعلنت عن الجدول الخاص للامتحانات.
وقال وزير التربية والتعليم المكلف أحمد خليفة، في تصريحات إعلامية، إن الترتيبات اكتملت لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية في مئات المراكز بالولايات الآمنة، و46 مركزا في 15 دولة يوجد بها لاجؤون سودانيون.
وتبلغ نسبة الطلاب المسجلين للامتحانات 75.5% ممن كانوا مسجلين قبل اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023.
تقسيم؟
وفي خطوة متوقعة، أعلنت قوات "الدعم السريع" رفضها إجراء امتحانات الشهادة السودانية في نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري، واعتبرت الخطوة بأنها تأتي ضمن سياسات تهدف لتقسيم السودان.
وقال بيان صادر عن قوات "الدعم السريع" إن "انطلاق الامتحانات في مناطق بعينها دون سائر ولايات البلاد يؤكد عدم الاكتراث لمستقبل مئات الآلاف من الطلاب في مختلف المناطق".
وأضاف "نطمئن أبناء السودان في مختلف المستويات التعليمية أن حقوقهم محفوظة بموجب القوانين الدولية والمحلية".
وتابع، "كما نبشر الطلاب وأسرهم بشروعنا في اتخاذ التدابير والإجراءات التي تكفل حقوقهم وعودته إلى صروح التعليم وجلوسهم للامتحانات المؤجلة بشكل يحفظ التوازن والعدالة مع رصفائهم من الطلاب."
وقف إطلاق النار
واقترحت لجنة المعلمين السودانيين (غير حكومية)، على طرفي الحرب إعلان وقف لإطلاق النار وفتح ممرات ومسارات آمنة للطلاب والمعلمين طيلة فترة إجراء امتحانات الشهادة السودانية المزمع انعقادها الشهر الجاري.
وقالت لجنة المعلمين السودانيين في بيان، إن عقد الامتحانات بهذه الصوة سيحرم حوالي 750 ألف طالبة وطالبة بنسبة أكثر من 60% من جملة الطلاب الذين استوفوا شروط الجلوس لهذه الامتحانات قبل الحرب.
وأوضح البيان أن الولايات التي لا تشملها الامتحانات هي ولايات دارفور الخمس وثلاث ولايات في كردفان فضلا عن الخرطوم عدا محلية كرري شمالي أم درمان وولاية الجزيرة، وجزء من نهر النيل وولايات سنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق.
وشدد البيان على "ضرورة ضمان وصول أوراق الامتحانات من وإلى مراكز التصحيح الكنترول والتجميع بالإضافة إلى ضمان وصول كل الطلاب الذين يرغبون في جلوس الامتحانات في مناطق يتم الاتفاق عليها".
ودعا البيان قادة القوات المسلحة لوضع مصلحة الطلاب السودانيين نصب أعينهم والبعد عن خطابات التحشيد التي يتبناها عناصر النظام المباد الذين يسيطرون على حكومة الأمر الواقع خاصة قطاع التعليم.
وناشد البيان منظمات الأمم المتحدة المهتمة بالتعليم للعمل على إنفاذ هذه المطالب بالتواصل مع جميع الأطراف.
ورأى الخبير التربوي، عمر عبد العزيز، أن "إجراء الامتحانات في بعض ولايات السودان وغيابها في ولايات النزاع المسلح يفاقم المشكلة، ويكرس التشظي والانقسام في البلاد".
وأوضح عبد العزيز في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "امتحانات الشهادة السودانية هو الشيء المتبقي في السودان الذي يحظى بالقبول والمصداقية، ولا بد أن تتميز بالشمول والمساواة لكل أبناء الوطن الواحد".
وأضاف "عقد الامتحانات في ولايات دون الأخرى كارثة حقيقية، ويولد غبنا اجتماعيا يصعب معالجته في المستقبل".
استبدال العملة
كما يشهد السودان حاليا عملية استبدال "العملة" في الولايات التي تخضع لسيطرة الجيش السوداني، دون مراعاة للولايات التي تحت سيطرة قوات "الدعم السريع" في البلاد.
وبحلول 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري لن تعد الورقتان من فئتي "ألف جنيه" و500 جنيه" بطبعتهما القديمة "مبرئتان للذمة" في 7 ولايات يسيطر عليها الجيش السوداني، في حين أن 11 ولاية تقع كليا أو جُزئيا تحت سيطرة قوات "الدعم السريع" لن تستطيع استبدال عملاتها القديمة بالطبعات الجديدة.
لكن قوات "الدعم السريع" أعلنت، في بيان رسمي، عدم اعترافها بالعملة الجديدة، واعتبرتها "غير مبرئة للذمة"، وعدّتها "مؤامرة خبيثة لتقسيم البلاد، ومخطط تنفذه الحركة الإسلامية لتفكيك السودان".
ومؤخرا، أعلن بنك السودان المركزي طرح عملة جديدة من فئة 1000 جنيه ضمن عملية تغيير العملة، تتضمن علامات تأمينية ترى بالعين المجردة، مثل العلامة المائية التي تظهر عند التعرض إلى الضوء.
وتشمل العملة الجديدة طباعة بارزة وشريطا تأمينيا متغير الألوان، وعلامات بارزة للمكفوفين يتم تحسسها باللمس، إضافة إلى علامات تأمينية أخرى لا تظهر بالعين المجردة.
ووفق الكاتب والمحلل السياسي عبداللطيف أبوبكر فإن قوات "الدعم السريع" أعلنت تحريم التعامل بالعملة الجديدة في مناطق سيطرتها، ويمكنها تشكيل حكومة موازية وطرح عملة بديلة "ما يعني تقسيم البلاد بصورة عملية".
وأشار أبوبكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "تبديل العملة في مناطق دون الأخرى خطوة غير موفقة، خاصة أن أجزاء واسعة من البلاد تحت قبضة قوات الدعم السريع وتتداول كتلة نقدية ضخمة".
وأضاف "الخطوة تعزز الانقسام القبلي العرقي والجغرافي والاقتصادي، وهذا شر مستطير على البلاد".
وتقول الأمم المتحدة إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 14 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.