إنهاء سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة سيكون خطوة حاسمة في إجبار الحوثيين على العودة إلى التفاوض على الحل السياسي
700 ألف يمني سكان مدينة الحديدة، و10 ملايين آخرون يخضعون تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين، ستنتهي معاناتهم فور تحرير مدينة الحديدة، إثر التقدم الكبير الذي تحرزه قوات الشرعية اليمنية بإسناد من قوات التحالف العربي، والذي أدى في فترة قصيرة نسبياً إلى السيطرة على مطار المدينة، أمس، كخطوة استراتيجية مهمة في طريق تحرير الميناء الرئيسي، الذي تصل نحو 70% من واردات اليمن عبره، وهو ما وفّر للمليشيا الإيرانية طوال ثلاث سنوات مصدراً مالياً رئيسياً لتمويل مقاتليها (يفرضون رسماً يناهز 100 ألف دولار للسماح لكل سفينة بأن ترسو وتفرغ حمولتها من المواد الغذائية أو الوقود)، وعليه فإنهاء سيطرة الحوثيين على الميناء سيضمن عودة الموارد المالية للخزينة العامة اليمنية، وضمان صرف رواتب الموظفين الموقوفة منذ 20 شهراً، وإيقاف تهريب الصواريخ الإيرانية التي استهدف نحو 130 صاروخاً باليستياً منها المدنيين في السعودية، والأهم من ذلك كله ستكون خطوة حاسمة في إجبار الحوثيين على العودة إلى التفاوض على الحل السياسي القائم على المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن 2216)، هو ما يسعى له التحالف والمجتمع الدولي ويرفضه الحوثي.
استعادة المدينة الاستراتيجية وحرمان الحوثيين من أهم مصادر تمويلهم وتسليحهم سيدفعهم دفعاً إلى طاولة المفاوضات، وما لم تحققه الأمم المتحدة من صمتها الطويل سيحققه العمل العسكري بعد أن طال انتظاره
لا شك أن الحديدة هي آخر المدن الكبيرة التي يسيطر عليها الحوثيون ولن يبقى لهم بعد ذلك سوى العاصمة صنعاء يتحصنون بها، فهل الحوثيون قادرون على الصمود طويلاً في الحديدة؟! كل المؤشرات تقول إن تلك عملية صعبة جداً وأكبر من قدراتهم، فمقاتلوهم لا يتجاوزون 2000 مقاتل في المدينة ويعدون فيها من الغرباء المنبوذين باعتبارهم ليسوا من أهلها أساساً، فإذا أضفنا أن هؤلاء المقاتلين محاطون بـ700 ألف مواطن يمني و25 ألفاً من قوات الجيش اليمني والمقاومة اليمنية، فإن التكتيك المستخدم من قبل التحالف العربي لتكون هذه المعركة عملية خاطفة، سيكون أقرب إلى التحقق في فترة وجيزة، وهو ما لن يسمح للدعوات الإنسانية الزائفة التي تدور في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها، بأن تستمر في أجندتها السياسية وهو ما يراهن الحوثي على استمراره، فهذه الدعوات لا شك أنها تأتي في مصلحة المليشيات لإطالة الصراع في الحديدة، ورغبتها العارمة في وقوع ضحايا من المدنيين ليتحقق مرادها، وهو ما بلغ الحال بصحيفة «الجارديان» البريطانية (نقلاً عن مسؤولين في الأمم المتحدة) إلى توقع سقوط ضحايا مدنيين يصلون إلى 300 ألف شخص. أيُّ موضوعية التي تصل بهذه التقديرات الكارثية غير المنطقية إلى هذا الحد، في الوقت الذي تسير استراتيجية التحالف الإنسانية بكل وضوح بموازاة استراتيجيته العسكرية، في الحفاظ على أرواح المدنيين والبنية التحتية بما يضمن تحرير المدينة دون خسائر بشرية في صفوف المدنيين، وهو ما يبدو أنه يمضي كما هو مخطط له، على الأقل حتى بعد أربعة أيام من انطلاق العمليات العسكرية؟
إذا كانت أي مفاوضات سياسية تحتاج إلى موقف عسكري على الأرض، فقد أحسن التحالف التقدير في اتخاذ قرار العملية العسكرية في الحديدة أخيراً بعد ثلاث سنوات من الانتظار الطويل لتدخل الأمم المتحدة وتسلم الميناء، التي بدورها لا هي التي وافقت على تسلمه ولا هي التي سمحت بردع الانقلابيين عن سيطرتهم عليه، لذلك فإن استعادة المدينة الاستراتيجية وحرمان الحوثيين من أهم مصادر تمويلهم وتسليحهم سيدفعهم دفعاً إلى طاولة المفاوضات، وما لم تحققه الأمم المتحدة من صمتها الطويل سيحققه العمل العسكري بعد أن طال انتظاره، وغدا هو الحل الأخير والوحيد. في النهاية سينتج عن تحرير الحديدة فرض ما يكفي من الضغط الهائل لجلب الحوثيين إلى الطاولة.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة