متحف"بيت الخليفة".. ذاكرة انتصار السودانيين على الاحتلال العثماني
سمي المتحف باسم "بيت الخليفة"؛ لكونه مقراً لسكن عبدالله التعايشي خليفة قائد الثورة المهدية في السودان.
يظل (بيت الخليفة) الكائن في مدينة أم درمان السودانية العريقة، معلما أثريا بارزا في تاريخ السودان، فالمبنى الذي أنشئ خلال الفترة (1885- 1899)، يٌعد مزارا للسياح الأجانب وملتقى للسودانيين كلما قادهم الحنين إلى الماضي وأحداثه.
سمي ببيت الخليفة؛ لكونه مقراً لسكن عبد الله التعايشي خليفة قائد الثورة المهدية في السودان الإمام محمد أحمد المهدي، الذي تقع مقبرته على بعد أمتار من البيت العتيق.
وثار محمد أحمد المهدي على الاحتلال العثماني في السودان، وحقق مع أنصاره انتصارات ساحقة على جيوش الاحتلال التركي في أكثر من موقع، حتى استطاع أن يسيطر على الخرطوم عاصمة البلاد في يناير من العام 1885م، حيث تم قتل الحاكم العام (غوردون باشا) وبعد مضي بضعة أشهر توفي المهدي ودفن بمدينة أم درمان.
وتولى الحكم بعده خليفته عبد الله التعايشي وسط معارضة واسعة من أنصار المهدي وأهله.
ويمثل متحف الخليفة رغم ما تعرض له من إهمال - بحسب صباح أحمد السراج أمينة المتحف - المكان الوحيد الذي لا يزال يضم الكثير من آثار حكم المهدية والحقب التي سبقتها، كما أنه بمثابة الذاكرة السودانية التي توثق انتصار المهدي على الاحتلال التركي العثماني بأسلحة بسيطة.
سكن في البيت الخليفة (التعايشي) بحياته متخذا إياه كديوان لحكمه ومقراً لعمله يقابل فيه الأمراء والكتاب وكبار المساعدين، ويتلقى التقارير ويوزع التعليمات، كما كان يقابل فيه مختلف الناس الوافدين إليه.
وتقول أمينة المتحف: "بعد استشهاد (الخليفة) في معركة شهيرة أطلق عليها اسم (أم دبيكرات) عقب هزيمة جيش المهدي، آل بيت الخليفة إلى الحاكم العام الذي قطن فيه لفترة محدودة، ومن ثم غادره إلى العاصمة الحالية الخرطوم، فتعاقب على السكن في البيت عدد من كبار موظفي الخدمة الاستعمارية، الذين حوّل بعضهم البيت إلى اصطبل للخيول".
وتشير السراج إلى أنه عندما جاء مفتش أم درمان (برمبيل) أقام في المنزل المجاور لبيت الخليفة من الناحية الشرقية، وتمكنت زوجته من تحويل البيت من اصطبل إلى متحف في العام 1928م، وجمعت فيه الكثير من آثار المهدية وحقبة الاحتلال التركي.
وكانت أولى اللبنات لبيت الخليفة عبارة عن بناية صغيرة مصنوعة من القش والأخشاب تسمى محليا بـ(الراكوبة)، كغيرها من البيوت التي بنيت عند إنشاء مدينة أم درمان كبقية المدن السودانية.
وتأسس بيت الخليفة عبر رجل يدعى حمد عبد النور من جماعة الأنصار، الرافد الديني لحزب الأمة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وهو حفيد لقائد الثورة المهدية.
وتطور بيت الخليفة مع مجريات الزمن، ومع دخول المستعمر البريطاني السودان، أخذ يجدد في المدينة وفق حداثته في ذلك المكان، إذ قام معماري إيطالي يدعي ( بيترو) بوضع خرطة جديدة للبيت مشيداً المبنى في العام 1887م بطراز حديث يتكون من طابقين، أسس الأرضي منهما في العام 1886م ـ1888م , ومن ثم الطابق الأول عام 1890م.
وتبلغ مساحة البيت نحو 3500م2، وأبعاده 125م من الشمال إلى الجنوب، و39م من الشرق إلى الغرب متصلا بمسجد للصلاة بباب مغلق الآن، وكان ينتقل عبر هذا الباب الخليفة إلى المسجد ليؤم المصلين.
وحسب الروايات التاريخية، تحول بيت الخليفة إلى متحف بفضل زوجة الحاكم الإنجليزي المحلي (برومبل)، فقد كانت السيدة الإنجليزية مهتمة وخبيرة آثار، فاقترحت على زوجها أن يصبح بيت الخليفة متحفاً للآثار يضم كل آثار الثورة المهدية وغيرها، وبالفعل تم إخلاء البيت تحت إشراف السيدة الإنجليزية وتحول إلى متحف عام 1928م؛ ليصبح المنزل متحفاً للآثار حتى يومنا هذا.
ويحوي المتحف العديد من المقتنيات النادرة تعود إلى ما قبل فترة المهدية على رأسها أسلحة نارية مثل المسدسات التي يعود تاريخها للعهد التركي، وأخرى خاصة بالمهدية مثل الحراب والسيوف بجانب الأزياء التي كان يرتديها (الأنصار)، إضافة إلى تقارير ومكاتبات تاريخية، ورايات وأعلام المهدية والقطع الفخارية والعملات التي تعود لفترة ممالك سودانية ضاربة في القدم مثل (نبتة ومروي)، إلى جانب الأدوات الحجرية.
ويذخر المتحف بالصور والآثار النادرة مثل النقود والمصكوكات، والمطبعة التي تسمى (مطبعة الحجر)، حيث يعتقد الباحثون أنها أول مطبعة تدخل السودان لطباعة المناشير جاء بها الجيش التركي الغازي عام 1821، واحتفظ حكام المهدية بالمطبعة ضمن نوادر قيمة حاز عليها المهدي وأنصاره عقب استعادته للسودان بعد 60 عاما من الاحتلال التركي.
وتكون المتحف المعروف كذلك ببيت (التعايشي)، من 5 وحدات من المباني: المدخل والفناء "الحوش" الذي به العربات القديمة ثم الفناء الرئيسي بالوسط، يقابله فناء آخر يفصل بينهما سور، المبنى الذي يتكون من طابقين يعرف بـ(قصر برومبل) إضافة لوحدة تقع بالجنوب تتكون من حجرات صغيرة تحسب أنها كانت إسطبلات للخيول.
ينقسم المتحف من الداخل عدة أقسام منها غرفة الزائرين، ديوان الشورى وغرف الوزراء بجانب سكن زوجات الخليفة "أم كلثوم" بنت المهدي، كما يضم عدداً من الأبواب كباب دخول زوجاته وأطفاله, وباب الزوار, وباب للمسجد, وباب دخول الأمير يعقوب شقيق الخليفة عبد الله, وكان لا يسمح بدخول أي شخص إلا من الباب المخصص له كما أن ببيت الخليفة عدة أنفاق, على رأسها النفق المؤدي لبيت المال، وهو موقع (السجن العمومي) الحالي في مدينة أم درمان, والنفق المؤدي لبيت الأمانة وهو موقع (دار الرياضة أم درمان)، أحد أقدم الملاعب الرياضية في العاصمة التاريخية للبلاد.
يتبع بيت الخليفة الآن هيئة المتاحف والآثار، ويتم تعيين المدير من قبل وزارة السياحة والآثار، لكن كثيرا من الزوار السودانيين يشعرون بحالة من الإهمال والتردي تسود المتحف، فالآثار النادرة ملقاة بعدم اكتراث دون مراعاة للأثر والبعد التاريخي الذي يشكله ذلك المتحف.
aXA6IDMuMTIuMzQuMTkyIA== جزيرة ام اند امز