لا يوجد أحد في العالم فهم العقلية الحوثية الإرهابية كما فهمتها المملكة العربية السعودية، التي حذرت وما زالت تحذر من خطرها.
فهذه العقلية العدوانية تأتي بوجوه متعددة، أحيانا تهادن، وأحيانا أخرى تُصعّد وتشن هجماتها، ثم فجأة تعود إلى لغة الاستعطاف، ما يؤكد أن إرهاب الأذرع الإيرانية واحد لا يتجزأ، والتخاذل والتعامي الغربي لم ولا يتغير حيال سلوك الحوثي في اليمن ولا النظام الإيراني الداعم المباشر والمحرك لهذه المليشيا.
وقد حملت الرسالة الأمريكية، عبر مشاهد خروج قواتها من أفغانستان، العديد من الرسائل للنظام الإيراني، تعزز من فرضيات واحتمالات توسعه من جديد لاستكمال مشروع بدأته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بتمكين تيارات الإسلام السياسي من حكم المنطقة، واستكمال رسالة أخرى من إدارة "بايدن" عبر شطب اسم مليشيا الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، بعد أن أبدت هذه الإدارة الأمريكية اهتماما باليمن منذ اليوم الأول لها في "البيت الأبيض"، وهو الأمر الذي وصفه حينها خبراء ومحللون بأنه "ليس هفوة أمريكية غير مقصودة".
هذا التعامل المتهاون المقصود من الولايات المتحدة، والغرب عموما، جعل الحوثيين يصدّرون خطابا إعلاميا متصلّبا تجاه العالم يظهرهم كذبا بمظهر الطرف القوي، وهو الخطاب، الذي تصاعد وأصبح أكثر مباشرة وفجاجة على وقع الأحداث المتسارعة، التي شهدتها أفغانستان وانسحاب أمريكي بطعم الهزيمة، فضلا عن الطريقة الفاشلة، التي يتعامل بها الغرب والمجتمع الدولي مع الأزمة اليمنية، وما يحدث على أرض اليمن من تجاوزات مليشيا الحوثي، التي لا يمكن التغافل عنها أو القبول بها في قوانين السياسة الدولية أو على المستوى الإنساني، والتي قد تكونت خلال السنوات الماضية بفرض مليشيا الحوثي الإرهابية والتعامل معها كأمر واقع.
لقد تحوّل شمال اليمن إلى مجرّد قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة ومركز لتهديد الملاحة البحرية العالمية، ولولا سلاح الجو التابع للتحالف العربي واستبسال عدد من القادة العسكريين اليمنيين وأبناء قبائل المنطقة، لكانت الأوضاع أشد صعوبة وقسوة على اليمنيين والإقليم ككل.
الآن لدى الإدارة الأمريكية فرصة كي تُظهر أن فهمها لليمن جاء بشكل خاطئ، وتعلن أنّها لن تدع مليشيات إرهابية مسلحة تفرض أمرا واقعا على الأرض اليمنية، خصوصا بعدما تبيّن أنّ لدى طهران تصميما على الاستيلاء والسيطرة على محافظة "مأرب" عبر استخدام مليشيا الحوثي ثم متابعة التهديدات والهجمات على السعوديّة، وإلا سيتأكد أنه لا أمل في تحقيق أي تقدم في الملف اليمني ما لم توجد ضغوط دولية حقيقية -بعيدا عن الإدانات والبيانات غير المُجدية- لردع مليشيا الحوثي الإرهابية، التي ترفض أيّ محاولة لإيجاد تسوية في اليمن، حتّى لو كان الحوثيون جزءا منها، وفي المبادرة، التي طرحتها المملكة في مارس الماضي -ورفَضها الحوثيون كعاتهم- خير دليل على ذلك.
التصعيد الإرهابي الحوثي والاستهداف المتكرر للمناطق المدنية، والذي يُصنّف دوليا كجرائم حرب، يجب أن نضعه في سياقه الطبيعي المستمر منذ بداية "عاصفة الحزم"، فالمملكة ودول التحالف العربي تحارب مليشيا إرهابية تقتل اليمنيين.
ورغم الجهود المبذولة لتحقيق السلام في اليمن وتقديم المعونات ودعم الاستقرار، يستمر تمكين المليشيات في المنطقة بالسكوت عن أفعالها العدوانية، ما يعني سقوط آخر أوراق التوت والمصداقية الغربية بالصمت عن قتل أبناء بلد عربي على يد مليشيا يحركها الخارج وفقا لاحتياجاته وضغوطاته الداخلية، بل تهجيرهم عبر أبناء جلدتهم المؤدلجين بنزعات طائفية، دون تدخل واضح وحاسم يوقف هذا الإرهاب، الذي تدخلوا باسمه من قبل في أفغانستان والعراق.
منطقيًا لا حل مع مليشيا الحوثي الإرهابية إلا بفرض القوة والحسم وإجبارها على السلام وفق قرارات دولية سارية النفاذ وليس عبر دراما غربية لا تنقذ أحدا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة