الحوثي يتربح من آلام اليمن.. «العين الإخبارية» تفتح ملف «تجارة الدواء»
تربحت مليشيات الحوثي من آلام اليمن، حيث حولت سوق الدواء إلى "سوق سوداء"، إذ بات أخطر مصدر تمويل للجماعة، التي تجني نحو مليار دولار سنويا على حساب أرواح المرضى.
واعتمد الحوثي على الأدوية المهربة كمصدر لتمويل الحرب، لكن ذلك أخذ طابعا رسميا بعد الانقلاب أواخر 2014, حيث شرعت مليشيات الحوثي في استخدام عشرات الشركات في استيراد وتهريب الأدوية لينتقلوا مؤخرا لتشييد مصانع دوائية وتأميم كبرى شركات تصنيع الأدوية في البلاد،مع تشييد صيدليات تجزئة تحتكر بيع الدواء بالمستشفيات.
وتوجت مليشيات الحوثي حربها على الدواء بوضع يدها قبل يومين على "الشركة الدوائية الحديثة" و"الشركة العالمية لصناعة الأدوية" التي تملك أكبر مصانع يمنية للأدوية، حيث قامت بحجز أرصدتها في البنوك المحلية واعتقال 8 من مديري إدارات الشركتين بينهم امرأة وتأميمها لصالحها بما في ذلك مصانع وفروع الشركتين في ذمار وعمران وإب.
ورغم أن مليشيات الحوثي كانت تتقاضى أكثر من ربع مليون دولار (250 ألف) سنويا بذريعة أنها أرباح 4 مساهمين مناهضين لها في الشركتين خلافا عن جبايات شهرية وضرائب، إلا أنها انتقلت مؤخرا لتأميم الشركتين وإلحاقهما بما يسمى "الحارس القضائي".
واستند سطو المليشيات على الشركتين لوثيقة أصدرها ما يسمى "وكيل نيابة أمن الدولة بأمانة العاصمة" صارم الدين مفضل، وموجهة للبنك المركزي الخاضع للحوثي يطالبه بحجز أرصدة الشركتين والمديرين فيها وإلحاقها بالمنظومة الاقتصادية المعنية بإدارة أموال وأملاك المناهضين.
وقال مصدر حكومي لـ"العين الإخبارية" إن سيطرة الحوثي على الشركة الحديثة والشركة العالمية تأتي لتنويع مصادر تمويل الجماعة، حيث تنتج الأولى 150 صنفا دوائيا بمعدل 21 مليونا و600 وحدة سنويا، فيما تستحوذ الأخرى على أكثر من 9% من حصة سوق الدواء المحلي.
مصانع ومعامل وصيدليات استثمارية
فتح تأميم الحوثي لكبرى شركات تصنيع الأدوية الأنظار على أحد أهم الملفات الخفية والسوداء للمليشيات، التي تكشف نهب الجماعة للوكالات الدوائية لصالح مصانع ومعامل شيدتها مؤخرا ووكلاء وشركات تابعة لقادتها تعمل بشكل مزدوج في تجارة الدواء والمبيدات السامة.
وأسست مليشيات الحوثي منظومة متكاملة للهيمنة على سوق الأدوية لتجني ملايين الدولارات من القطاع الصحي مستغلة سيطرتها على مؤسسات "وزارة الصحة غير المعترف بها" بصنعاء و"الهيئة العليا للأدوية" التي منحت تصاريح لعشرات الشركات منها شركات واجهة وأخرى وهمية.
وقالت مصادر خاصة في قطاع الأدوية والطب العلاجي بصنعاء لـ"العين الإخبارية" أن مليشيات الحوثي تتربح من نحو 2000 مرفق صحي منها مستشفيات حكومية وخاصة تنتشر في مناطق سيطرتها ووصل مؤخرا لاحتكار بيع الدواء فيها.
ووفقا للمصادر، فإنه على مستوى الاتجار بالمنتجات الطبية المغشوشة، شيدت المليشيات الحوثية 3 مصانع جديدة ضمن 20 مصنعا تحت الإنشاء منها مصنع "ميديكا للصناعات الدوائية"، إلى جانب إعادة تفعيل مصنع "يدكو" لإنتاج المحاليل الوريدية الذي توقف عام 2009.
وأشار إلى أن مليشيات الحوثي أعادت تشغيل مصنع الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية الكائن في مذبح بصنعاء وألحقته بالمؤسسة الاقتصادية التي تمول أعمالها العسكرية، وينتج المحاليل الوريدية والمستحلبات والكبسولات والحبيبات والمراهم والكريمات وأشكال دوائية عدة.
ولفت إلى أن هناك 15 معملا تنشط في تصنيع أدوية غير مطابقة للمواصفات تابعة لقيادات حوثية من بين عشرات المعامل التي انتشرت مؤخرا بدعم من المليشيات وتتخذ من منازل ومبانٍ في "السنينة" و "ضلاع همدان" و"شملان" بصنعاء كمقار لها لصنع عشرات أصناف الدواء المزور.
وكشفت المصادر أن مليشيات الحوثي شيدت 5 صيدليات خاصة كمشاريع استثمارية لقياداتها تحتكر بيع الدواء في مستشفيات أمانة العاصمة منها المستشفى الجمهوري ومستشفى الكويت الجامعي.
وأكد أن المليشيات تتجه لفتح صيدليات أخرى في 8 مستشفيات وفي مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها ضمن مخطط للقضاء على مهنة الصيدلة بغطاء "الصيدليات الوطنية الاستثمارية" المرتبطة بعدد من قياداتها.
شركات دواء ومبيدات
ورغم تباهي مليشيات الحوثي بزعم توطين صناعة ألف و818 صنفا دوائيا، تشير تقارير صحية متخصصة إلى أن شركات استيراد الأدوية الخاصة قفز عددها إلى 600 شركة غالبيتها تتبع قيادات حوثية وتنشط في استيراد الدواء والمبيدات السامة.
وتؤكد التقارير أن 71 قياديا حوثيا يستثمرون في صحّة اليمنيين ابتداء من تهريب وتزوير الأدوية عبر تشييد شركات دوائية أغرقت الأسواق المحلية بالدواء الملوث وصولا لبيعها لصالح مستشفيات وصيدليات خاصة.
من بين هذه الشركات هي "شركة سبأ للأدوية والمستلزمات الطبية المحدودة" ويديرها "علي أحمد دغسان" الشهير بتهريب المبيدات، وكذا 5 شركات تتبع "صالح الشاعر"، منها شركتان يديرهما شقيقه "عبدالله" إلى جانب إدارته 5 مستشفيات تحت منظومة "الحارس القضائي" الاقتصادية.
ويدير طه المتوكل الذي يشغل منصب وزير الصحة للحوثيين مجموعة "يوني ماكس" الصحية والتجارية التي تضم مستشفى وشركة استيراد دوائية وشركة تجارية مختلطة إلى جانب إدارته "مستشفى اليمن السعيد".
كما سعت مليشيات الحوثي لاستغلال "الهيئة العليا للأدوية" بصنعاء للقيام في استيراد الأدوية عبر تفريخ شركات استيرادية متصلة بنافذين يديرون هذه الوكالة التي تمارس فرض مبالغ إضافية على شركات استيراد القطاع الخاص خارج المبالغ القانونية التي تدفع كاملة وبانتظام.
أمن اليمن الدوائي في خطر
قال مسؤولون في الحكومة اليمنية المعترف بها في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن هيمنة مليشيات الحوثي على سوق الأدوية ومصانع الدواء يضع أمن اليمن الدوائي في خطر وسوف يغرق البلاد بأدوية مغشوشة.
وهذا ما أكده وكيل وزارة الصحة اليمنية الدكتور سالم الشبحي الذي دعا شركات الاستيراد والتصنيع الدوائية في مناطق مليشيات الحوثي للانتقال إلى العاصمة عدن للعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
وتعهد المسؤول الصحي في تصريح لـ"العين الإخبارية"، بتوفير بيئة آمنة وملائمة لعمل كل الوكالات الدوائية وأطقمها العاملة بما يسهم في بقاء الأمن الدوائي للبلد بعيدا عن سطوة وعبث جماعة إرهابية كمليشيات الحوثي.
أما المدير التنفيذي للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في اليمن الدكتور عبدالقادر الباكري فأكد أن "الصناعة الدوائية شريك هام في توفير الأمن الدوائي في اليمن"، مشيرا إلى أن وثيقة السياسة الدوائية للبلد تولي اهتماماً خاصاً بالصناعة الدوائية المحلية، بحيث تغطي أكثر من 50% من احتياجات الدواء على مدى 10 أعوام.
وفي حديثه لـ"العين الإخبارية" حذر المسؤول اليمني مليشيات الحوثي من "أي استهداف للصناعة الدوائية المحلية كون ذلك سينعكس سلباً على تحقيق هذه الأهداف إضافة إلى الآثار الأخرى على الاقتصاد والاستثمار".
وأوضح أن "الشركه الدوائية والعالمية التي نهبها الحوثي هي شركات مساهمة في الصناعة الدوائية المحلية ولديها مشاريع تطويرية مهمة منها مصنع أدوية في عدن لإنتاج المضادات الحيوية بات على وشك الإنتاج في هذا العام".
وأكد الباكري أن هناك تعاوناً بين الهيئة وجميع الجهات سيما الجمارك، حيث ينتشر المندوبون من قبلنا في جميع المنافذ الرسمية الواقعة تحت سيطرة الشرعية في سبيل مكافحة تهريب الأدوية التي يغذيها الحوثيون منها شحنتان تم إتلافهما الأيام الماضية بعد ضبطهما بعدن والمهرة.
وأشار إلى أن انقلاب مليشيات الحوثي وسيطرتها على شمال اليمن تسبب في انتشار الأدوية المهربة و"نحن لا نملك أرقام رسمية عن تلك الأدوية" التي تستوردها وتهربها المليشيات في مناطق سيطرتها ضمن جرائمها ضد القطاع الصحي.
وكان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أدان اقتحام مليشيات الحوثي كبريات الشركات الطبية في صناعة الأدوية باليمن، والمصانع التابعة لها، واختطاف عدد من مدرائها وموظفيها بينهم امرأة، ضمن ممارسات الحوثي التدميرية للقطاع الخاص، واستهدافه الممنهج للاقتصاد للوطني.
وحث مختصون في قطاع الأدوية والطب العلاجي الحكومة الشرعية للضغط على الأمم المتحدة لفرض عقوبات على قادة الحوثي المسؤولين على الإتجار بالأدوية المهرّبة والمزوّرة والفاسدة للإثراء وتمويل حربهم المدمرة، إذ يقدر ما تجنيه الجماعة الإرهابية من هذا القطاع بنحو مليار دولار سنويا.
aXA6IDE4LjIyMS41Mi43NyA= جزيرة ام اند امز