الصين VS أمريكا.. التنين الآسيوي يتسلح بالتكنولوجيا لحسم الحرب التجارية
حذر محللون من أن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على الصين يبدو وكأنها أتت بنتائج عكسية.
وقال تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" إنه في أواخر سبتمبر/أيلول، أصدرت إدارة بايدن مسودة قاعدة من شأنها حظر السيارات الصينية المتصلة والذاتية القيادة ومكوناتها من السوق الأمريكية. وهذه واحدة من أحدث الخطوات العديدة التي اتخذها صناع السياسات في الولايات المتحدة لحماية الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة.
وخلال الأربع سنوات الماضية، حافظ الرئيس جو بايدن على العديد من سياسات ترامب تجاه الصين وطور سياسات جديدة، بما في ذلك فرض ضوابط تصدير واسعة النطاق في أواخر عام 2022 على أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات أشباه الموصلات. ومع استعداد إدارة ترامب القادمة لتسريع وتوسيع هذه القيود بشكل أكبر، فينبغي النظر والفحص فيما أفضت إليه هذه الحرب في السنوات الماضية.
وشملت مجموعة أدوات واشنطن واسعة النطاق للغاية: ضوابط التصدير، والتعريفات الجمركية، وحظر المنتجات، وفحص الاستثمارات الواردة والصادرة، والقيود المفروضة على تدفقات البيانات، والحوافز لتحويل سلاسل التوريد، والحدود المفروضة على التبادل العلمي والتعاون البحثي، ونفقات السياسة الصناعية.
وهدفت هذه الإجراءات إلى إبطاء تقدم الصين في أكثر التقنيات تقدماً والتي لديها إمكانات الاستخدام المزدوج، والحد من الاعتماد المفرط على الصين كمصدر للمدخلات وكسوق للسلع الغربية، وحرمان الصين من الوصول إلى البيانات الحساسة، وحماية البنية الأساسية الحيوية، وحماية القدرة التنافسية الصناعية للولايات المتحدة، وتعزيز تشغيل العمالة في قطاع التصنيع.
لكن أخطر سلاح كان في يد الصين هو تحول بكين نحو شكل أكثر توسعاً وحزماً من توطين التكنولوجيا وهو الذي يشكل مخاطر حقيقية على الرخاء والأمن الاقتصادي للولايات المتحدة وغيرها. فسياسات واشنطن التقييدية المتزايدة أسفرت عن نتائج مختلطة للغاية. ومع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة، سيكون من الحكمة أن تفكر إدارته في ذلك مليا.
نتائج متباينة
وضرب التقرير مثالا بصناعة أشباه الموصلات في الصين التى واجهت أكبر قدر من الصعوبات. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وضعت وزارة التجارة الأمريكية نحو 850 مؤسسة وفردًا صينيًا على قائمة الكيانات، وهو ما يمنعهم فعليًا من الوصول إلى أحدث التقنيات في الولايات المتحدة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، فرضت وزارة التجارة أيضًا قيودًا شديدة على الشركات الأمريكية التي تبيع أشباه الموصلات والمعدات المتقدمة للشركات الصينية. كما أجبرت واشنطن شركات الرقائق الأخرى، وأبرزها اليابان وهولندا، على تقييد المبيعات إلى الصين.
وكان التأثير فوريًا ومدمرًا للعديد من الشركات الصينية، التي لم تعد قادرة على شراء شرائح معينة، مثل أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا من شركة إنفيديا المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومنحت بكين شركات الرقائق الصينية شيكًا مفتوحًا وكل الحوافز التنظيمية التي يمكن تصورها في محاولة لسد هذه الثغرات وإغلاق الفجوة.
كما فرضت إدارة بايدن رسوماً جمركية مرتفعة على السيارات الكهربائية والبطاريات الصينية هذا العام، إلى جانب الحظر المحتمل القادم على واردات السيارات المتصلة والذاتية القيادة، والتي قد تغلق السوق الأمريكية تماماً أمام السيارات الصينية.
علاوة على ذلك، يمكن أن تمنع الولايات المتحدة شركات الأدوية الأمريكية من استخدام الشركات الصينية لإجراء التجارب السريرية، وتقييد الاستثمارات الدوائية الأمريكية في الصين، ومنع الأدوية التي تم تطويرها في الصين من الوصول إلى السوق الأمريكية.
ومن الناحية النظرية، تعمل الضغوط الأمريكية بشكل غير مباشر على إضعاف اقتصاد الصين. لكن كل تلك السياسات جاءت بعواقب غير مقصودة للساسة الأمريكيين.
عواقب غير مقصودة
التركيز المفرط لبكين على الاعتماد على الذات من الناحية التكنولوجية حفز التقدم التكنولوجي الصيني.
وكان الهدف الأساسي لخطة "صنع في الصين 2025" التي أعلنتها البلاد في عام 2015 هو رفع مكانة المنتجات التكنولوجية الصينية في الأسواق العالمية. ولم يتحول هدف بكين نحو توطين سلاسل التوريد الخاصة بها من البداية إلى النهاية، وخاصة في التقنيات الاستراتيجية مثل أشباه الموصلات والاتصالات والذكاء الاصطناعي، إلا بعد أن بدأت واشنطن في إظهار عضلاتها.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استثمرت الصين موارد واسعة النطاق في أكثر مجالات المعدات وأدوات أشباه الموصلات تقدما، كما حاولت بكين تطوير حلول عالية التقنية تعتمد بالكامل تقريبا على المكونات الصينية في محاولة لإزالة التكنولوجيا الأمريكية من سلسلة التوريد الخاصة بها.
ومن المفارقات أن القيود ذاتها التي كانت تهدف إلى الحد من التقدم التكنولوجي في الصين ساعدت في بعض المجالات على تحفيزه. فقد شهدت الصين تحسناً في قطاعات متعددة، من حيث البحث والتطوير، وإنتاج التصنيع، وزيادة المحتوى المحلي في الصادرات.
وأصبحت شركات بطاريات السيارات الكهربائية وشركات صناعة السيارات الصينية عن شركات لديها حس واضح بالمشهد التنافسي العالمي، وقدرات قوية في ابتكار المنتجات والعمليات، والموارد المالية اللازمة للمضي قدما.
ولا تزال الشركات الصينية متخلفة كثيرا عن المنافسة في صناعة أشباه الموصلات، لكنها تبني تدريجيا نظاما بيئيا محليا وسلسلة توريد، وهي تحقق تقدما تدريجيا مع صناع المعدات والبرمجيات المحليين.
ويبدو أن الشركات المحلية تتبع تعليمات بكين لزيادة استخدام الرقائق المحلية.
الواقع أن الباحثين الصينيين يستكشفون مسارات جديدة في المواد، وهندسة الرقائق، ومنهجيات الحوسبة التي قد تسمح لمصنعي أشباه الموصلات الصينيين بالتفوق على منافسيهم الأجانب بنفس الطريقة التي تجاوز بها صناع السيارات الكهربائية الصينيون الهيمنة الغربية في محركات الاحتراق الداخلي.
التكنولوجيا النظيفة
وتتفوق الصين الآن على الولايات المتحدة وبقية العالم في مجال التكنولوجيا النظيفة. وقد أثمر رهانها المحفوف بالمخاطر على السيارات الكهربائية، مع نتائج مبهرة في معالجة المواد الخام، والبطاريات، والاتصالات عن بعد، ونماذج السيارات، والبنية الأساسية للشحن.
وينطبق نفس الشيء على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة النووية. وفي الآونة الأخيرة، أحرزت الشركات الصينية تقدما كبيرا في تطوير السيارات ذاتية القيادة والبنية الأساسية ذات الصلة. كما أن الصين بات لديها حصة متزايدة من الأدوية المبتكرة التي تصل إلى التجارب في المراحل المتأخرة وتدخل الأسواق العالمية.
واختتم التحليل بالتأكيد على أنه إذا اتخذت إدارة ترامب خطوات أكثر جذرية لفصل الاقتصاد الأمريكي عن الاقتصاد الصيني، فإن الجوانب السلبية الاقتصادية والأمنية الوطنية سوف تكون أكثر وضوحا.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ny4xNzMg جزيرة ام اند امز