فيروس التضخم.. كيف تنشره أمريكا في اقتصادات العالم؟
سيكون المستهلك النهائي هو من يتحمل كلفة الزيادات على أسعار السلع، من فروقات عملة، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج المستوردة بعملة الدولار.
في وقت تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرملة التضخم المرتفع، عبر قرارات زيادة أسعار الفائدة، إلا أنها بطريقة غير مباشرة تعمل على نقل التضخم إلى بقية دول العالم.
ومن المعروف أن تحريك أسعار الفائدة، هي السياسة النقدية الأكثر اتباعا من جانب البنوك المركزية، بهدف الإبقاء على نسب التضخم ضمن مستويات معقولة تتناسب وأهداف السياستين النقدية والمالية.
ولكن، كيف تقوم الولايات المتحدة بنقل التضخم إلى العالم، من خلال سياسات تنفذها عبر الفيدرالي الأمريكي، وعلى العملة الأمريكية؟
- لكبح التضخم.. هل يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة؟
- التضخم يقود العالم نحو محنة أسوأ في 2023.. تحذير من صندوق النقد
وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، فإن قرابة 75% من مدفوعات التجارة حول العالم تتم بعملة الدولار الأمريكي، والنسبة المتبقية موزعة على بقية العملات المتداولة الأخرى بصدارة اليورو الأوروبي واليوان الصيني.
عندما يقرر الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة على الدولار، وما تعرف اصطلاحا بـ "الأموال الاتحادية"، فإن القيمة النقدية والسوقية للدولار ترتفع، ويصبح الحصول عليه أكثر كلفة من ذي قبل.
في هذه الحالة، تنتقل أجزاء من هذا النقد داخل السوق الأمريكية إلى البنوك على شكل ودائع بفائدة، ويقل المعروض النقدي داخل الأسواق المحلية، وتتراجع وتيرة الاستهلاك، ثم الإنتاج، ويؤثر في مرحلة ما على الوظائف.
في هذه الحالة، وداخل السوق الأمريكية، تظهر بوادر انخفاض على الأسعار بسبب زيادة كلفة الاستهلاك، ما يضطر المستهلكون لإعادة ترتيب أولوياتهم الإنفاقية بناء على الأسعار المرتفعة، وهنا تتراجع الأسعار لأن الطلب تراجع.
ولكن في هذه الأثناء، فإن دول العالم ستواجه معضلة أكثر تعقيدا، ترتبط بأن السلع المقومة بالدولار الأمريكية عند استيرادها، ستكون كلفتها أعلى مما كانت عليه قبل زيادة أسعار الفائدة، خصوصا للدول التي تملك سياسة نقدية غير مرتبطة بالدولار.
والسبب في ذلك، أن أسعار صرف العملات في ذلك الوقت أمام الدولار تكون متراجعة، وبالتالي فإن كلفة الحصول على النقد الأجنبي للاستيراد سيترتب عليها كلفة إضافية مرتبطة بالحاجة إلى عملة محلية أكثر أكثر للحصول على الدولار.
وسيكون المستهلك النهائي هو من يتحمل كلفة الزيادات على أسعار السلع، من فروقات عملة، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج المستوردة بعملة الدولار، أو أية عملة مرتبطة بها.
لكن إحدى الآثار المترتبة على استمرار قوة الدولار وارتفاع التضخم، أنه سيؤثر سلبا على اقتصادات الدول، وتبدأ في البحث عن حلول لمعالجة التضخم، أبرزها رفع أسعار الفائدة على عملتها المحلية.
تبعات رفع أسعار الفائدة، ستكون مؤلمة لدى عديد الاقتصادات، خاصة تلك التي تحتاج إلى تحفيز السوق على الإنتاج والاستثمار، ورفع أسعار الفائدة هو أكبر التحديات أمام تحفيز النمو والاستثمار، لأنه يمتص السيولة من الأسواق.
أبرز الأمثلة على ذلك، تراجع أسعار النفط الخام مع ارتفاع الدولار الكبير، إذ يؤدي ارتفاع سعر العملة الأمريكية إلى زيادة كلفة استيراد الخام والمشتقات على الدول الأخرى، فيقل الطلب على الاستهلاك وتتراجع الأسعار.
الأخطر، هو تراجع أسعار العملات مقابل الدولار، والذي يربك جهود البنوك المركزية لعرقلة التضخم المرتفع، كما حصل مع اليورو والجنيه الاسترليني واليوان الصيني والين الياباني والجنيه المصري، وإن كانت هناك أسباب إضافية.
قبل أقل من أسبوعين، تدخلت اليابان لأول مرة منذ 24 عاما لدعم الين، الذي انخفض بنسبة 26% مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري.
بينما تراقب الصين أسواق العملات بعد أن انخفض تداول اليوان إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، في حين حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد من أن الانخفاض الحاد في قيمة اليورو "قد أضاف إلى تراكم الضغوط التضخمية".