خبير في المحتوى الرقمي يكشف لـ«العين الإخبارية».. كيف أدارت «تيك توك» معركتها الرقمية؟

في الربع الأول من 2025، فتحت تيك توك تفاصيل حربها الصامتة ضد المحتوى المخالف، كاشفة كيف أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي وفِرق المراجعة البشرية جدارًا يحاول أن يسبق الانتهاكات.
المنصة، التي تصف مهمتها بأنها إلهام للإبداع وجلب للمتعة، لم تعد ترى الأمان خيارًا، بل شرطًا لبقاء مستخدميها في فضاء يشعرون فيه بحرية التعبير دون أن يبتلعهم المحتوى الضار.
يعلق محمد فتحي، خبير المحتوى الرقمي، على هذه الأرقام قائلاً إن هذا الحجم الكبير من المقاطع المحذوفة يعكس التزام المنصة بتطبيق معاييرها الصارمة وإرشادات المجتمع التي وضعتها منذ تأسيسها، مشيرًا إلى أن التقرير الأخير كشف ملاحظة مهمة: حذف نحو ثلاثة ملايين فيديو جاء ضمن حملة استباقية نفذتها المنصة قبل أن تصلها أي بلاغات من المستخدمين بشأن تلك المقاطع.
الأرقام التقنية تكشف مشهدًا لافتًا: أكثر من 99% من الفيديوهات المخالفة أُزيلت قبل أن يضغط أي مستخدم زر الإبلاغ، و90% منها لم تحصل على مشاهدة واحدة. هذه الأرقام، التي قد تبدو مبالغًا فيها للوهلة الأولى، يقف خلفها جيش تقني جديد؛ تقنيات آلية قادرة على رصد الانتهاكات وإزالتها بسرعة، أزالت وحدها 87% من المحتوى المخالف، وأوقفت 19 مليون بث مباشر خلال ثلاثة أشهر فقط، بزيادة 50% مقارنة بالربع السابق.
يرى فتحي أن تيك توك يعد التطبيق الأكثر صرامة في حماية الأطفال والمراهقين، والأكثر إبداعاً بين المنصات الأخرى، خاصة في مجال الفيديوهات التعليمية والإبداعية ومحتوى الفنون والآداب. ويضيف أن حماية "تيك توك شوب" مسألة محورية، لأن الفئة العمرية الأصغر، خصوصاً الشباب الأكثر إقبالاً على التطبيق مقارنة بغيره من المنصات، هي الأكثر نشاطاً في الشراء عبر الإنترنت والأكثر انفتاحاً على التكنولوجيا. ويؤكد أن الانتشار السريع للتطبيق جعله محل اهتمام عالمي ليس لأنه خطر على الشباب، بل لأنه الأكثر استخداماً وانتشاراً.
لكن الشركة لم تكتفِ بما لديها. دخلت النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) على الخط، محللة النصوص والتعليقات بدقة أعلى، ومساعدة في كشف المعلومات المضللة بشكل أسرع. هذه التقنيات لم تعزز الكفاءة فقط، بل أنقذت المراجعين البشريين من صدمات متكررة؛ إذ انخفضت نسبة الفيديوهات الصادمة والدموية التي يراجعها البشر يدويًا بنسبة 60% خلال عام 2024، بعدما أصبحت الخوارزميات تتولى معظم هذا العبء.
هنا يضيف فتحي تفسيرًا مهمًا: "الصعود المتسارع للتطبيق خلق حالة من التركيز المكثف عليه، ربما بشكل مبالغ فيه. الحملات الأمنية الأخيرة في مصر مثلًا أسفرت عن القبض على أقل من عشرة أفراد من بين عشرات الملايين من المستخدمين، وهو رقم قليل للغاية. هذه الحملات نجحت في إعادة ضبط بعض أنماط الاستخدام، لكن المشكلة ليست في المنصة نفسها، بل في طريقة استخدام بعض الأشخاص للتكنولوجيا".
أما في الشرق الأوسط، فقد اتخذت المعركة طابعًا أكثر صرامة. بين يناير / كانون الثاني ومارس / آذار، حُذف ما يقارب 16.5 مليون فيديو مخالف في خمس دول. تصدّر العراق القائمة بحذف نحو 10 ملايين فيديو، وإيقاف 649,551 بثًا مباشرًا، وحظر 346,335 من مضيفي البث، لكنه أيضًا كان الأعلى في استرجاع المحتوى عبر الاستئناف بـ209,291 فيديو تمت إعادتها. في مصر، حُذف 2.9 مليون فيديو، وأوقفت المنصة 587,246 بثًا مباشرًا، مع حظر 347,935 مضيفًا، بينما استُعيد 144,605 فيديوهات بعد الطعون. أما المغرب، فقد تجاوز عدد الفيديوهات المحذوفة المليون، مع إيقاف 77,396 بثًا مباشرًا وحظر 44,121 مضيفًا، واسترجاع 53,525 فيديو بعد المراجعة. وفي لبنان، أُزيل 1.3 مليون فيديو، وأُوقف 45,536 بثًا مباشرًا، وحُظر 24,795 مضيفًا، بينما أعيد نشر 31,880 فيديو بعد قبول الاستئناف.
ويشرح فتحي هذه الصورة قائلاً: "حين يستخدم البعض تيك توك كوسيط لتجارة غير مشروعة، أو لعمليات مثل غسل الأموال، يصبح الأمر مشابهاً لما قد يحدث على فيسبوك أو إنستغرام أو أي منصة اتصال أخرى. المتهم هنا هو سوء استخدام التكنولوجيا، إلى جانب ضعف إدراك بعض المشاهير لحقوقهم وواجباتهم القانونية تجاه الدولة وقوانينها".
لم تكن الحرب على المحتوى وحدها، إذ صعّدت تيك توك جهودها ضد الحسابات المزيفة ومحاولات تضخيم التفاعل الوهمي، مستهدفة أي نشاط يهدف إلى تضليل خوارزمياتها أو التلاعب بنظام الشهرة. وفي الجانب التجاري، شددت المنصة قبضتها على الإعلانات، فكل إعلان وكل حساب معلن أصبح مطالبًا بالامتثال لإرشادات المجتمع وسياسات الإعلانات، وهو ما أدى إلى زيادة في الإزالات على مستوى الحملات والحسابات الإعلانية نتيجة لعمليات تدقيق أوسع.
هنا يضيف فتحي بعدًا آخر: "بعض المستخدمين ارتكبوا أخطاء نتيجة جهلهم بالقانون، وتجاوزوا حدود المسموح، ما أدى إلى ارتكاب مجازفات مرتبطة بالمحتوى وانصرافهم عن الأهداف الأساسية للمنصة. القانون سيقول كلمته الأخيرة، ليحسم ما إذا كانت هذه التجاوزات قد أخلّت بالقانون المصري أم لا".
ويصف فتحي تيك توك بأنه منصة ترفيهية وتعليمية وتجارية في آن واحد، تسعى إلى تعزيز التجارة الإلكترونية، وتسهيل عمليات البيع والشراء، وترويج المحتوى والأنشطة المختلفة حول العالم، بما في ذلك الأزياء والطعام والسياحة. لكنه يرى أن التركيز المبالغ فيه على تصرفات بعض المشاهير جعل كثيرين يغفلون القيمة الحقيقية لمنصة تمكنت من الوصول إلى مليارات المستخدمين في وقت قصير، خاصة بعد وباء كورونا / آذار 2020، حين شهد التطبيق صعوداً لافتاً شكّل تحدياً كبيراً لبقية المنافسين.
ويختتم فتحي قائلاً: "اتجه صناع المحتوى والمشاهير إلى تيك توك لأنه أسرع وسيلة لتحقيق الانتشار وتحقيق الأرباح، ما جعله المنصة المفضلة لكل من يسعى للوصول إلى أوسع جمهور ممكن في أقل وقت".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز