هابل يفحص شمسا ثانية على بعد 2.4 مليار سنة ضوئية
حقق تلسكوب هابل الفضائي إنجازا كبيرا من خلال التعمق في دراسة أحد الكوازارت بشكل غير مسبوق، حيث اكتشف ميزات غير مألوفة حول الثقب الأسود العملاق الذي يقوده.
والكوازارات هي أجسام فضائية شديدة السطوع تقع في مركز بعض المجرات البعيدة، وتعتبر من أكثر الظواهر الفلكية إثارة في الكون بسبب قوتها الكبيرة، حيث يمكنها أن تكون أكثر سطوعا من مجرة كاملة تحتوي على مليارات النجوم.
ويُعتقد أنها تتكون نتيجة لوجود ثقب أسود عملاق في مركز المجرة، فهذه الثقوب السوداء تمتص كميات ضخمة من الغاز والغبار المحيط بها، وعندما يقترب هذا الغاز من الثقب الأسود، يتسارع ويتجمع في حلقة مسماة بـ "قرص التراكم"، وبسبب الجاذبية الهائلة للثقب، يتم تسخين الغاز بشكل كبير حتى يبدأ في التألق بشدة، مما يجعل الكوازار يضيء بشكل غير عادي.
ويعتبر الكوازار" 3C 273" الذي ألقى هابل نظره عليه، أكثر الكوازارت سطوعا لدرجة أنه، لو كان يقع على بُعد عشرات الآلاف من السنين الضوئية من الأرض، بدلا من بُعده الحالي ( 2.4 مليار سنة ضوئية )، لكان سيتوهج مثل الشمس في سمائنا.
وجعل هذا اللمعان الهائل دراسة الكوازار تحديا كبيرا لتلسكوب هابل، الذي كان يواجه صعوبة في التحديق في ضوءه الساطع مثل النظر إلى مصابيح سيارة قادمة، ومع ذلك، سمحت أداة جديدة على هابل بتقليل هذا التوهج، مما أتاح له التعمق في هيكل المنطقة المحيطة بالثقب الأسود.
وباستخدام جهاز التحليل الطيفي التصويري، الذي يعمل بشكل مشابه لجهاز التغطية الشمسية (وهو جهاز يستخدمه الفلكيون لحجب الضوء الساطع للشمس من أجل دراسة أجوائها الخارجية الخافتة)، تمكّن هابل من رصد المنطقة المحيطة بالثقب الأسود بدقة غير مسبوقة. وكشفت هذه الملاحظات الجديدة عن ميزات "غريبة"، بما في ذلك كتل بأحجام متفاوتة وهيكل خيطي على شكل حرف L ضمن 16,000 سنة ضوئية من الثقب الأسود، وقد تكون هذه الأجسام مجرات صغيرة تسحبها الجاذبية نحو الثقب الأسود، مما يمدّه بالغاز والغبار الذي يغذي سطوع الكوازار.
وأوضح بن رين من مرصد كوت دازور في فرنسا، وهو عضو في فريق البحث، أن النتائج التي تم التوصل إليها تقدم قفزة كبيرة في فهم البيئة الفوضوية المحيطة بالثقب الأسود العملاق في " 3C 273"، وتعد هذه الاكتشافات خطوة مهمة نحو فهم كيفية تغذية الكوازارات وكيفية تصرف المناطق المحيطة بها.
والكوازارات، التي كانت أكثر وفرة قبل حوالي 3 مليارات سنة من الانفجار العظيم، مدفوعة بالثقوب السوداء العملاقة. ومع ذلك، لا تحتوي جميع المجرات على كوازارات، حيث أن بعض الثقوب السوداء تكون محاطة بمواد غير كافية لإنتاج الطاقة الهائلة التي تميز هذه الظواهر الكونية. على سبيل المثال، الثقب الأسود العملاق في مركز مجرتنا لن يُنتج كوازارا بسبب قلة المواد المحيطة به.
وكشفت الملاحظات الجديدة أيضا عن تفاصيل حول النفاثات المادية التي تنطلق من قطبي الكوازر "C 2733"، التي تمتد لمسافة تتجاوز 300,000 سنة ضوئية،وتُنتج هذه النفاثات، جنبا إلى جنب مع المنطقة الساطعة المحيطة بها والمعروفة بالنواة المجرية النشطة (AGN)، كميات ضخمة من الضوء، وغالبا ما تفوق سطوع المجرات بالكامل.
ومن خلال مقارنة البيانات الجديدة مع صور أرشيفية تفصل بينها 22 عاما، اكتشف فريق البحث أن النفاثات تزداد سرعة كلما ابتعدت عن الثقب الأسود، مما يعمق فهمنا لديناميكيات الكوازار.
وخلص رين إلى أن نتائج هابل تقدم معلومات لا تقدر بثمن حول شكل الكوازار وتفاعلاته، ومن المتوقع أن تكشف الملاحظات المستقبلية باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي في ضوء الأشعة تحت الحمراء المزيد من الأسرار حول هذه الظاهرة الكونية.