استثمارات تنموية ضخمة في الشدّة قبل الرخاء.. كيف دعمت الإمارات اقتصاد السودان؟

لطالما شكّلت العلاقات بين الإمارات والسودان نموذجًا راسخًا للتعاون الاستراتيجي تجاوز حدود الإغاثة والعطاء، إلى شراكة تنموية شاملة تعزز النمو الاقتصادي وتدعم الاستقرار، خاصة في أوقات التحديات التي واجهتها الخرطوم في ظل فترة انتقالية امتدت منذ عام 2019.
ففي وقت تحسّس فيه المستثمرون الدوليون خطواتهم في بلد يمر بتحول فارِق، وقفت الإمارات بوضوح إلى جانب الشقيق السوداني، موفّرة كل مساعدة ممكنة لإنجاح المرحلة الانتقالية في السودان وتحقيق أهدافها المرجُوّة، وضخّت الاستثمارات التنموية في شتى قطاعات الاقتصاد الخدمية والإنتاجية، وحشدت الدعم الدولي للخرطوم ماليًا وفنيًا، لتُستكمَل قصة عطاء ودعم وإسناد امتدّت على مدار تاريخ العلاقة بين البلدين.
لم تكن العلاقة بين دولة الإمارات والسودان وليدة لحظة عابرة، بل امتدت منذ تأسيس الاتحاد عام 1971؛ حين نسج البلدان علاقات أخوية عميقة، واستثمرت دولة الإمارات في مجالات عديدة مثل الزراعة والمياه، وأسهمت في خلق فرص العمل للشعب السوداني الذي يعتبر من أكثر الجاليات احتراماً ونشاطاً في داخل المجتمع الإماراتي.
وقد لعبت دولة الإمارات دوراً محورياً في تعزيز الاقتصاد السوداني من خلال استثمارات ضخمة ومبادرات تنموية متعددة؛ حيث تعتبر دولة الإمارات رئة حقيقية لكثير من رواد الأعمال والشركات السودانية وقاعدة لانطلاق الشركات السودانية إلى العالم.
شراكة اقتصادية راسخة.. واستثمارات استراتيجية
وترتبط دولة الإمارات والسودان بعلاقات استراتيجية تاريخية قائمة على التعاون والتنسيق المشترك والشراكات الاقتصادية والتنموية التي ساهمت في تحقيق التقدم والازدهار في السودان.
وتحرص القيادة الرشيدة في دولة الإمارات على الوقوف إلى جانب السودان لتحقيق التنمية الشاملة من خلال تمويل مشاريع تنموية استراتيجية وتشجيع الاستثمارات المتنوعة للشركات الإماراتية في السودان.
تُعد دولة الإمارات شريكاً اقتصادياً استراتيجياً للسودان، حيث تجاوز حجم الاستثمارات والتمويلات التنموية الإماراتية في السودان 28 مليار درهم (7.6 مليار دولار)، منها 6 مليارات دولار في القطاع الزراعي، مع وجود 17 شركة إماراتية تعمل في قطاعات متنوعة مثل الزراعة، السياحة، والطيران، والنفط، والغاز؛ وذلك وفق بيانات وكالة أنباء الإمارات (وام) والتي تعود إلى عام 2018.
ولعبت هذه الاستثمارات دوراً محورياً في تنشيط القطاعات الاقتصادية وعلى وجه الخصوص القطاع الزراعي، حيث تم توفير سلع زراعية استراتيجية للسوق المحلي السوداني بأسعار تنافسية كمحاصيل القمح والعلف.
- الإمارات والهند.. جسور سياحية تفتح آفاقاً جديدة للنمو المشترك
- أرباح أدنوك للتوزيع تحلق فوق المليار دولار للعام الثاني على التوالي
صندوق أبوظبي للتنمية.. داعم رئيسي لقطاعات حيوية
ويعتبر صندوق أبوظبي للتنمية من أبرز المؤسسات الإماراتية الداعمة لمسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان من خلال تمويل مشاريع تنموية في قطاعات متنوعة واستثمارات وودائع بقيمة إجمالية وصلت إلى نحو 7.3 مليار درهم (1.9 مليار دولار)، حيث يحتل السودان صدارة الدول المستفيدة من تمويلات الصندوق الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وموّل الصندوق 17 مشروعاً تنموياً بقيمة بلغت نحو ملياري درهم (544.6 مليون دولار) تركزت على أكثر القطاعات حيوية وتأثيراً بما فيها الصناعة، والنقل والمواصلات، والطاقة، والمياه والري، وغيرها من المشاريع التنموية.
كما ركزت تمويلات الصندوق على المشاريع ذات التأثير الشمولي، والتي تمتد آثارها لتشمل عدة قطاعات، على غرار مشاريع السدود التي تتيح تعزيز إنتاج الطاقة الكهربائية وتوفير المياه للري، ومشروع مطار الخرطوم وشبكة السكك الحديدية، والتي تعد نموذجاً للمساهمة التنموية الحقيقية التي لعبتها تمويلات الصندوق في هذا المجال تماشياً مع رسالة الصندوق الرامية إلى تعزيز مسيرة التنمية المستدامة في الدول الشقيقة والصديقة، والمساهمة في دعم الجهود المبذولة للارتقاء بمستويات معيشة سكانها.
كما قام الصندوق بدعم السيولة والاحتياطيات من العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي من خلال إيداع نحو 5 مليارات درهم (1.4 مليار دولار) وذلك لمساعدة الحكومة السودانية على النهوض بالاقتصاد وتجاوز التحديات المالية والاقتصادية، وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي، بحسب بيانات وكالة أنباء الإمارات (وام).
وحرص الصندوق على التعاون الاستثماري مع الحكومة السودانية لتحفيز التنمية الاقتصادية ودفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال تأسيس شركة الظبي للتنمية، الشركة القابضة والعاملة في عدة مجالات.
وساهم صندوق أبوظبي للتنمية خلال العقد الثاني من القرن الـ21 بتمويل مشاريع تنموية تخدم أهم القطاعات الاقتصادية الرئيسية في السودان، وكانت الشراكة بين الصندوق والحكومة السودانية نموذجاً يحتذى به من التعاون والعمل البناء مما ساهم في دعم الخطط التنموية للبلاد.
"أدنوك" داعم رئيسي للطاقة والصناعة في السودان
منذ عام 2017، تقوم شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بتزويد الجانب السوداني بكميات من وقود الديزل لتلبية احتياجات السوق المحلي من الوقود وبما يدعم مختلف المجالات والقطاعات بما فيها قطاع النقل والصناعة، والعديد من القطاعات الأخرى. وقدرت قيمة كمية الديزل -آنذاك- بنحو 3.2 مليار درهم (900 مليون دولار)، حسب بيانات وكالة أنباء الإمارات (وام).
وفي مايو/أيار 2021 تعهدت دولة الإمارات بإمداد السودان بكلِّ حاجاته من المنتجات البترولية من خلال عقد لشركة أدنوك.
اتفاقيات في البنية التحتية والزراعة والطاقة
وقعت دولة الإمارات والسودان اتفاقيات في قطاعات حيوية. في مجال الطاقة، تم توقيع مذكرة تفاهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لإنشاء محطات طاقة شمسية بطاقة 500 ميغاواط، مع التزام السودان بشراء الكهرباء المنتجة.
وفي القطاع الزراعي، أعلنت السودان في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن قيام دولة الإمارات بالاستثمار في مشروع وادي الهواد الزراعي بمساحة 2.4 مليون فدان، بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار.
شراكات ومبادرات وحياة كريمة
قدمت دولة الإمارات في 25 يونيو/حزيران 2020، نحو 50 مليون دولار لدعم مبادرات النمو الاقتصادي بالسودان بالتعاون مع البنك الدولي، لخلق فرص عمل وتشجيع الاستثمارات النوعية، ودفع عجلة التنمية وتعزيز سبل العيش بالسودان.
ودعمت احتياطات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي، بإيداع نحو 250 مليون دولار في أبريل/نيسان 2021، لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي بالسودان.
كما أطلقت دولة الإمارات والسودان، في 31 أغسطس/آب 2021، شراكة استراتيجية في التحديث الحكومي، لتبادل الخبرات في مختلف المجالات. تعد هذه الشراكة انعكاساً للعلاقات القوية بينهما، وتأكيداً على الثقة المتبادلة بين الحكومتين، لإقامة شراكة جديدة واستفادة السودان من نموذج تحديث الحكومة لدى الإمارات.
وقد بلغت صادرات دولة الإمارات للسودان في 2023، نحو 861 مليون دولار، ومن أبرزها المجوهرات بقيمة 128 مليون دولار، والنفط المكرر بقيمة 121 مليون دولار، والسكر الخام بنحو 35.5 مليون دولار. وبلغت صادرات السودان لدولة الإمارات في 2023، نحو 1.09 مليار دولار، ومن أبرزها الذهب بقيمة 1.03 مليار دولار، والبذور الزيتية بقيمة 15.9 مليون دولار، والمحاصيل العلفية بقيمة 14.2 مليون دولار، حسب تقرير نشره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI في مارس/آذار 2025.
تطوير موانئ
في يونيو/حزيران 2022، قال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم إن السودان وقع مذكرة تفاهم مع دولة الإمارات بشأن ميناء جديد ومشروع زراعي.
وأفاد رئيس مجلس إدارة مجموعة دال أسامة داود عبد اللطيف، بأن دولة الإمارات ستبني ميناءً جديداً في السودان على البحر الأحمر على بعد 200 كيلومتر إلى الشمال من بورتسودان، في إطار حزمة استثمار بقيمة 6 مليارات دولار، بحسب "رويترز".
وذكر عبد اللطيف أن الميناء الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، وهو مشروع مشترك بين مجموعة دال ومجموعة موانئ أبوظبي المملوكة لشركة القابضة ADQ، سيكون قادراً على التعامل مع كل أنواع السلع ومنافسة الميناء الرئيسي في البلاد بورتسودان.
ومن المخطط أن يشمل الميناء منطقة تجارية وصناعية حرة على غرار جبل علي في دبي، بالإضافة إلى مطار دولي صغير.
بالإضافة إلى توسعة وتطوير مشروع زراعي بتكلفة 1.6 مليار دولار تنفذها الشركة العالمية القابضة (IHC) وشركة دال للزراعة في مدينة أبو حمد بشمال السودان.
واستهدف المشروع زراعة البرسيم الحجازي والقمح والقطن والسمسم ومحاصيل أخرى ومعالجتها على مساحة 400 ألف فدان من الأراضي المستأجرة. كما استهدف رصف طريق بطول 500 كيلومتر يربط المشروع بالميناء بتكلفة 450 مليون دولار، بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية.
وتضمن الاتفاق إيداع الصندوق 300 مليون دولار في بنك السودان المركزي.
وقد أسهمت هذه الاستثمارات في خلق فرص عمل وتحسين بيئة الأعمال في السودان. على سبيل المثال، وفرت مشاريع الطاقة الشمسية فرص تدريب وتشغيل للعمالة الوطنية السودانية، مما ساعد في نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية.
التزام ودعم إنساني تاريخي
ويُعد السودان أحد أبرز محطات العمل الإنساني في دولة الإمارات، وكانت بداية العطاء في دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ما أسهم في النهضة التجارية والصناعية والزراعية للشعب السوداني.
وتوالت منذ ذلك الحين المشروعات التنموية والاقتصادية الإماراتية في السودان، والتي أسهمت في زيادة الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص عمل كبيرة لأبناء الشعب السوداني الشقيق.
وتواصل دولة الإمارات دعم السودان خلال أزمته وتواصل التزامها التاريخي والراسخ في تقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني والإغاثي للشعب السوداني الشقيق للتخفيف من حدة تداعيات الحرب.
وقد تجاوزت قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني منذ بدء الأزمة السودانية في 2023، نحو 600.4 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهدت بها دولة الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان الذي عقد في أديس أبابا في فبراير/شباط 2025.
وإجمالاً، تجاوز مجموع ما قدمته دولة الإمارات من مساعدات إنسانية للشعب السوداني خلال 10 سنوات (ما بين 2014-2025) 3.5 مليار دولار.
وتقود دولة الإمارات بدور مهم في الجانب الصحي في دعم الأشقاء السودانيين، حيث شيدت مستشفييْن ميدانيّيْن في تشاد لتوفير الخدمات الطبية للاجئين السودانيين في دول الجوار، واللذين استقبلا 90889 حالة، كما افتتحت مستشفى في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلاً عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية سودانية.
كما أنشأت الإمارات 3 مستشفيات لتوفير الخدمات الطبية للاجئين في دول الجوار، إلى جانب دعم المنظمات الأممية، حيث قدمت دولة الإمارات 30 مليون دولار لدعم جهود وكالات الأمم المتحدة في مساعدة الدول المجاورة للسودان، وذلك ضمن التزامها بتخفيف تداعيات الأزمة الإنسانية في المنطقة، وخصصت الإمارات 70 مليون دولار لدعم منظمات الأمم المتحدة العاملة داخل السودان.
ومنذ الأزمة الراهنة في السودان، أرسلت دولة الإمارات 5032 طناً من إمدادات الغذاء والإغاثة إلى تشاد لدعم اللاجئين السودانيين المتضررين من النزاع، وفي أوغندا قدمت الإمارات 200 طن من المساعدات، بالإضافة إلى حفر 3 آبار لضمان توفير الخدمات الأساسية للاجئين والمجتمعات المضيفة، بحسب تقرير نشره مركز الاتحاد للأخبار في أبريل/نيسان 2025.
وفي إطار دعمها للنساء المتضررات من الأزمة السودانية، أعلنت دولة الإمارات تقديم 10.25 مليون دولار للأمم المتحدة، والجهود لا تتوقف وهي مستمرة من جميع الجوانب من خلال الدبلوماسية الإماراتية النشطة على عدة صُعُد، بغرض إنهاء القتال في السودان، كتعاونها مع الأشقاء والأصدقاء لإنهاء الأزمة السودانية دون رجعة، وهو ما يبين أن العلاقة بين الدولتين ستبقى راسخة ومتجذرة.