كيف تؤثر الثورة الصناعية الرابعة على سوق العمل؟
هناك مبادئ مرتبطة بمستقبل سوق العمل في ضوء الثورة الصناعية الرابعة التي تهدف لعمل التوازن اللازم لسوق العمل مستقبلا.
ساهمت العولمة في تخطي الحدود الجغرافية والتنظيمية المتعلقة بالعمل، كما ساعدت على تغيير طبيعة العلاقة بين صاحب العمل والعمال.
فلأول مرة حالياً يتكون سوق العمل من 5 أجيال، وكل جيل يحمل متطلبات وتوجهات مختلفة, فضلاً عن أن سوق العمل الحالي يشهد أكبر قدر من التنوع الثقافي والحضاري.
وتشير شركات كبرى إلى تأثير الثورة الصناعية الرابعة على قدرات القوى العاملة؛ حيث ساهمت تلك الثورة في التأثير على طبيعة العمل نفسه، وليس على خيارات توظيف العمالة فقط.
فمثلاً من المتوقع أن تنخفض عدد ساعات العمل من 71% حالياً إلى 58% بحلول عام 2022.
وبالتزامن مع انخفاض ساعات العمل سيتم خلق فرص عمل جديدة، وهو ما يمثل دافعاً رئيسياً لقسم الموارد البشرية بالشركات، لتحفيز الابتكار، وسرعة دمج الشركات بالمسار التكنولوجي، فضلاً عن زيادة قدرات العاملين بها وعدم تخلفهم عن ركب الثورة الصناعية الرابعة.
والانتقال لعالم تكنولوجي جديد يتطلب تدخل الحكومة لتطوير التعليم وزيادة سياسات الحماية الاجتماعية للعمالة المتضررة من التطور التكنولوجي، فضلاً عن التعاون بين القطاع العام والخاص لوضع استراتيجيات جديدة تخدم العمالة، وتساعد على تطوير مهاراتها.
ويعتبر الابتكار والسرعة أساساً لتحقيق الميزة التنافسية واستدامتها في العصر الحالي.
وتناقش ورقة بحثية صادرة عن منتدى الاقتصاد العالمي تحت عنوان "تشكيل استراتيجية الناس في الثورة الصناعية الرابعة"، تأثير الثورة الصناعية الرابعة على استراتيجيات الناس والشركات على حد سواء، فضلاً عن الخطوات التي يجب أن يتخذها أصحاب الشركات وقطاع العمل، سواء على مستوى مهارة العمالة أو على مستوى الخريطة الرئيسية التي يجب أن يسلكها رؤساء أقسام الموارد البشرية HR لتطوير استجابة الشركات للثورة الصناعية الرابعة، وذلك في ضوء بعض الحالات التطبيقية.
مبادئ تطوير سوق العمل:
تشير الورقة البحثية إلى تأثر مستقبل العمل بستة عوامل وهي: التغير الديمغرافي، نماذج التجارة الجديدة، توزيع القوى العاملة، مهارات المستقبل، التوقعات المجتمعية الجديدة، اضطراب المهام.
وهذا يتطلب تطوير أسلوب إدارة الموارد البشرية من مجرد قسم إداري لقسم يربط بين الشركة والمجتمع، ويعيد هندسة ثقافة الشركات والعاملين بها، ويطور المهارات القائمة على تحليل البيانات.
وتستفيض الورقة في شرح مبادئ مرتبطة بمستقبل سوق العمل في ضوء الثورة الصناعية الرابعة، التي تهدف بدورها للتسهيل على رؤساء أقسام الموارد البشرية، لعمل توازن بين التطور التكنولوجي والثقافي اللازم لسوق العمل مستقبلاً.
1- تطوير قدرات القيادة:
لم يعد نموذج القيادة المركزية بالنموذج الملائم للحقبة الراهنة؛ فالقادة بحاجة للتزود بمزيد من المعرفة عن الإيجابيات والسلبيات التكنولوجية، وعن مدى تأثيرها على الثقافة المجتمعية. وهو ما يتطلب خلق نموذج ثقافي جديد بالمنظمة يقوم على أسلوب الفِرق لزيادة المرونة وسرعة تنفيذ القرارات.
ومن ثم ستنمو قدرات القيادة التي ستدفع نحو زيادة كفاءة العاملين ومستوى إنتاجية الشركات ومرتبتها التنافسية. وهذا بدوره سيخلق أدواراً جديدة بأقسام الموارد البشرية مثل: "السفراء الثقافيين" و"القيادة الرقمية".
2- تنظيم دمج التكنولوجيا بقطاع العمل:
ويتم ذلك عبر تصميم استراتيجيات توازِن بين البشر والتكنولوجيا، لأن إدخال المزيد من التكنولوجيا سيتسبب في تغيير المبادئ الاقتصادية والاجتماعية للبشر، وزيادة الشعور باللايقين.
وهذا يتطلب التوازن في تطبيق التكنولوجيا لتجنب حدوث اضطرابات اجتماعية، وذلك عن طريق تجديد الوظائف والانتقال من النموذج التقليدي لأتمتة الوظائف لنموذج أكثر مراعاة لدمج وتأهيل العاملين ومراعاة الأبعاد الاجتماعية.
ولذلك فهناك حاجة لتفكيك الوظائف الحالية وإعادة تقييم المهام المكونة لها ثم إعادة ترتيب المهام الجديدة وخلق وظائف أخرى بعد عملية الأتمتة، فضلاً عن إعادة تأهيل وتنظيم المواهب التكنولوجية وتحديد متطلبات العصر الجديد.
وكل ما سبق سيخلق وظائف جديدة بأقسام الموارد البشرية تتضمن: "رؤساء قسم إعادة اختراع الوظائف وإعادة تشكيل المهارات" "ورؤساء أقسام الملائمة والغرض" لمتابعة تماشي الوظائف مع احتياجات السوق والمنظمة والمجتمع.
3- تعزيز خبرات الموظفين:
بيئة العمل هي بيئة معقدة تضم أجيالاً متنوعة وأساليب عمل مختلفة.
ويرتبط مستوى أداء الموظفين بالربح المالي للشركات ويتأثر الأداء بعمليات الرقمنة الحالية.
ولذلك من المهم أثناء الثورة الصناعية الرابعة أن يتم تقييم أداء الموظفين بسبل مختلفة عن المكافآت المادية.
فمثلا ينبغي النظر لمدى تفاعلهم مع بيئة العمل الجديدة، سواء الزملاء أو المديرين أو طبيعة العمل نفسه، ومع تغير طبيعة التوظيف من وظائف بدوام كامل لوظائف بدوام جزئي، يجب تركيز أهداف العمل على الجوانب الاجتماعية ومراعاة الإنسان، فضلاً عن الاستثمار في رفع معدل رفاه الموظفين، مع مراعاة الأبعاد النفسية والصحية للموظفين، كذا استخدام نماذج تشغيل مرنة بالعمل.
وهذا سيخلق وظائف جديدة لموظفي أقسام الموارد البشرية مثل: "متخصص بخبرات الموظفين" و"روبوتات مراقبة"؛ خاصة بعدما أصبحت برامج الدردشة أكثر شيوعاً في العمل".
4- بناء ثقافة تعلم مرنة:
تعتبر سرعة القدرة على التعلم هي أحد شروط القبول بالوظائف الحالية، ففي ظل عصر الرقمنة أصبحت عملية التعلم متاحة وسريعة بالنسبة للكثيرين.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن رؤساء قسم الوارد البشرية يعطون أهمية كبيرة لثقافة تعلم الموظفين على المدى الطويل، ولإعادة تطوير مهارات الموظفين بشكل منتظم.
كما أنه زادت الحاجة لتعليم وتدريب الموظفين بالوظائف الأكثر عرضة للانكماش، فضلاً عن رصد وقياس مقدار التطور والتعلم بالمنظمات. وهذا يخلق وظائف جديدة بقسم الموارد البشرية "ككبير مسؤولي التعلم".
5- وضع مقاييس لتقييم رأس المال البشري:
يعتبر الاستثمار في البنية العاملة أحد سبل تعزيز إنتاجية العمل؛ حيث وُجد أن المنظمات التي تستثمر في رأس المال البشري تفوق نظرائها في الإنتاجية والكفاءة، ولضبط عملية الاستثمار في رأس المال البشري ينبغي وضع مقاييس مالية وفنية لتكون العملية منتظمة ومتلائمة مع متطلبات المؤسسات.
فمثلاً يمكن استخدام أدوات تكنولوجية لقياس أداء الموظفين، أو استخدام برامج تسهل عملية اتخاذ القرار، واعتماد تقارير المنظمة الدولية للمعايير، التي تضع مقاييس حول القيمة الأصلية والقيمة المضافة لرأس المال البشري، ترتبط بالصحة والتعليم والثقافة.
وهذا سيقود لوظائف جديدة بأقسام الموارد البشرية وهي: "رؤساء الرؤى" الذين يعملون على الاطلاع على أحدث الرؤى المتعلقة برأس المال البشري وتطويره، فضلاً عن "عالم البيانات" الذي سيحلل البيانات المتاحة عن الموظفين بأقسام الموارد البشرية ويقيس مقدار التطور، ومواطن الخلل.
6- تضمين التنوع والشمول:
يقصد بالتنوع تنوع الأعراق والمهارات والتركيبة السكانية ببيئات العمل، أما الشمول فهو شمول العدل والأخلاق، ورفع روح الانتماء للمنظمات.
وقد وجد أن المنظمات التي تطبق التنوع والشمول أكثر إنتاجية وكفاءة عن غيرها، لأن هذا يرفع من معدلات الابتكار والاستيعاب بالمنظمات.
وجدير بالذكر أن ذلك يتطلب فترات زمنية طويلة، ولا يتلاءم مع بيئات العمل التي تعمل على الربح السريع.
ولهذا لا بد أن يتم إدراج الشمول والتنوع بالتزامن مع استهداف تحقيق النمو الاقتصادي. وكذا وضع إطار ضابط للسلوكيات بالمنظمة تتماشى مع مبدأي التنوع والشمول، إلى جانب تكوين علاقات بين مصادر المعرفة وأصحاب المصالح خارج المنظمة لقياس زمن التغير بأخلاقيات المنظمة.
فمثلاً بفرنسا، يتم تطبيق عقوبات مالية في حال لم تتحسن الفجوات المالية القائمة على أساس جندري بالعمل خلال فترة زمنية محددة.
وجدير بالذكر أن دمج التنوع والشمول بالمنظمة سيصاحبه وظيفة جديدة تُدعى "مسؤول التنوع والشمول" بقسم الموارد البشرية.
وتُختتم الورقة بشرح 3 حالات تطبيقية؛ تتمثل في شركة يونيليفر، وأرامكو، وويلز تاورز واتسون، التي قامت بتطوير أساليب التوظيف، ومناهج سير العمل، وهو ما نتج عنه رفع إنتاجية كل شركة، ورفع مستوى الرفاه عند الموظفين، فضلاً عن زيادة معدل النمو الاقتصادي لدى تلك الشركات، ورفع الإسهام الاجتماعي لكل شركة منهم عالمياً ومحلياً، نتيجة لاتفاقيات التعاون بين الشركات وحكومات الدول التي توجد بها مقر الشركة.
aXA6IDMuMTQ4LjEwNi40OSA= جزيرة ام اند امز