هنري نستله.. حكاية الرجل الذي غيّر العالم بابتكار «فارين لاكتيه»
كان هنري نستله، الطفل الحادي عشر من بين أربعة عشر طفلا لأسرة ألمانية، مات نصفهم قبل البلوغ، بسبب سوء التغذية.
وكتب القدر لهنري أن يكون سبباً في حل هذه المشكلة عبر ابتكاره لحليب الأطفال المجفف.
ولد نستله بمدينة فرانكفورت في 10 أغسطس/آب 1814، وأنهى تدريبه كصيدلي عام 1833، ثم غادر ألمانيا بعد ذلك، ليصبح مساعد صيدلي في فيفي بسويسرا.
ووفق كتاب "هنري نستله - من مساعد صيدلي إلى مؤسس الشركة الرائدة في مجال التغذية والصحة في العالم" الصادر عام 1995، لمؤلفه ألبرت بفيفنر، فقد أراد نستله، بصفته مساعد صيدلي في سويسرا، المضي قدما لامتلاك صيدليته الخاصة، لكنه أدرك أنه لا يستطيع ذلك، لأنه لم يكن مواطناً سويسرياً، لذلك قرر إجراء تغيير في حياته المهنية.
كانت الخطوة التي اتخذها في سبيل إحداث هذا التغيير هي الاستحواذ على عقار تجاري في فيفي يوم 6 فبراير/شباط 1843، وتحول إلى صناعة المواد الغذائية.
وكان في العقار مطحنة زيت ومعمل تقطير ومستودع، فعمل على منتجات مثل زيوت بذور اللفت والجوز (التي كانت تستخدم عادة في ذلك الوقت لتزويد مصابيح الزيت بالوقود)، والمشروبات الكحولية، والخل.
وفي وقت لاحق، حاول تطوير منتجات أخرى بما في ذلك المياه المعدنية والغاز المسال والأسمنت البورتلاندي، ولم تكن كل مشاريعه ناجحة، لكنه لم يستسلم أبداً، وبدلاً من ذلك، واصل اكتساب الخبرة والمعرفة بلا هوادة مع التكيف مع البيئة المتغيرة باستمرار.
ووفق ما جاء في الكتاب، فقد جاء الاختراق مع نجاحه في إنتاج حليب الأطفال، حيث أدرك هنري نستله حاجة المجتمع لهذا المنتج، لمكافحة وفيات الرضع المزايدة في ذلك الوقت.
وارتفعت معدلات وفيات الأطفال في القرن التاسع عشر بسبب سوء التغذية، فليس هناك شك في أن حليب الثدي عالي الجودة هو أفضل غذاء على الإطلاق للرضع، لكن في تلك الأيام، لم يكن هذا خياراً للكثيرين.
كانت معظم النساء يعملن في المصانع ولم يكن بوسعهن تحمل الإجازة اللازمة لرعاية أطفالهن.
واستخدمت العديد من الأمهات الحليب الحيواني كبديل، لكن كانت هناك مشكلتين تتعلقان به، أولاً صعوبة هضمه من الأطفال حديثي الولادة، وثانياً أنه أكثر عرضة للتلوث بسبب الظروف الصحية السيئة.
وركز نستله وقتها كل طاقاته وجميع مرافقه الإنتاجية على حل المشكلة، وكان مقتنعاً حينها بوجود طلب كبير على أغذية الأطفال الجاهزة ليس فقط في سويسرا، بل في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا.
وجاءت انطلاقته في عام 1867 عندما طور بديلاً مغذياً لحليب الثدي للأطفال الرضع غير القادرين على الرضاعة الطبيعية أو الذين لم تتمكن أمهاتهم من إنتاج ما يكفي من الحليب، وقد حقق ذلك من تركيبة أسماها "فارين لاكتيه" أو "دقيق الحليب".
وتحتوي تلك التركيبة على حليب البقر المجفف، كمكون أساسي، مع هذا المكون "دقيق القمح"، لإعطاء عناصر الكربوهيدرات والسعرات الحرارية الإضافية لتكملة احتياجات الرضع من الطاقة، كما كان بمثابة عامل سماكة، وتمت إضافة السكر لتحسين طعم التركيبة وتوفير مصدر طاقة متاح بسهولة للرضع، كما أضيفت مغذيات إضافية من الفيتامينات والمعادن الإضافية لتحسين المظهر الغذائي للتركيبة.
وأثبتت التركيبة أنها منقذة لحياة العديد من الرضع، حيث توفر العناصر الغذائية الأساسية في شكل آمن وسهل الهضم.
وأحدث اختراع نستله ثورة في تغذية الرضع ولعب دوراً مهماً في تقليل معدلات وفيات الرضع.
وبعيداً عن ابتكار التركيبة نفسها، شمل ابتكار نستله أيضاً استراتيجيات تسويق وتوزيع دقيقة، فقام بتغليف التركيبة في شكل مريح وصحي، مما جعلها في متناول العائلات في جميع أنحاء أوروبا وخارجها.
يقول مؤلف الكتاب، إن هذا المزيج من الابتكار العلمي والتسويق الفعال، وضع الأساس لنجاح شركة نستله المستقبلي في صناعة الأغذية والتغذية، حيث انطلقت في العديد من المنتجات الغذائية الأخرى، ولا تزال من الشركات الرائدة عالمياً في التصنيع الغذائي.
aXA6IDE4LjE4OC4yMTkuMTMxIA== جزيرة ام اند امز