بعدما دمرها الزلزال للمرة الـ17.. سكان أنطاكية يودعون أطلالها
تعرضت مدينة أنطاكية لدمار واسع في الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا في السادس من فبراير/ شباط لكن بعض سكانها يتمسكون بالبقاء.
في المقابل، حزم البعض الآخر أمرهم نحو الرحيل، بعدما فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم. ومن هؤلاء، بلال جاوير الذي جمع مقتنيات عائلته في شاحنة صغيرة استعدادا لمغادرة أنطاكية، وهو يقول بأسى "ليس لدينا عمل ولا حياة كيف يمكننا العودة للعيش هنا؟ هذا يحطم قلوبنا".
منزل بلال صمد أثناء الزلزال لكنه لا يعرف إن كان آمنا للسكن. فلجأ مع زوجته وابنتيه إلى أشجار الليمون المحاذية لداره.
ومثله، يجد ملايين الأشخاص الذين ضرب الزلزال بلداتهم من دون أن يأتي على منازلهم المعضلة ذاتها: هل يعودون إلى ديارهم أو ينتقلون للعيش في مناطق أخرى؟
وقضى أكثر من 46 ألف شخص في هذه الكارثة الطبيعية التي ضربت جنوب تركيا وسوريا المجاورة، نحو 41 ألفا منهم في تركيا وحدها. ويقول عامل البناء هذا متنهدا وهو يثبت مقتنياته على الشاحنة "قرار المغادرة مؤلم وصعب، لدينا ذكريات كثيرة هنا: ابنتاي ولدتا هنا وتزوجنا هنا".
سينتقل بلال جاوير للإقامة لدى عمه هادي البالغ 63 عاما في أضنة على بعد أقل من 200 كيلومتر شمالا وهي مدينة لم يضربها الزلزال البالغة قوته 7.8 درجة.
وفي نفس الشارع، يستعد الجيران ليحذوا حذو جارهم بلال. عدنان وابنته ديلاي يضعان أكياسا كبيرة تحوي ملابس في شاحنة صغيرة. ويقول عدنان الذي رفض الكشف عن اسمه كاملا "لا نعرف ما الذي سيحل بمنزلنا، هل سيهدم؟"
على غرار عائلة جاوير، يرفض عدنان التكهن بمتانة أسس المبنى الذي كان يقطنه. وتتأمل والدة ديلاي المطبخ الذي تنتشر على أرضه شظايا الزجاج وأواني المائدة المحطمة "لا يمكنني إنقاذ أي شيء هنا".
واستفاقت العائلة على الزلزال الذي ضرب المنطقة قرابة الساعة الرابعة صباحا وهرعت إلى الخارج بلباس النوم. وستنتقل الآن للعيش في شقة في مدينة مرسين الساحلية على بعد 270 كيلومترا من أنطاكية.
خيار المغادرة ليس الوحيد، ففي المدينة القديمة، يفتش جنيد إروغلو صاحب متجر لبيع النظارات (45 عاما) الذي لم تصب عائلته بأذى جراء الزلزال، بين ركام متجره ويحاول التخفيف من وطأة المأساة.
ويقول "مدام هاجر إذا كنت تسمعينني نظاراتك باتت جاهزة" فيما يضع جانبا مظاريف أخرجها من طبقة الغبار التي تلف المبنى العائد للحقبة العثمانية. ويؤكد "سنبقى هنا" موضحا أن عثوره على شهادة الثانوية العليا أفرحه جدا.
خلافا لجادات كثيرة أخرى، أزيل من الشارع حيث متجره الركام الذي كان يعيق الحركة. ويقيم إيروغلو وعائلته في خيمة في بلدة قريبة من أنطاكية.
ويؤكد "المغادرة سهلة لكن البقاء مهم. أنا أريد أن امضي هنا بقية حياتي". ويختم قائلا "هذه المدينة دمرت 17 مرة في تاريخها وسنعيد بناءها للمرة الثامنة عشرة".
وفي وقت سابق الأحد، ذكرت إدارة الكوارث والطوارئ في تركيا "آفاد"، أن إجمالي عدد الأشخاص بتركيا الذين لقوا حتفهم، في الزلزال المدمر، بلغ 40 ألفا و689.
لم يتم إخراج ناجين جدد من تحت الركام في الساعات الـ24 الماضية، بعد إنقاذ زوجين في أنطاكية عاصمة محافظة هاتاي، السبت بعد 296 ساعة على وقوع الزلزال.
وقال رئيس "آفاد" يونس سيزر للصحفيين في أنقرة إن جهود البحث والإنقاذ في تسع محافظات دمرها الزلزال، انتهت، فيما عدا كهرمان مرعش، وهاطاي.
ويعتقد أنه تم إجلاء أكثر من 1.2 مليون شخص، في منطقة الكارثة في جنوب شرق تركيا. وذكر سيزر أن أكثر من مليون من السكان المحليين يعيشون حاليا في مراكز إيواء مؤقتة في محافظات ضربها الزلزال.
وطلبت هيئة إدارة الكوارث في رسالة عبر موقع "تويتر" من المنكوبين، عدم محاولة الدخول إلى المباني المتضرّرة لاستعادة أغراض تخصّهم، "ولو لفترة وجيزة". كما أعلنت أنّ "طلبات المساعدة السكنية" مفتوحة لهؤلاء الذين فقدوا بيوتهم.
وأسفر الزلزال عن تدمير نحو 105 آلاف مبنى أو إلحاق أضرار بها، بالإضافة إلى تشريد عشرات الآلاف في جنوب شرق تركيا. ولم يُعلن حتى الآن عدد الأشخاص الذين باتوا من دون مأوى بسبب الكارثة.
وسُجّلت أكثر من ستة آلاف هزّة ارتدادية منذ وقوع الكارثة، بلغت قوّة إحداها 6,6 درجات، بينما راوحت قوة 40 هزة بين 5 و6 درجات، وفقاً لمنظمة الإغاثة.