جولة في ملجأ زيلينسكي الحربي.. قبو مظلم بلا هواتف (صور)
جالت صحيفة "التايمز" البريطانية داخل الملجأ الحربي السري للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالعاصمة كييف، والمعروف باسم "بانكوفا".
وبانكوفا، مبنى إداري من الخرسانة المحاطة بحلقة من الفولاذ، يقع داخل الحي الحكومي، حوله تصطف نقاط تفتيش يتولى مسؤوليتها حراس مسلحون لا يسمحون بدخول أي شخص سوى من يملكون الوثائق أو التصاريح اللازمة لذلك.
لا تستطيع السيارات المدنية الاقتراب من المجمع، ويطلب الجنود من المشاة كلمات مرور سرية تتغير بصورة يومية، وغالبا ما تكون عبارات يصعب على الروس نطقها.
أكثر المشاهد التي أثارت دهشة مراسل "التايمز" داخل المجمع هو ذلك الظلام الذي يلف المكان بشكل دائم، فكل النوافذ مغلقة بأكياس الرمال للحماية من انفجارات القنابل، والأضواء مغلقه للحد من خطر استهداف المبنى بهجمات جوية أو القناصة.
ظلام دامس
منذ بداية الحرب، جرت عدة محاولات لاغتيال زيلينسكي، وكشف أوليكسي دانيلوف، رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني، أن الرئيس الأوكراني نجا في مارس/ آذار الماضي من ثلاث محاولات اغتيال في أسبوع واحد فقط.
ويقول المراسل إنه لم يتمكن حتى من رؤية قدميه، ولا من العثور على طريقه إلا بفضل المصباح الموجود على هاتفه، و اعتقد في بداية الأمر أن الظلام كان تدبيرا مؤقتا لكن مرافقيه أخبروه أن تلك سمة دائمة.
وبحسب مسؤول حكومي، فقد تم استخدام المخبأ مرة واحدة فقط في الأشهر الأخيرة، بعد ورود معلومات استخباراتية خلال الصيف تفيد بتأهب القوات الروسية لشن غارة ضد مقر الحكومة.
كان عام 2022 بمثابة اختبار للقدرة لزيلينسكي ومساعديه، الذين يعملون 18 ساعة يوميا على مدار الأسبوع، وغالبًا ما ينامون داخل المجمع المظلم لحمايتهم، وبالكاد يرون عائلاتهم.
الحياة داخل المخبأ
ووفقا للتقرير، لا يرى زيلينسكي عائلته سوى مرة واحدة كل عشرة أيام، ويشكل العيش في ظلام المجمع بمعزل عن أسرته "ضغطا كبيرا" عليه.
وقال أحد المطلعين في بانكوفا إن الحياة كانت بالغة الصعوبة: "أنت لا ترى الشمس، ولا تعرف الوقت".
كانت الخطة الأولية، وفقًا لمصدر حكومي، هي البقاء تحت الأرض لمدة أسبوع. لكن الأحداث في الخارج تسببت في تغيير الخطة.
عندما استولت القوات الروسية على العديد من البلدات والمدن في كييف وحولها، بدا لعدة أسابيع أن العاصمة أيضًا ستسقط بالتأكيد، وأمر الجيش بنقل الشخصيات البارزة في الحكومة الأوكرانية على الفور إلى المخبأ الموجود تحت الأرض وأمرهم بالبقاء هناك حتى إشعار آخر.
أمضى زيلينسكي وكبار مساعديه نحو شهرين في العيش تحت الأرض، وكانوا يظهرون بشكل متقطع لطمأنة مواطنيهم أنهم لم يفروا.
وكان على العاملين ومساعدي زيلينسكي في المخبأ الواقع تحت الأرض توقيع اتفاقية عدم إفشاء تمنعهم من مشاركة أي تفاصيل حول تصميم القبو، أو موقعه أو وسائل الراحة. ولم يُسمح لهم حتى بالتحدث عن الطعام الذي يتناولونه.
في ظل العزلة المفروضة عليهم، كان الفريق يعلم عن الحرب عبر أجهزة آيفون الخاصة بهم. وكانت أيام الرئيس في الغالب عبارة عن سلسلة من الاجتماعات والمقابلات والمكالمات مع زعماء العالم. كان النوم متقطعًا وغالبًا ما يكون مضطربًا.
اللحظة الأهم هي خروج زيلينسكي ومساعديه من مخبئهم تحت الأرض لفترة وجيزة في الليلة الثانية من العملية الروسية، بينما كانت القوات الأوكرانية تواجه القوات الروسية في الشوارع القريبة، لتسجيل خطاب مدته 40 ثانية لشعبه.
ومع تراجع القوات الروسية إلى مواقع دفاعية في شرق أوكرانيا، بدأت مدينة كييف في إعادة فتح أبوابها تدريجياً، لكن العمل داخل بانكوفا لم يتوقف.
بالنسبة للعالم الخارجي، تبدو كييف اليوم كأي عاصمة صاخبة. يذهب سكان المدينة إلى العمل، ويمارسون التمارين الرياضية، ويرتادون السينما والحانات والمطاعم. وفي ساعة الذروة، تصطف السيارات على الطرق الرئيسية حيث يعود الناس إلى منازلهم من العمل.
أحد أولويات بانكوفا هي الحفاظ على استمرار الاقتصاد. فمنذ بداية الحرب انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20-30 في المائة.
لكن تجنبت البلاد الإفلاس الصيف الماضي، بفضل الدعم الذي تلقته من الدول الغربية وخاصة ألمانيا. وتأتي نصف عائدات الدولة الآن من المساعدات الخارجية، مع اعتماد نسبة كبيرة من الباقي على صناعتها الزراعية العملاقة، حيث تسهم أوكرانيا، المعروفة باسم سلة خبز أوروبا، عادة بنسبة 15 في المائة من الذرة العالمية، و10 في المائة من القمح العالمي، و15 في المائة من الشعير، وما يقرب من نصف زيت عباد الشمس.