مستقبل النظام العالمي.. «ملتقى أبوظبي» يستكشف آفاق التنافس الدولي
وضعت الجلسة الأولى في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، الذي انطلقت فعالياته اليوم الإثنين، سؤال مستقبل النظام العالمي على طاولة البحث.
ومع التسليم بغياب "الإجابات السهلة" رأى المشاركون في الجلسة أن عالم اليوم يعاني اضطرابا غير مسبوق، منذ ما قبل الحرب العالمية، وأن ما يمكن وصفه بـ"عالم ما بعد بعد الحرب الباردة" يشهد حاليا سباق تسلح وإعادة تشكيل للتحالفات.
وشارك في الجلسة الدكتور جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، والدكتور سمير ساران رئيس مؤسسة أوبزيرفر للبحوث ومقرها نيودلهي، والبروفيسور لانشين شيانغ، وهو أستاذ فخري بمعهد الدراسات الدولية والتنمية للدراسات العليا في جنيف.
وفي بداية الجلسة طرح مديرها الدكتور زيد عيادات محددات المشهد الراهن قائلا إن "هناك وهم استقرار جعلنا نتناسى أننا نعيش في عالم مضطرب ومتعدد الأقطاب ولديه ديناميكيات جديدة".
وأشار إلى أن "هناك عدم اتساق في سياسات الولايات المتحدة بين محاولة للموازنة وفي نفس الوقت مواصلة جهود احتواء الصين وروسيا".
ورأى أن سباق التسلح بات حقيقة جديدة في عالم الاضطراب، وكذلك إعادة تشكيل التحالفات، لافتا إلى أن معظم انقسامات العالم الفكرية اليوم هي داخلية في الدولة الواحدة، وليست بين القوى.
وجادل جون، المتحدث المؤيد لوجهة النظر الأمريكية، بأن النظام الحالي يستند إلى قيم من الشفافية، ومحاربة الفساد، والديمقراطية، واعتبر أن الولايات المتحدة لا تحاول السيطرة على المخرجات، وأنه كثيرا ما يساء فهمها، لكنها في الواقع تحاول وضع قواعد تسمح للمنافسة دون محاولة رسم المخرجات لصالحها، وهي تدعو الجميع للتنافس بشكل صحي، وأن الصين لا ترغب في تقديم تضحيات أحادية لصالح العالم، بما يرفع هواجس الأطراف.
خفض التوقعات
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن هناك فهما خاطئا حول تقلص السياسة الأمريكية، مطالبا بأن تكون لدينا استنتاجات وتوقعات أقل بشأن قدرة النظام العالمي على امتصاص المتغيرات.
وأوضح أن العلاقة بين أمريكا ودول الإندو-باسيفيك مهمة للغاية في تحولات النظام الدولي، ذلك في ظل رغبة الصين في الهيمنة على آسيا، مشيرا إلى انخراط الولايات المتحدة بشكل متزايد في آسيا خاصة مع إندونيسيا.
ولفت جون إلى أن رؤية الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي يتسلم مهامه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، لا تزال غير واضحة، لكنه شدد على أن التوقعات بشأن دور الولايات المتحدة وسياستها مبالغ بها، صحيح أنها لا تزال الأقوى لكن محاولات التأثير على اتجاهات الإدارة الجديدة متعددة الجوانب والأطراف ويصعب التكهن بالنتيجة النهائية، لكن بالمجمل ينبغي تقليل التوقعات.
عالم أخطر
في المقابل رأى المتحدث من الجانب الصيني لانشين أن المشهد الدولي يعكس حاليا عالما خطيرا يعاني التشرذم والتضاد، وهو عالم أخطر مما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
وأعرب عن اعتقاده أنه ليس هناك انقسام فكري كبير لكن لدينا نسخة جديدة من الحرب الباردة، وهناك هواجس اقتصادية عالية، والولايات المتحدة منقسمة من الوسط، وتحاول تصدير أزمتها الداخلية إلى الخارج، والصين تعتقد أنها تتصرف بمنطقية، وتحاول إيصال الرسالة الصريحة حول ما تريد.
كما نبه أيضا إلى أن مشكلة الاتحاد الأوروبي أنه لم يكتشف بعد طريقه للاستقلال الاستراتيجي، محذرا من أن هذا الأمر يؤثر سلبا على مستقبل أوروبا، لافتا إلى حاجة أوروبا إلى التحول نحو وحدة جيوسياسية مستقلة، وأن ينتصر على حالة غياب الإجماع السائد.
وقال لانشين إن الأمريكيين -ومن خلفهم أوروبا التي لا تتمتع بالاستقلال الاستراتيجي- يريدون أن يكونوا هم من يضعوا المعايير والقواعد، وهم يطبقون في نفس الوقت معايير مزدوجة، ويواصلون بناء السدود والحواجز بدلا من بناء الجسور، خصوصا في المواجهة مع الصين، وهذا لا يمكن أن ينجح في المشهد الدولي، إنه نظام مضطرب يقوده الخوف من الانهيار والتراجع، وليس الطموح إلى عالم أفضل.
الحاجة إلى إصلاح جذري
من جهته، رأى الدكتور سمير ساران أنه أمام سؤال مستقبل النظام العالمي، ولا توجد إجابات سهلة.
وأوضح أن العلاقات الثنائية بين أمريكا والصين، وأمريكا وروسيا مهمة للغاية، وينبغي الانتظار لمعرفة توجهات الرئيس الأمريكي الجديد في هذا السياق.
وأشار إلى أن العلاقات الأمريكية الأوروبية أيضا تعاني الهشاشة، وهذا أثر على استقرار العالم، ومن المهم معرفة الاتجاهات المستقبلية لها، وبعض الدول الأوروبية لا تزال تحاول الحفاظ على العلاقات التكنولوجية مع الصين لكن لا نعرف كيف سيتغير الأمر في عهد ترامب.
كما أعرب ساران عن اعتقاده بأن استقرار الشرق الأوسط مهم للغاية في استقرار العالم.
وأوضح أن الهند تحاول تعديل سياساتها الخارجية، حيث باتت الصين شريكا اقتصاديا أكبر للهند، وهناك اتجاه للتوازن في آسيا، فهي لا تسمح لقوة واحدة بالسيطرة عليها، ولدى آسيا والهند خصوصا عزم على مواصلة تنويع الشراكات والبحث عن ديناميكيات مختلفة للعلاقات الدولية.
كما أكد حاجة النظام الدولي إلى إصلاح جذري وكبير، مشيرا إلى أن الأمر لا يرتبط فقط برغبة أمريكا في الهيمنة وفرض القواعد، لكن الصين نفسها أيضا باتت تطبق سياسات رأسمالية، وتعبر عن رغبة في الهيمنة وفرض القواعد، وهذا ما نلاحظه في التجاذبات بين الصين والهند.