رجال الظل إلى الأضواء.. الدبلوماسية أم الاستخبارات أولا في عهد ترامب؟
بالتزامن مع انتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة مجددا تنشط التكهنات حول مستقبل السياسات الأمريكية حول العالم.
ووسط زخم التغييرات الجوهرية في السياسات الأمريكية المتوقعة، هناك سياسة خارجية مغفلَة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، تتمثل في الاستخدام المكثف لـ«الدبلوماسية الاستخباراتية»، وتكمن التساؤلات حول إمكانية استمرار ترامب في تبنيها، حسب مركز "ستراتفور" الأمريكي.
- بينهم شخص مفاجأة.. هؤلاء قد يعفو عنهم ترامب كرئيس
- تشريح السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب.. ملفات الأيام الأولى
وأصبحت الدبلوماسية الاستخباراتية (دبلوماسية الجواسيس) في عهد بايدن أكثر تنظيما، واتخذت نهجا مستداما بدلا من الارتجالية، إلا أن ذلك لا يمنع مواجهتها تحديات مستقبلية مع الخصوم.
من الظل إلى الأضواء
وتتجسد الدبلوماسية الاستخباراتية غالبا في شكلها الأكثر شيوعا عبر رفع السرية عن المعلومات ومشاركتها، أو على الأقل تعزيز الوصول إلى وكالات الاستخبارات وقادتها من قبل الجهات المناظرة في مختلف الدول.
وتمثل هذه الاستراتيجية تحديا لأن عمل الجواسيس يعتمد أساسا على السرية وحماية هوياتهم وهويات مصادرهم، التي يتم جمعها وتحليلها وتوظيفها لتحقيق الأهداف.
واستخدمت الاستخبارات الأمريكية عبر التاريخ لتحقيق أهداف دبلوماسية، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك وفق المركز الأمريكي نشر الولايات المتحدة معلومات استخباراتية شديدة السرية بشكل متكرر عن خطط روسيا في حربها مع أوكرانيا، وكذا خطط الصين تجاه تايوان.
في الوقت نفسه، يتزايد انفتاح قادة الاستخبارات الأمريكية في الظهور والتصريحات العلنية، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، شارك مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ونظيره البريطاني في نقاش علني غير مسبوق خلال مؤتمر بلندن.
إضافة إلى ذلك، أصبح بيرنز، ومديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز، وقادة آخرون أكثر تفاعلا مع وسائل الإعلام بهدف التأثير على الرأي العام وسلوك الدول الأجنبية، حتى إن لم يتم ذلك من خلال الكشف الرسمي عن الأسرار.
الدبلوماسية أم الاستخبارات أولا؟
ويمثل استخدام كبار المسؤولين الاستخباراتيين، بدلاً من الدبلوماسيين، لقيادة المناقشات "عالية الأهمية"، بحسب المركز الأمريكي، امتدادا طبيعيا لاستراتيجية "الاستخبارات أولا" التي اتبعتها إدارة بايدن.
ويعد ويليام بيرنز المثال الأبرز على ذلك، حيث يتمتع بخبرة دبلوماسية واسعة تجعله الشخص المثالي للقيام بمثل هذه المهام، إذ يُسهم استخدام بيرنز وغيره من كبار المسؤولين الاستخباراتيين في تجاوز النقاشات السياسية المحرجة التي قد تنشأ من إرسال دبلوماسيين كبار للقاء مجموعات لا تعترف بها الولايات المتحدة، مثل طالبان، أو التعامل مع الصين في وقت يشهد فيه التوجه الحزبي الأمريكي تشددا تجاه أي تفاعل يبدو مهادنا مع بكين.
العدو قد يأتي من الداخل
بالطبع.. الولايات المتحدة لا تعمل في فراغ، واستخدامها للدبلوماسية الاستخباراتية من المؤكد أنه سيلهم دولا أخرى، بمن في ذلك الحلفاء والشركاء المقربين، لكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو كيف سيتفاعل المنافسون والخصوم مثل الصين وإيران وروسيا؟
ووفق المركز الأمريكي فإن المنافسين خاصة روسيا، لا شك أنهم قد لاحظوا الدبلوماسية الاستخباراتية الأمريكية ولن يظلوا مكتوفي الأيدي، مرجحا أن تقوم هذه الدول بنشر نسخهم الخاصة من الأحداث، سواء كانت صحيحة أم لا، لتشويش الصورة.
بالإضافة إلى ذلك، في الرد على زيارات المسؤولين الاستخباراتيين الأمريكيين إلى دول أخرى، قد يتهم المنافسون الولايات المتحدة بشكل متزايد بالتحركات خلف الكواليس وغيرها من التلاعبات لإضعاف فعالية هذه الاجتماعات.
«تسييس» المجتمع الاستخباراتي
ومع تزايد الترشيحات حول من إدارة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إدارة ترامب الثانية، يرجح المركز الأمريكي أن يعين ترامب "مخلصين أيديولوجيين" في العديد من المناصب العليا، ما سيفتح الباب أمام مزيد من "التسييس" في المجتمع الاستخباراتي.
وبينما كان ترامب لسنوات يهاجم "الدولة العميقة" التي يدعي أنها تتآمر ضده، فإن تعيين مسؤولين سياسيين في وكالات مثل المخابرات المركزية، وإف بي آي ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية قد يفتح الباب لاستخدام الدبلوماسية الاستخباراتية بطرق أكثر تسييسًا، حسب المركز الأمريكي.
من السهل تخيل كيف يمكن أن يتحول الإفصاح الاستراتيجي عن المعلومات، من استراتيجية غير منحازة لمواجهة الخصوم الأجانب إلى وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية للبيت الأبيض.
على سبيل المثال، بدلاً من الكشف عن معلومات استخباراتية حول نوايا روسيا، قد تقوم إدارة ترامب القادمة بنشر معلومات عن شحنات المخدرات المكسيكية، ليس لمواجهتها، ولكن لتعزيز الدعم العام لسياسات مكافحة الهجرة المتشددة.
ووسط ما أظهره ترامب في ولايته الأولى مما يمكن وصفه بـ«استهتار» في حماية المعلومات السرية، وفق المركز الأمريكي، فإن المزيد من التسريبات غير المقصودة قد يقوض الاستخدام الاستراتيجي المدروس للإفصاحات الاستخباراتية.
وبينما لا يمكن ضمان حدوث هذه التغييرات، فإنها توضح ليس فقط أن الدبلوماسية الاستخباراتية قد تتغير مرة أخرى، بل أيضا كيف يمكن أن تأتي التهديدات التي تضر بكفاءة الدبلوماسية الاستخباراتية من الداخل.
المخاطر تتفوق على الفوائد؟
ورغم الفوائد المحتملة للدبلوماسية الاستخباراتية، فإن هناك أيضا مخاطر كبيرة مرتبطة بها، أبرزها أن المعلومات المفصح عنها قد تكون خاطئة، علاوة على ذلك فإن هذه الاستراتيجية تهدد دائما بكشف قدرات الولايات المتحدة.
حتى لو بذلت وكالات الاستخبارات الأمريكية قصارى جهدها لضمان عدم احتواء المعلومات المفصح عنها على مصادر وأساليب "سرية"، فإن إعلام الخصم بأنك على علم بما يفعلونه سيدفعهم حتما إلى تعديل عملياتهم، مما يصعب على الجواسيس الأمريكيين القيام بعملهم، حتى إن ظل التسريب البشري أو الثغرة الرقمية غير مكتشفين، حسب المركز الأمريكي.
وحول المخاطر المرتبطة باستخدام كبار المسؤولين الاستخباراتيين في أدوار تقليدية يقوم بها الدبلوماسيون، يرى المركز الأمريكي أن أحد هذه المخاطر يتمثل في إضعاف دور وزارة الخارجية الأمريكية، إذا تم اعتبار السفير وفريقه مجرد ملحق ثانوي، فإن ذلك سيضر بقدرة الولايات المتحدة على استخدام جهازها الدبلوماسي الواسع لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
علاوة على ذلك، فإن الأدوار الأساسية لوكالة المخابرات المركزية، مثل جمع الأسرار، وتقديم التحليلات غير المتحيزة لصانعي السياسات، وتنفيذ العمليات السرية، قد تتأثر إذا قضى بيرنز (أو غيره) وقتا طويلا في أدوار دبلوماسية.
العداء مع روسيا والصين
وفي سياق الانقسام السياسي الأمريكي المتزايد يمكن أن تؤدي زيادة انخراط المسؤولين الاستخباراتيين في الدبلوماسية الاستخباراتية إلى اتهامات بالتحيز ضدهم، خصوصا مع زيادة اختيارهم بناءً على مواقفهم السياسية بدلاً من خبراتهم الطويلة في المجتمع الاستخباراتي الأمريكي.
ومن ضمن المخاطر أيضا حسب المركز الأمريكي، احتمالية أن تصبح الدبلوماسية الاستخباراتية ضحية لنجاحها الزائد، ما يخلق توقعات غير واقعية أو يفتح الباب أمام اتهامات بالتسييس.
ففي الأول والرابع من نوفمبر/تشرين الثاني أصدرت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بيانين يتهمان روسيا بصناعة مقاطع فيديو "مزيفة" للتدخل في الانتخابات الأمريكية.
وعلى الرغم من أن البيانات كانت مختصرة وقليلة التفاصيل، فإن السرعة التي ظهرت بها كانت استثنائية، ما يعكس بوضوح تركيز السلطات على الكشف السريع عن المعلومات لتحذير الجمهور وفضح الخصوم.
إلى ذلك، ومع احتمال تصاعد المنافسة والعداء الصريح بين الغرب ودول مثل الصين وروسيا، ستكون هذه الحسابات مهمة بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، لا سيما بعد أن أظهرت إدارة بايدن ما يمكن تحقيقه من خلال الدبلوماسية الاستخباراتية، لكن لا يوجد ضمان بأن إدارة ترامب المقبلة ستستمر في هذه الاستراتيجية بنفس الوتيرة، أو على الأقل بالطريقة نفسها.
aXA6IDE4LjE5MS43MS4xOTAg جزيرة ام اند امز