من بين الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية، ما زال على قيد الحياة أربعة منهم.
والرؤساء الأربعة هم: جيمي كارتر (1977-1981)، وبيل كلينتون (1993-2001)، وجورج دبليو بوش (2001-2009)، وباراك أوباما (2009-2017)، بالإضافة للرئيس الحالي جوزيف بايدن منذ عام 2020، والرئيس المنتخب مؤخراً دونالد ترامب (2016-2020).
ومن بين الرؤساء الأربعة السابقين الأحياء، هناك ثلاثة ينتمون للحزب الديمقراطي، هم كارتر وكلينتون وأوباما، بينما ينتمي بوش الابن للحزب الجمهوري، ومعه الرئيس المنتخب ترامب، بينما ينتمي الرئيس الحالي بايدن كما هو معروف للحزب الديمقراطي.
واللافت في مجريات ونتائج الانتخابات الأخيرة التي حسمها الرئيس ترامب بصورة لم يكن هناك أي توقع لها بالنسبة لمقعد الرئاسة، وكذلك في مجلسي الكونغرس، وفي حكام الولايات، أن لها عديداً من الدلالات المهمة التي سيكون لها تأثيراتها الكبيرة على النظام السياسي والحزبي الأمريكي، وهو ما بدأت بالفعل الأوساط السياسية والبحثية الأمريكية – وغير الأمريكية كذلك – في تحليله ودراسته.
ويتعلق جزء مهم من هذه الدلالات باستطلاعات الرأي العام التي تُجرى عادة قبل هذه الانتخابات في الولايات المتحدة، للتعرف والتنبؤ بمسارات التصويت فيها.
وكانت المراكز والجهات المتخصصة الأمريكية في استطلاعات الرأي، قد احتلت منذ زمن بعيد المكانة الأولى عالمياً، سواء في منهاجيات عملها وتحديثها باستمرار، أو فيما يخص نتائجها التي كانت تقترب عادة وكثيراً من الدقة المتناهية.
وقد أوضحت نتائج الانتخابات الرئاسية بكل ملامحها العامة وتفاصيلها الكثيرة، أن ما أعلنته الأغلبية الساحقة من استطلاعات الرأي العام خلال الفترات السابقة عليها، قد ابتعد بدرجة كبيرة للغاية عما جرى به الاقتراع بالفعل.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تخفق فيها توقعات بعض استطلاعات الرأي العام الأمريكية فيما يخص الانتخابات الرئاسية، فقد حدث هذا بصور جزئية عديداً من المرات، ولكن الإخفاق الواسع والفج في هذه الانتخابات، لم يتكرر من قبل سوى مرة واحدة وواضحة في انتخابات عام 2016، والتي نجح فيها أيضاً الرئيس ترامب أمام هيلاري كلينتون، والتي كانت الغالبية الساحقة من توقعات الاستطلاعات ترشحها للتفوق عليه.
وعلى الأرجح، فإن هذا الإخفاق الهائل للمرة الثانية وبصورة أكثر فجاجة، سوف يدفع القائمين على هذه الصناعة الكبيرة والممتدة لشتى مجالات الحياة في الولايات المتحدة، الاقتصادية والتسويقية عموماً بالإضافة للسياسية، نحو إعادة نظر جذرية في مناهجها والسبل والأدوات التي يتم الاعتماد عليها في إجرائها والوصول إلى نتائجها في كل هذه المجالات.
وليس هناك أيضاً من شك واحد بعد صدمات ومفاجآت الانتخابات الأمريكية بكل مستوياتها، أنه بجوار هذا الملف المهم، سيتم فتح ملف الإعلام الأمريكي ومدى قدرته على التأثير على مسارات التصويت، بعد أن أكدت النتائج الفشل الذريع لمعظم الوسائل الكبرى لهذا الإعلام، في محاولة حشد الرفض للرئيس المنتخب ترامب على مدى شهور طويلة وبشراسة كبيرة.
ومن بين ما يستحق أيضاً التحليل والدراسة، قدرة الرئيس المنتخب ترامب على التغلب على حملات سياسية وانتخابية هائلة شنت عليه ولصالح منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، بجوار الحملات الإعلامية والتوقعات "الخاطئة" أو "الموجهة" لاستطلاعات الرأي.
ومن بين الملامح المهمة والبارزة وغير المسبوقة لهذه الحملات السياسية والانتخابية ضد الرئيس ترامب، هي أن ثلاثة رؤساء أمريكيين ديمقراطيين قد خاضوها، بل وقادوا بعضها بكل حماس وقوة، وهم: الرئيسان السابقان كلينتون وأوباما والرئيس الحالي بايدن، بينما لم يستطع الرابع، وهو الرئيس كارتر، المشاركة نظراً لبلوغه سن الـ100 عام.
ولم يحظ ترامب بأي تأييد من الرئيس الجمهوري الوحيد على قيد الحياة، أي جورج بوش الابن، الذي أعلن حياده في هذه الانتخابات.
وقد خذل ترامب أيضاً نائبه السابق مايكل بنس الذي أعلن رفضه تأييده، بينما أعلن نائب الرئيس بوش الابن ديك تشيني وابنته عضو الكونغرس الجمهوريان، وقوفهما علناً ضد التصويت له.
وفي مواجهة مرشحة هي نائبة الرئيس الحالي، وثلاثة رؤساء أحدهم لا يزال في منصبه، ونائبين للرئيس من نفس حزبه وأحدهما نائبه هو شخصياً، فضلاً عن مئات من كبار الوزراء والمسؤولين والمعاونين في فترة حكمه السابقة وفترات رؤساء جمهوريين آخرين، وكلهم أيضاً من نفس حزبه، استطاع الرئيس دونالد ترامب أن "يكتسح" الانتخابات الرئاسية ومعها كل الانتخابات المرافقة.
إنها بالفعل ليست فقط انتخابات النتائج المفاجئة، بل هي علامة فارقة في طبيعة العوامل التي تؤثر على التصويت الفعلي للناخب الأمريكي وتشكيل توجهاته، وهو سيأخذ مساحات واسعة ووقتاً طويلاً من جهود السياسيين والباحثين للوصول إلى حقيقة الواقع وليس افتراضات النظريات، وسيرتبط كل هذا بدون شك باسم الرئيس المنتخب ثانية دونالد ترامب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة