القاعدة الأساسية لنجاح المسؤول أو المدير لأي عمل، لا يكون فقط بقدرته على مواجهة الأزمات وحلها أو تفكيك المشكلات المعقدة. وإنما النجاح الحقيقي يُقاس بتمكن ذلك المسؤول من استباق حدوث الأزمة وتلافيها؛ أي تجنب وقوعها ومنع نشوبها أساساً.
تنطبق هذه القاعدة بدقة على مجريات الصراع في الشرق الأوسط، المنطقة التي لا تعرف الهدوء، خصوصاً فيما يتصل منها بتعاطي العالم أو ما يُسمى "المجتمع الدولي" مع مفردات وجوانب تلك القضية المعقدة. ففضلاً عن التراخي في معالجة الأسباب الجذرية وراء نشوب الصراع وتعقده وتراكمه طبقات تزيده صعوبة، أسهم ترحيل الأزمات والتغاضي عن قضايا وتداعيات كثيرة ترتبت على تجاهل جوهر الصراع وهو احتلال الأرض. وبمرور الوقت لأعوام وعقود، تعددت الأزمات وتعقدت جوانب القضية بشكل باتت معه الحلول الجذرية عسيرة.
وقد مثلت هجمات السابع من أكتوبر 2023 نموذجاً بالغ الدلالة والتعبير عما يمكن أن ينجم عن الإصرار على استخدام أسلوب القوة والجبر وتعكير الحياة اليومية لشعب خاضع للاحتلال، ثم توهم إمكانية تجاوز الواقع وفرض واقع افتراضي لا مقومات حقيقية له.
وبعد أن مر أكثر من عام على بدء الرد الإسرائيلي على هجمات 7 أكتوبر بحرب وحشية على المدنيين في قطاع غزة، جاءت الأيام الماضية بجديد مهم ومثير للانتباه، بل والقلق. وهو ذلك الاشتباك الذي وقع في العاصمة الهولندية أمستردام بعد مباراة في كرة القدم بين نادي مكابي الإسرائيلي وأياكس أمستردام الهولندي، حيث قام مشجعون إسرائيليون برفع شعارات مناهضة للعرب والفلسطينيين ثم تمزيق العلم الفلسطيني. ما أدى إلى رد فعل عنيف من جانب شباب الجاليات العربية هناك، إذ اعتدى عدد كبير منهم على الإسرائيليين في شوارع المدينة. وبلغت حصيلة الضحايا إلى عشرات من الإسرائيليين بين مصاب ومفقود.
إن هذا الحادث نذير خطر، فهو يعني أن الفجوة الكبيرة الحاصلة بين الجانبين من نطاق المواقف الذهنية والإدراك المتبادل، انتقلت إلى الممارسات والتصرفات الفعلية. وأياً ما كان المبادر بالخطأ في اشتباكات أمستردام، احتمالات تكرارها كبيرة في ظل الاحتقان المتبادل والمتزايد على وقع التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط عموماً وبين أطراف الصراع العربية وإسرائيل خصوصاً.
وهو احتمال قابل للتحقق بنسبة كبيرة في ظل تزامن وجود أفراد أو مجموعات من الجانبين العربي أو الإسرائيلي، في مناسبات كثيرة ومحافل متعددة ومتنوعة المجالات. ويلاحظ هنا أن اشتباكات أمستردام لم تحدث بسبب مؤتمر سياسي أو اقتصادي أو أي محفل رسمي، فقد وقع الاشتباك على هامش مباراة لكرة القدم وبسلوك تلقائي لأفراد أو مجموعات من الطرفين.
الأخطر مما سبق، أن تداعيات هذه النقلة النوعية في نطاق المواجهات من الرسمي إلى الشعبي والمجتمعي، لن تنحصر بين المؤيدين أو المنتمين إلى أي من الجانبين العربي-الفلسطيني أو الإسرائيلي. فالاحتقان والشحن السلبي لا يتقيد بالحدود الجغرافية ولا يستهدف تحديداً أبناء هذه الجالية أو تلك. ومع وجود جاليات عربية كبيرة ومنتشرة في الغرب عموماً وفي الدول الأوروبية خصوصاً، مقابل هيمنة ونفوذ واسع للوبيات والمنظمات ورجال الأعمال اليهود والموالين لإسرائيل؛ فإن احتمالات المواجهة والاشتباك كبيرة وتزداد فرصها سريعاً وبأشكال متعددة.
وكما سبقت الإشارة في بداية المقال، الكفاءة والنجاح في إدارة الأزمة ليس بمواجهة الأزمات، وإنما بمنع وقوعها. وحيث إن الأزمات المرتبطة بهذا الصراع باتت تضرب في كل الاتجاهات وتهدد استقرار أطراف ثالثة كما في أوروبا وأمريكا وغيرهما، فإن مصلحة هذه الأطراف تتطلب، بل تفرض عليها ضرورة التحرك عملياً وبسرعة، لدفع أطراف الصراع المباشرين إلى الانصياع لمبدأ التسوية السلمية العادلة والتفاهم حول حلول عملية قابلة للتنفيذ وتتسم بالاستمرارية والواقعية.
دولة الإمارات كانت من أولى الدول التي سعت -ولا تزال- لإيجاد مداخل لتلك التسوية المأمولة. وطالما أكدت الإمارات أن مخاطر غياب الحل وتداعيات السلبية تهدد الجميع، وبالتالي فالمسؤولية تقع على الجميع. وما يحدث الآن يؤكد صحة التحذيرات الإماراتية، بعد أن صارت القضايا والمشكلات الفرعية المترتبة على الصراع، أوسع وأكثر تعقيداً ربما من جوهر الصراع نفسه. كما اتسع نطاقه وتعدد أطرافه بشكل غير متوقع ولا يمكن معه تحمل تبعاته والمخاطرة باستمرار الوضع الراهن بدون حلول فعالة تنزع فتيل انفجاره في حالات ومواقف غير متوقعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة