يسألني الأصدقاء الأوروبيون، لماذا الغالبية في دول الخليج والدول العربية كانت تميل إلى ترامب في السباق الانتخابي وفرحت بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية منذ أيام؟
ليس فرحاً وليس ميلاً بقدر ما هو محاولة للشعور بالاطمئنان بأن الآتي لن يكون ضد قضاياهم ومستقبل منطقتهم، فالعرب كباقي شعوب العالم كانت لديهم مواقفهم حول المرشحين للرئاسة سواء الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية كامالا هاريس، لكنّ هناك أسباباً ومعطيات تحدد موقف الشارع العربي من المرشح الأمريكي أو الرئيس الأمريكي، وهي عديدة سنذكر أهمها.
تاريخياً، فإن هذه المتابعة والاهتمام للانتخابات الأمريكية لم تكن على المستوى الشعبي قبل 15 عاماً تقريباً، أي قبل وصول الرئيس باراك أوباما إلى الحكم، فقبل ذلك بدأ الرأي العام يهتم بالشأن الأمريكي بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وما تبعها من عداء للعرب وحروب جورج بوش الابن على أفغانستان والعراق وانتشار العداء للعرب وللمسلمين في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، لكن الاهتمام بالانتخابات والميل إلى مرشح دون الآخر وانتظار نتائج الانتخابات في الساعات الأولى من الفجر بدأ في عهد أوباما، وبالتحديد بسبب موقف الولايات المتحدة مما يسمى "الربيع العربي" التي لا تزال الدول التي سقطت في فخ ذلك "الربيع" تعيش خريفاً قاسياً وغير قادرة على العودة إلى وضعها الطبيعي، وفي ذلك الوقت كان موقف الإدارة الأمريكية مؤيدا لطرف واحد صغير جداً في المنطقة، وحصل ذلك الطرف على الدعم الكامل، وبعد ذلك سقط سقوطاً مدوياً وفشل في إدارة تلك الدول، الأمر الذي اكتشفته الإدارة الأمريكية بعد فوات الأوان، وبعد خراب مالطا كما يقولون، وهذا يعتبر أساس تشكل موقف الشارع العربي، فالناس في المنطقة لم تنسَ إلى اليوم مواقف الإدارة الأمريكية الديمقراطية التي تسببت في كوارث في المنطقة العربية، وبالتالي يخشى الشارع العربي من أن عودة نفس الإدارة قد تتسبب في نفس الكوارث والأزمات.
وفي مقابل هذه الخبرة مع الإدارة الديمقراطية وإدارة أوباما فإن فترة حكم الرئيس ترامب -الذي لا يحظى بالشعبية المطلقة في المنطقة- لم تشهد أي صراعات أو حروب في المنطقة بعكس الفترات الرئاسية الثلاث الأخيرة للديمقراطيين.. فكانت بالنسبة للشعوب العربية أفضل بكثير، فصحيح أن ترامب استغل بعض الدول ودعم وانحاز لإسرائيل بشكل كبير ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنه كان واضحاً في مواقفه حتى تلك التي لم تعجب الشارع العربي، وهذه نقطة مهمة يجب أن يفهمها كل من يراقب ويحلل الشارع العربي، فالناس تحترم من يحترمها وإن كان عدوها ويخالفها في الرأي، فالعرب تقبلوا ترامب، لأنه شخص واضح وصريح في مواقفه وقراراته، ولا يعتمد أسلوب المراوغة ويسمي الأمور بمسمياتها، والإنسان بطبعه يفضل أن يتعامل بوضوح.
إذاً يمكن أن نقول إن رأي الشارع العربي في ترامب أنه شخص واضح في مواقفه وواقعي في قراراته، يفهم تحديات المنطقة ويتعامل معها بشكل براغماتي، ويستمع إلى حلفائه ويتحاور معهم، وهو في ذلك يضع دائماً مصالحه ومصالح بلده في المرتبة الأولى وقبل كل شيء، وهو شخص لا يميل إلى الحروب والصراعات المسلحة، لديه مواقف حادة ويتخذ قرارات خاطئة، لكنه يمكن أن يتراجع عنها.
هكذا يرى العرب ترامب وكما يعرفونه من فترة حكمه السابقة، وما استشفوه من حملته الانتخابية، ويبقى أن يتأكدوا إن كان سيبقى كذلك ومحل توقعاتهم عندما يعود إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة