أربعة عقود من الزمن صدّرت فيها إيران إرهاباً غير مسبوق، وأنشأت مليشيات لتفتيت وحدة العالم العربي.
حين تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" الأيام القليلة الفائتة عن إيران كمركز للإرهاب العالمي منذ عام 1979، فإن الرجل لم يتجاوز الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني منذ انطلقت ثورة الخميني عام 1979، لا سيما أن الخميني لم يدارِ أو يوارِ رغبته الجامحة في أن يرفرف علم الثورة الإيرانية على العواصم العربية كافة، من الرياض إلى القاهرة، ومن دمشق إلى بغداد، ولهذا لم يألو جهداً في طريق تصدير الثورة ولو على أسنة الإرهاب.
أربعة عقود من الزمن صدّرت فيها إيران إرهاباً غير مسبوق، وأنشأت مليشيات لتفتيت وحدة العالم العربي، وعززت من صراعات مذهبية وطائفية من المحيط إلى الخليج، ولم تفلح رغم ذلك في الوصول إلى مبتغاها، ما يعني أن خطأ جوهرياً ما يشوب النظرية وليس الآليات.
المعلومات المتقدمة عن المخططات الإرهابية الإيرانية داخل الأراضي الأمريكية لم يتردد صداها في الإعلام الأمريكي فحسب، بل كانت محل نقاشات جادة وسرية خلال جلسة استماع للجنة الأمن في الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، وبان جلياً أن إيران تحتفظ بأذرع إرهابية عديدة.
مهما يكن من أمر التنظير الفكري والأيديولوجي للثورة الإيرانية، فإن تصريحات بولتون لم تتأت من فراغ، لا سيما بعدما تكشف من ترتيبات إرهابية إيرانية للداخل الأمريكي، ربما تسبق القارعة ولا شك.
وفيما ينتظر الإيرانيون بقلق بالغ ما ستؤول إليه الأمور بعد توقيع الولايات المتحدة الأمريكية القسم الثاني من العقوبات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن الملالي يسودهم الرعب من الأسوأ الذي لم يأت بعد.
رعب آيات الله سببه أن الأزمة الحالية تتجاوز رغيف الخبز إلى الحياة في ظل نظام لا يصون كرامة الإنسان، لا سيما أن في الأفق يلوح شعار "الموت للنظام "، ليس من قبيل المعارضين الفرديين فحسب، إنما من الشارع الإيراني برمته.
لم تعد الأكاذيب تنطلي على الشعب الإيراني الذي خرج هاتفاً "الموت لفلسطين" والمقصود هنا إظهار زيف الدعوات الإيرانية التي تتحدث عن دعم القدس وتحرير فلسطين، في حين أن مليارات الدولارات تنفق زيفاً وكذباً على الحرس الثوري بدعاوى نصرة القضية العربية المركزية الأولى، رغم أن رصاصة إيرانية واحدة لم تنطلق على الحدود الإسرائيلية منذ جاء الخميني إلى موقعه هذا.
يعرف الملالي تمام المعرفة أن إدارة ترامب سوف تمضي إلى النهاية ولن يوقفها شيء لتعديل سلوك النظام الإيراني، وفي الوقت عينه يتوقع الجميع صداماً مع طهران، ذلك لأنها إذا رضخت فسوف تتعرض لهزة عميقة في عيون شعبها، ولاحقا سوف يتساءل الشارع الإيراني: "لماذا إذن تكبدنا أكلافاً بالغة طوال أربعة عقود إذا كان الرضوخ هو نهاية المطاف؟"، وإذا رفض خامنئى وصحبه الركوع للقيصر، فإن الصدام المسلح سيكون البديل، ومن هنا يأتي الحديث عن الأوراق الإيرانية التي تعدها استباقاً لصيحة الطائر الذبيح.. ماذا يعني ذلك؟
قبل بضعة أيام كانت السلطات الأمنية الأمريكية تلقي القبض على عميلين إيرانيين على الأراضي الأمريكية، ووجهت لهما اتهامات بالتجسس لحساب الحكومة الإيرانية، بعدما جمعا معلومات عن إيرانيين معارضين لنظام طهران، والتقاط صور لمؤسسات يهودية ومحاولتهما اختراق صفوف جماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة في المنفى.
التسجيلات الصوتية التي رصدها جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية أكدت أن تعليمات صدرت من طهران بجمع هذه المعلومات، ومن بعد فقد سافر أحدهما إلى طهران لإبلاغ المسؤولين في النظام الإيراني بما تم جمعه من معلومات.
لا تتوقف قصة الإرهاب الإيراني عند عتبات القبض على عميلين لطهران، إذ يبدو أن المشهد مرشح للانفجار لا سيما إذا نفذت واشنطن السلسلة الجديدة من العقوبات، وعلى رأسها منع تدفق النفط الإيراني إلى العالم، وقد توعدت إيران بأن تنتقم وأن تغلق المضايق التي يمر منها النفط للعالم، الأمر الذي سيترتب عليه مواجهة عسكرية لا محالة مع القوات الأمريكية في الخليج العربي.
يفيد مسؤولون استخباراتيون أمريكيون عن وجود خلايا إيرانية نائمة في الداخل الأمريكي، وأنها تنتظر ساعة الصفر لتقوم بدور "طياري الكاميكاز" في الحرب العالمية الثانية، وليس حتماً أن تكون عملياتهم الإرهابية عبر طائرات، فقد بات العالم يعرف العربات الطائشة التي تقتل، وتوافر الأسلحة في السوق الأمريكية، عطفاً على سهولة تهيئة عبوات ناسفة، وجميعها يمكنها إيقاع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات الأمريكية متى صدرت أوامر المرشد.
المعلومات المتقدمة عن المخططات الإرهابية الإيرانية داخل الأراضي الأمريكية لم يتردد صداها في الإعلام الأمريكي فحسب، بل كانت محل نقاشات جادة وسرية خلال جلسة استماع للجنة الأمن في الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، وبان جلياً أن إيران تحتفظ بأذرع إرهابية عديدة لا سيما من خلال مليشيا حزب الله في الخلفية الجغرافية التاريخية للولايات المتحدة، أي في القارة اللاتينية حيث الحديث عن الوجود الشيعي هناك والتخطيط للانتقام من واشنطن مرتب ومعد له منذ زمن بعيد، وهناك في الداخل الأمريكي من سيقدم لهم العون من خلال عملاء إيرانيين متخفين دخلوا البلاد بصفة مهاجرين ويؤسسون ويديرون شركات فعلية إلا أنهم يتخذونها واجهة تمكنهم من القيام بأنشطتهم الأخرى.
الإرهاب الإيراني على الأراضي الأمريكية يبدو أنه حلقة ضمن حلقات عودة فرق الاغتيالات الإيرانية حول العالم، تلك المكلفة بتنفيذ أسوأ هجمات إرهابية ضمن سيناريو يعرف بـ"الخيار شمشون" أي هدم المعبد على رأس الجميع إذا تعرضت إيران لهجوم أمريكي.
ولعل ما جرى في فرنسا الصيف الجاري من محاولة لأحد الدبلوماسيين الإيرانيين "أسد الله الساعدي" إعداد عملية ارهابية ضد تجمع إيراني معارض في باريس يعزز من المخاوف التي سبق وأشارت إليها الرابطة الأوروبية عام 2015، حيث أشارت إلى أن: "الحرس الثوري الإيراني يهيمين على السياسة الإيرانية الخارجية، ما يعني أن وزارة الخارجية هناك ليست إلا ستاراً ومسرحاً لتخفي عملاء الحرس عبر الحصانة الدبلوماسية".
الخلاصة.. الإرهاب هروب إيراني للأمام.. والهروب لن يمكن آيات الله من القدر المنقوش على حجر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة