لم تسلم الشعائر الدينية والأرض المقدسة من إرهاب نظام طهران فقد شهد العام 1986م حادثاً هو الأغرب من نوعه
دهشة كبيرة... وتناقض واضح... هذا هو الانطباع الذي تركته لدي كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، السيد سلطان بن سعد المريخي، أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الثاني عشر من سبتمبر (أيلول) الجاري.
التناقض جاء بين القول والفعل... أما القول فجاء على لسان الوزير القطري عندما وصف إيران بالدولة الشريفة... وأما الفعل فعندما صوّت رئيس الوفد القطري لصالح قرار إدانة إيران لتدخلاتها في شؤون الدول العربية!!
والحقيقة أن التاريخ يؤكد أنه منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، وسجل إيران يحفل بأفعال تثبت تبنيها سياسات نشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في دول المنطقة؛ بهدف زعزعة أمنها واستقرارها، والضرب بكافة القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والمبادئ الأخلاقية عرض الحائط. وقد التزمت المملكة العربية السعودية بسياسات ضبط النفس، والحفاظ على حسن الجوار طوال الفترة الماضية.
والحقيقة الأخرى أن هذه السياسات الإيرانية تستند في الأساس إلى ما نص عليه الدستور الإيراني في مقدمته، وعلى وصية الخميني، فيما عُرف بمبدأ تصدير الثورة، الذي تقوم عليه السياسة الإيرانية الخارجية تحت مسمى نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها.
كما تدعم إيران الإرهاب بتوفير ملاذات آمنة لقياداته على أراضيها، وزرع الخلايا الإرهابية في عدد من الدول العربية، وتجاوزت هذه السياسات إلى الأفعال بالضلوع في التفجيرات الإرهابية التي ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء، واغتيال المعارضين في الخارج، وانتهاكاتها المستمرة للبعثات الدبلوماسية، ومطاردة الدبلوماسيين الأجانب حول العالم بالاغتيال أو محاولته. وكل ذلك تدعمه التواريخ والأرقام والأحداث التي توضح في مجملها حقيقة سياسات إيران العدوانية طوال 35 عاماً. وكلها حقائق تدحض بالدليل القاطع تلك الأكاذيب التي يروّجها النظام في طهران، بما في ذلك مقال وزير الخارجية الإيراني في صحيفة «نيويورك تايمز»، ورسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
فقد أسست إيران العديد من المنظمات الإرهابية الشيعية في الداخل (فيلق القدس وأشباهه)، وفي الخارج عمدت إلى تأسيس «حزب الله» في لبنان، و«حزب الله الحجاز»، و«عصائب أهل الحق» في العراق، وغيرها. كما أسست ودعمت العديد من الميليشيات الطائفية في عدد من الدول أمثال الحوثيين في اليمن.
والمتتبع لأهم الأحداث الإرهابية في العالم يصعب عليه أن يجد حدثاً أو عاماً بُرئِت فيه يد النظام الإيراني من حادث أو أكثر.
ففي العام 1982م تفجرت أزمة «الرهائن»، التي استمرت 10 سنوات، وتم اختطاف 96 أجنبياً في لبنان، وكان بينهم 25 أميركياً، وكانت معظم عمليات الخطف من تنفيذ حزب الله، والجماعات المدعومة من إيران.
ويحمل العام 1983م خاتماً خاصاً في العمليات الإرهابية بدءاً من تفجير السفارة الأميركية في بيروت بمعرفة عملاء حزب الله في عملية راح ضحيتها 63 شخصاً. وفي العام نفسه نفذ إسماعيل العسكري، أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني عملية انتحارية في بيروت استهدفت مقر مشاة البحرية الأميركية. وأسفرت عن مقتل 241، وإصابة أكثر من 100، من العسكريين والمدنيين الأميركيين. وبالتزامن مع هذه العملية تم تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت بمعرفة حزب الله. وخلف التفجير 64 قتيلاً بينهم المدنيون.
وشهد العام 1984م هجوماً شنه حزب الله على ملحق للسفارة الأميركية في بيروت الشرقية، مخلفاً 24 قتيلاً بينهم أميركيون.
وفي العام 1985م وقع حادثان؛ الأول محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت آنذاك، رحمه الله، ونتج عنها 4 قتلي. أما الثاني فكان خطف طائرة ركاب تابعة لخطوط (TWA)، وعلى متنها 39 أميركياً بتدبير إيراني. وهي العملية التي استمرت أسابيع وراح ضحيتها أحد مشاة البحرية الأميركية.
ولم تسلم الشعائر الدينية والأرض المقدسة من إرهاب نظام طهران، فقد شهد العام 1986م حادثاً هو الأغرب من نوعه حين حرّضت إيران حجاجها على القيام بأعمال شغب أثناء تأدية المناسك، مما أدى لحدوث تدافع بين الحجيج راح ضحيته 300 من ضيوف الرحمن.
وشهد العام 1987م إحراق ورشة بالمجمع النفطي برأس تنورة شرق السعودية، نفذه عناصر من «حزب الله الحجاز» المدعوم من النظام الإيراني. ولم يكتفِ النظام الإيراني خلال هذا العام بالهجمات الإرهابية داخل المملكة، فقد تورط في اغتيال الدبلوماسي السعودي مساعد الغامدي في طهران.
كما اعتدت السلطات الإيرانية، وفي نفس العام، على القنصل السعودي في طهران رضا عبد المحسن، واقتاده عناصر من الحرس الثوري إلى المعتقل، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد مفاوضات بين السعودية وإيران.
تلك أيها السيد- سلطان المريخي مجموعة من الحقائق حول دولة «إيران الشريفة» كما وصفتها. ولا أظنك تجهلها ولا حتى تستطيع أن تنفي أياً منها. وأعتقد أنك يجب أن تخجل من نفسك على هذا الوصف الذي يُجافي الحقيقة والواقع، والذي أثار في كل من سمعه استهجاناً واستنكاراً كبيراً
ولا يخفى على أحد حقائق تورط إيران في عمليات اغتيال تمت لعدد من المعارضين لنظام طهران؛ فقد تورطت عام 1989م في اغتيال عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومساعده عبد الله آزار في فيينا. وفي عام 1991م اغتال عناصر من الحرس الثوري في باريس شهبور باختيار آخر رؤساء الحكومات في إيران تحت حكم الشاه. وأسفر الحادث عن مقتل رجل أمن فرنسي وسيدة فرنسية. وفي برلين وفي العام 1992م اغتالت إيران صادق شرفكندي الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وراح في العملية مساعدوه الثلاثة، فتاح عبدولي، وهومايون أردلان، ونوري دخردي.
وخلال الفترة من 1989م إلى 1990م تورط النظام الإيراني في اغتيال الدبلوماسيين السعوديين عبد الله المالكي، وعبد الله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف في تايلاند.
وفي العام 1992م أثبت القضاء الألماني تورط الاستخبارات الإيرانية في تفجير مطعم ميكونوس في برلين لقتل 4 معارضين إيرانيين. ولا ينسى العالم تفجيرات بوينس آيرس التي وقعت عام 1994م وخلفت 85 قتيلاً وأكثر من 300 مصاب، وهي العملية التي اعتقلت الشرطة البريطانية عام 2003م هادي بور السفير الإيراني السابق لدى الأرجنتين بتهمة التآمر لتنفيذ الهجوم.
وشهدت مدينة الخبر السعودية عام 1996م حادثاً مأساوياً بتفجير أبراج سكنية بمعرفة عناصر «حزب الله الحجاز» المدعوم من إيران، وقد خلف الهجوم الإرهابي 120 قتيلاً، بينهم 19 أميركياً. وتولت إيران توفير الحماية والأمن لمرتكبي الحادث وضمنهم المواطن السعودي أحمد المغسل، الذي تم القبض عليه عام 2015م وهو يحمل جواز سفر إيرانياً. وأثبتت التحقيقات أن الملحق العسكري الإيراني لدى دولة البحرين آنذاك أشرف على العملية.
وبعد هجمات 11 سبتمبر، وفرت إيران ملاذاً آمناً على أراضيها لزعامات من تنظيم القاعدة، بينهم سعد بن لادن، وسيف العدل وغيرهما. ورفض النظام الإيراني تسليمهم لبلدانهم.
وفي عام 2003م دعمت إيران عناصر شيعية عراقية لتشكيل أحزاب وجماعات موالية لنظام طهران، وقد تورطت هذه التنظيمات في مقتل 4400 جندي أميركي، وعشرات الآلاف من العرب السنة.
وفي عام 2006م أعلن النظام الإيراني تخصيص مكافأة 1000 دولار عن قتل كل جندي أميركي في أفغانستان.
وكان ضرورياً أن تتخذ أميركا موقفاً من نظام طهران، فأصدر مجلس الشيوخ قراراً بإدراج الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. وهو نفسه ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، والكونغرس عام 2007م.
ولم تقف الممارسات الإرهابية الإيرانية ضد السعودية، فتورطت عام 2011م في اغتيال الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني في كراتشي. وفي نفس العام نجحت سلطات الأمن الأميركية في إحباط محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وأثبتت التحقيقات الأميركية تورط النظام الإيراني في الحادث الإرهابي.
ولعلنا جميعاً نتذكر قضية خلية العبدلي الشهيرة في دولة الكويت، والتي أصدرت محكمة الجنايات الكويتية فيها حكماً بالإعدام على اثنين من المدانين فيها أحدهما إيراني. بعد ثبوت اتهامهما بالتخابر مع إيران وحزب الله للقيام بأعمال عدائية، وارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت.
وليس أدل على تورط إيران في دعم الإرهاب من اعتراف محمد علي جعفري بوجود 200 ألف مقاتل إيراني في سوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، واليمن.
لكن «إيران الشريفة»، بحسب وصف الوزير القطري، تورطت فيما هو أكثر من ذلك، فأينما حلت البعثات الدبلوماسية الإيرانية تعمل على تشكيل شبكات تجسس وتنظيمات مدعومة لتنفيذ عملياتها الإرهابية. وقد توالى الكشف عن شبكات التجسس الإيرانية في السعودية عام 2013م، والكويت عامي 2010م، و2015م. وفي البحرين عامي 2010م، و2011م. وفي مصر أعوام 2005م، و2008م، و2011م. وفي الأردن عام 2015م. وفي اليمن 2012م. والإمارات 2013م. وتركيا 2012م.
ويحفل السجل الإيراني بانتهاكات متعددة ومتكررة لحرمة وحصانة البعثات الدبلوماسية على أراضي إيران. ذلك السجل الذي يضم بين صفحاته وقائع عديدة لعل أبرزها اقتحام السفارة الأميركية عام 1979م واحتجاز دبلوماسييها لمدة 444 يوماً. ثم الاعتداء على السفارة السعودية عام 1987م. تلاه الاعتداء على السفارة الكويتية. وأخيراً الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد 2016م.
والحقيقة أن السعودية لم تكن الدولة الأولى التي اضطرت لقطع علاقتها مع النظام الإيراني بعد محاولات عديدة لإثنائه عن التدخل في شؤون المملكة، فقد سبقت الولايات المتحدة وبريطانيا دول العالم في اتخاذ هذه الخطوة. كما اتخذت كندا، والجزائر، وتونس، ومصر، والمغرب، واليمن، قرارات مماثلة في وقت سابق. وأخيراً انضمت البحرين، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر المتحدة، إلى قطار قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران.
ولا يتوقف النظام الحاكم في إيران عن توزيع الاتهامات الكاذبة والمضللة على دول المنطقة، ويختص المملكة العربية السعودية بالجزء الأكبر منها، فيرميها بالأكذوبة تلو الأخرى، لكن تظل عناية الله مع المملكة تؤكد براءتها من التهم الباطلة والأكاذيب المُلفقة. فمرة تدعي إيران أن قوات التحالف العربي قصفت السفارة الإيرانية في اليمن وتأتي الصور لتفضح الكذابين، وتارة تختلق أقاويل مضادة للشيعة وتنسبها لواحد من أئمة الحرم، وتدحض الخطب الموثقة صوتاً وصورة تلك الادعاءات. ومرة تصف نمر النمر بأنه ناشط سياسي رغم إدانته قضائياً مع 46 آخرين بالإرهاب، وبتكوين خلية إرهابية خططت ونفذت أعمالاً إرهابية أدت إلى مقتل العديد من الأبرياء.
وقد حاولت إيران الوقيعة بين المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي حينما ادّعت أن المملكة تعارض الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران، والمراجع للموقف المعلن لحكومة خادم الحرمين الشريفين سيجد أن المملكة أعلنت منذ اليوم الأول تأييدها لأي اتفاق يحول دون حصول إيران على السلاح النووي، وأيدت أن يشمل الاتفاق آلية تفتيش صارمة، مع التأكيد على إمكانية العودة لتطبيق العقوبات في حالة انتهاك الاتفاق. وهذا الموقف أثبتته الولايات المتحدة ودعمته.
لقد مدت المملكة العربية السعودية يد السلام إلى النظام في طهران منذ قيام الثورة الإيرانية. ودعت حكام إيران إلى تبني سياسات حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، إلا أنها لم تجد من طهران إلا أكاذيب وممارسات عدائية، واتجهت إيران إلى إشاعة الفتن الطائفية والمذهبية، والتحريض والقتل والتدمير. وعلى إيران أن تحدد إن كانت تحترم القوانين والمعاهدات الدولية، وتحترم جيرانها، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، أم أنها تصرُّ على اتباع سياسة تصدير الثورة. فإذا ما أرادت إيران التحلي بلغة العقل، فعليها أن تثبت حسن النوايا بالتوقف الفوري عن دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الغير. وساعتها ستجد إيران كل خير من السعودية، ومن دول الجوار، ومن العالم أجمع.
وبعد، فتلك أيها السيد- سلطان المريخي مجموعة من الحقائق حول دولة «إيران الشريفة» كما وصفتها. ولا أظنك تجهلها ولا حتى تستطيع أن تنفي أياً منها. وأعتقد أنك يجب أن تخجل من نفسك على هذا الوصف الذي يُجافي الحقيقة والواقع، والذي أثار في كل من سمعه استهجاناً واستنكاراً كبيراً. وعليك أن تدعو بلادك إلى تغيير موقفها حيال القرارات المتعلقة بإيران التي تصدرها الجامعة العربية وتدين ما تقوم به حيال الدول العربية لتصبح مؤيدة لإيران بدلاً من شجب أعمالها العدوانية.
إن الحقائق لا يمكن إنكارها، والمواقف العادلة تحظى باحترام الجميع.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة