إعلام إيران يتجاهل الاحتجاجات ومسؤولوها يستدعون "نظرية الفوضى"
الساحة الإيرانية الإعلامية والسياسية تشهد تقاذف الاتهامات بين ساسة إيران وتحذيرات من الفتن، وتلجأ لأحداث قديمة للتشويش على الاحتجاجات.
تجاهلت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، اليوم السبت، المظاهرات الحاشدة التي خرجت في عدة مدن خلال اليومين الماضيين؛ احتجاجا على حكم الملالي، فيما سلّطت أخرى عليها ضوءًا خافتًا وأرجعتها إلى تدخلات خارجية ونقلت عن مسؤولين تحذيرات من "الفوضى".
وكان أكثر ما سلطت الضوء عليه تلك الوسائل كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الداعية إلى اليقظة ضد "مؤامرات الأعداء"، إضافة لعدد من تحذيرات قادة مليشيا الحرس الثوري الإيراني والجيش للمتظاهرين.
وأخفت الكثير من الصحف الإيرانية صور المتظاهرين من صفحاتها الرئيسية، واستبدلتها بصور لروحاني وقادة الحكم أو صدّرت صورا لأخبار من خارج إيران.
التشويش بذكرى "فتنة 2009"
وإلى جانب ذلك احتفت بعض الصحف الإيرانية بما وصفتها بذكرى "التصدي للفتنة" في إشارة إلى المظاهرات التي خرجت في مثل هذا اليوم عام 2009؛ احتجاجا على ما قال المتظاهرون إنه تزوير خلال الانتخابات التي حملت محمود أحمدي نجاد إلى فترة حكم ثانية.
وأفردت بعض وسائل الإعلام، ومنها وكالة فارس، مساحة واسعة لتغطية هذه الذكرى، والتشويش على المظاهرات التي خرجت يومي الخميس والجمعة، قائلة إن مظاهرات ذكرى "التصدي للفتنة" انطلقت اليوم السبت في 1200 نقطة في إيران، بحضور جماهير غفيرة.
وزعمت أن المتظاهرون رددوا شعارات تدعم إيران وولاية الفقيه، وأنهم جددوا البيعة لـ"المرشد" علي خامنئي.
ونشرت الوكالة صورا لمظاهرات قالت إنها داعمة لخامنئي، فيما تجاهلت صور الاحتجاجات المناهضة له.
كما نقلت الوكالة عن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، دعوته للشعب الإيراني أن يستفيد من دروس هذه الفتنة للتصدي للفتن المستقبلية، في إشارة إلى مظاهرات اليومين الماضيين.
من جانبها، أصدرت مليشيا الحرس الثوري الإيراني، بيانا، دعت فيه أيضا للتعلم من دروس "فتنة 2009" لحماية النظام الحالي، ملقية باللوم على من وصفتهم بأعداء الثورة في "تشويه الحقائق التاريخية" من خلال عمليات نفسية واسعة لقلب الحقائق.
وفي إشارة تهديد للمظاهرات الحالية، ذكَّر الحرس الثوري بدوره في قمع مظاهرات 2009 بالقوة، قائلا إن تصديه لتلك الاحتجاجات "يعد ردا حازما وتاريخيا وثوريا على مثيري الفتنة وداعميهم في المنطقة وخارجها".
خامنئي يحذر من "بث اليأس"
وجاءت لهجة آية الله علم الهدى، عضو ما يطلق عليها "مجلس خبراء القيادة في إيران"، أكثر هدوءا بقوله إن احتجاجات الأمس في مدينة مشهد على الغلاء "كانت محقة"، غير أنه حذر من استغلال الأعداء لها إن لم يستجب لها المسؤولون.
ولم يعلق "مرشد" إيران علي خامنئي على المظاهرات حتى صباح اليوم السبت، إلا أنه في كلمة قبل اندلاعها بيوم واحد حذر من "بث اليأس داخل نفوس الشعب".
ونقلت عنه وكالة "تسنيم" قوله يوم الأربعاء، إن "بث اليأس في نفوس الشعب وتوجيه الاتهامات وإطلاق أكاذيب الأعداء هي جملة من الأعمال التي يمارسها البعض".
ومحذرا من الخروج للمظاهرات، قال إن "السياسة لا تكمن في التقاط الحجارة ورميها على هذا وذاك".
تصريحات خامنئي جاءت متناقضة مع ما كان يردده هو نفسه عند اندلاع احتجاجات في دول أخرى، حيث خرج بخطبة عام 2011 وجهها للشعب المصري عقب مظاهرات يناير من العام نفسه والتي شهدت أعمال عنف في بعض المدن المصرية، احتجاجا على حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، محييا إياهم على هذا "الإنجاز"، كما حيا في أوقات لاحقة المظاهرات التي خرجت ضد نظم حكم أخرى معادية لنظام الملالي.
وانتشرت نيران الغضب الشعبي في شوارع عدد من المدن الإيرانية على مدى اليومين الماضيين، ومنها طهران ومدن ورشت، وساري، وقم، وتبريز، وأروميه، وكرمانشاه، وهمدان، وخرم آباد، وقوجان، كان أميز ما فيها ليس مجرد انطلاق هتافات تطالب بتحسين الأحوال المعيشية للسكان مثل "الخبز والعمل والحرية"، ولكن هتافات مناهضة لنظام الملالي والمرشد علي خامنئي ذاته، حتى وصلت إلى حرق صورهم على الملأ.
ومن الشعارات المناهضة للملالي: "استحيوا، واتركوا الحكم"، و"اترك سوريا وفكر في حالنا"، و"الحرية أو الموت"، "الموت للديكتاتور"، و"لا تخافوا كلنا متحدون".
كما ردد أهالي مدينة كرمانشاه شعار: "لا لغزة لا للبنان نفدي حياتي لإيران"، منددين بتدخل نظام الملالي في لبنان وغزة، إلى جانب بعض البلدان الأخرى.
تقاذف الاتهامات
واعتبر حسنة حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، في مقال نشره الجمعة، ونقلته وكالة "إرنا"، أن من حق الشعب أن یُسمع صوته، ویتوجب علي مسؤولي الأمن التعامل مع الاحتجاجات برحابة صدر، غير أنه في الوقت نفسه وجه كلمة إلى المتظاهرين بأن الأزمات في أي دولة "لم تحل في الشارع وعلى أرضية العنف".
ويأتي هذا بالرغم من التشجيع والتحريض المستمر من إيران ووسائل إعلامها للشعوب العربية للثورة ضد حكامها من غير الموالين لإيران، بحجة أن التظاهر المستمر ولو بأعمال العنف والتخريب والقتل هو الطريق الوحيد لما يصفونه بالحرية والحكم الإسلامي.
واعترف مستشار رئيس إيران بأن بلاده تعاني مشاكل حادة، عدّدها في البطالة والغلاء والفساد والبيئة وشح المياه والفوارق الطبقية والتوزيع اللامتوازن للثروة".
غير أنه ألقى باللائمة في ذلك ليس على الرئيس الحالي حسن روحاني ولا على المرشد علي خامنئي، ولكن على الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي يخوض حربا شعواء مع الأخيرين.
وقال في ذلك إن أحمدي نجاد أهدار 800 ملیار دولار من عائدات البلاد الاقتصادية، وأفرغ صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي، فيما منح عشرات الشركات المربحة لداعميه.
كما انتقد خطاب نجاد الحاد إزاء إسرائيل، زاعما أنه تسبب في "تخويف" العالم من إيران وزيادة العقوبات عليها.
وهكذا بدأ قادة إيران الحاليون والسابقون في تقاذف كرة نار الاتهامات، فيما تظل صرخة المتظاهرين ضد المرشد خامنئي ذاته "أيها الملالي استحيوا واتركوا الحكم" هي البطل الأول والأصدق في المشهد.