لماذا ترفض إيران حوار المعارضة؟.. "سندريلا" تهز "الصفصاف"
خمسون يوما مرت على وفاة مهسا أميني، وتساءل البعض عن الحوار، لكن بسبب الماضي اختار النظام الطريق "الأسهل" وهي قمع المحتجين.
رغم المعاملة الشرسة، لا يزال أشخاص مثل حسين شريعتمداري، مستشار المرشد الإيراني، وأحد المسؤولين عن صحيفة "كيهان"، يعتقد أن ردود الفعل لم تكن كافية، والحكومة "استرضت" المتظاهرين.
أداء الحكومة الإيرانية في قمع الاحتجاجات حتى الآن لم يفلح بل جاء بنتائج عكسية، حيث ساهم في خروج المزيد من المحتجين ورؤية تركيبة جديدة من السكان.
وعدم تلبية مطالب المحتجين حتى الآن جعلهم يصعّدون من مطالبهم ويضيفون مطالب جديدة، ومن بينهم مولوي عبدالحميد، إمام أهل السنة في زاهدان، حيث أراد قبل أسابيع معاقبة مرتكبي "الجمعة الدامية زاهدان"، لكن حاليا لديه مطالب أكثر، حيث دعا إلى "استفتاء"، وأصبحت انتقاداته للحكومة أكثر قوة.
الصفصاف يرتجف
تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بالنسخة الفارسية "بي بي سي"، أشار مساء السبت، إلى أن الجيش وكبار المسؤولين قالوا مرارًا وتكرارًا إن الاحتجاجات انتهت والوضع تحت السيطرة، والبلاد "ليست صفصافًا يهتز مع الرياح".
ورغم هذه التصريحات، إلا أن استطلاعا حديثا يظهر أن 83% من المواطنين "يرفضون" الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد.
وإذا كان هذا الاستطلاع الحكومي معيارًا لمستوى عدم رضا الناس، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا تزال الحكومة غير مستعدة للاستماع إلى أصوات المتظاهرين وإجراء إصلاحات، خاصة أن الخطوة التالية ستكون شرب "كأس السم"، كما تجرعه مؤسس نظام إيران الراحل الخميني بعد إجباره على وقف الحرب ضد العراق؟
وفي إيران، تراقب الأجهزة الأمنية والسياسية بشكل طبيعي آراء الناس ووجهات نظرهم، وتضع استطلاعات الرأي والإحصائيات على مكاتب المسؤولين، لكن الحكومة ليست فقط غير راغبة في اتخاذ إجراءات للبقاء على قيد الحياة، ولكن أيضًا أنصارها، وهم يقولون للمتظاهرين إننا سنحول إيران إلى "أرض محترقة".
مصطفى محدثي، رجل دين موالٍ للنظام الإيراني، خاطب المعارضة على "تويتر" وكتب قائلا: "بعد إيران لن يكون هناك شارع للرقص فيه، سيكون أنقاضا".
سندريلا
ورغم أن التنبؤ بالظواهر الاجتماعية ليس دقيقًا مثل العلوم الرياضية، إلا أنه بهذه الطريقة يمكن لأي مراقب أن يتنبأ نسبيًا بالأحداث المستقبلية وفقًا للمعرفة والدقة التي يقدمها للاتجاهات والقرارات، وكلما زاد الوصول إلى المعلومات يمكن أن يعطي صورة أدق للوضع.
وفي السنوات الماضية، حذر العديد من الخبراء المحليين والأجانب من تأثير الأزمات الاقتصادية والسياسية.
وكان "مانوك خدا بخشيان" أحد الذين توقعوا الوضع الحالي لإيران، وهو معلق كرة قدم شهير في السنوات التي سبقت الثورة عام 1979.
وفي هذه الأيام يتم تداول أحد تنبؤاته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تقول إن "يومًا ما ستغرق الشوارع أمهات وبنات أو "سندريلا" وتطيح بوالد النظام وتصبح كعب أخيل لهذا النظام".
ويتحدث عن "جيل باسارغاد الأنيق" أساس النهضة الإيرانية، ويقول إنه "قال منذ سنوات ولا يزال يكرر أنه رغم هذا الجيل، فإن إسقاط النظام كان مفتاحًا".
وباسارغاد هي مدينة في محافظة فارس القديمة جنوب إيران، وكانت أول عاصمة للأخمينيين في أيّام كورش الكبير، واليوم هي موقع أثري هام وواحد من مواقع منظمة اليونسكو للتراث العالمي.
إجراء الإصلاحات
علي خامنئي المرشد الإيراني يقول إنه على دراية بقضايا العصر، ولديه أذن تُصغي، كما ينصح المسؤولين بـ"أن يكون لهم صدر مفتوح، ووجه مفتوح وأذن مستعدة لسماع النقد".
ورغم هذه الكلمات التي يسمعها رئيس الحكومة ومعاونوه، يقولون أيضًا إن 83 % من الشعب هم "محتجون"، والسؤال لماذا لا يقوم خامنئي بإجراء إصلاحات؟ للإجابة عن هذا السؤال جوانب مختلفة.
الجانب الخارجي، أكد أشخاص مثل سعيد جليلي، ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بشكل متكرر أنه في ظل نفس شروط العقوبات، يمكننا بيع النفط "إلى الحد المطلوب لإدارة البلاد"
"حكوماتنا لا تسقط"
وعلى الصعيد الداخلي، قال أشخاص مثل محسن رضائي المستشار الاقتصادي للرئيس الإيراني حالياً، عندما كان أمينًا لمجلس تشخيص مصلحة النظام، إن "الحكومات في إيران لا تسقط، لأنها تعتمد على أموال النفط".
ويقول هادي كحال زاده، باحث في السياسة الاجتماعية في جامعة برانديز في أمريكا، في مقابلة مع "بي بي سي فارسي"، "إننا في إيران لا نواجه حكومة بالمعنى المعتاد، لأن جوهر وجود الحكومة والغرض منه هو حل مشاكل المجتمع وإيجاد الحلول".
وأضاف: "في هذه الحالة، تصبح الإحصائيات ورأي غالبية الناس مهمة، لكن أولوية النظام السياسي في إيران هي الحفاظ على السلطة".
ويقول إن إهمال عمل المؤسسة الحكومية في إيران وجه ضربة كبيرة للحكومة، والحكومة غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، وإيجاد حلول للمشاكل وخلق مزايا وفرص عمل للناس، وهي غير قادرة حتى على التحكم في سعر البصل.
ورداً على الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، يقول هادي كحال زاده إن "ما يحدث في إيران اليوم هو مثال على عدم كفاءة الحكومة في تكييف نفسها مع نمط الحياة الجديد للشعب، وبعبارة أخرى، قبل وفاة مهسا أميني، حدثت عدة حوادث مثل اعتقال الناشطة سبيده رشنو والصراع مع دورية إرشاد (شرطة الأخلاق)، لكن هذه التحذيرات لم يتم الالتفات إليها، وإذا لم تحدث قضية مهسا أميني، توجد هناك أزمات أخرى، مثل المتقاعدين والتضخم والبطالة والمياه".