التكلفة الكبيرة للبرنامج النووي الإيراني تجعله أحد أكثر المفاعلات النووية في العالم تكلفة على الإطلاق.
أظهر تقرير صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي في دورته الحادية عشرة بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام المصرية أن إجمالي التكاليف المباشرة وغير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني تجاوزت 517 مليار دولار منذ عام 2006 وحتى اليوم.
وبيّن التقرير الذي جاء تحت عنوان: "التكلفة والتبعات الاقتصادية للبرنامج النووي الإيراني على الدولة والشعب"، الذي تم إطلاقه خلال جلسة حوار خاصة سبقت انعقاد المنتدى، أن التكاليف غير المباشرة للبرنامج المذكور، والمتمثلة في العقوبات الاقتصادية الدولية وتبعاتها على إيران، بلغت ما يقارب 500 مليار دولار. فيما تجاوزت التكلفة المباشرة، التي تشمل إنشاء البنية التحتية والمرافق الخاصة بالبرنامج النووي والتكلفة السنوية لتشغيلها، 50 مليار دولار تقريباً.
وأشار التقرير إلى أن هذه التكلفة للبرنامج النووي الإيراني تجعله "أحد أكثر المفاعلات النووية في العالم تكلفة على الإطلاق، وذلك على الرغم من قدراته التقنية المحدودة"، حيث تبلغ تكلفة المفاعلات الحديثة أقل من نصف هذه المبالغ.
ويعد هذا التقرير واحداً من التقارير والدراسات السنوية الصادرة عن المنتدى الاستراتيجي العربي الذي ينعقد تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يوم 12 ديسمبر الحالي في دبي.
وحضر الجلسة الحوارية الخاصة مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين، وتعقيباً على التقرير قال الدكتور سلطان النعيمي، الأكاديمي والباحث في الشؤون الإيرانية: لا شك أن فكرة مناقشة "ملفات المنتدى الاستراتيجي العربي 2018" وإعطاء مساحة للباحث لعرض أفكاره أمام نخبة من المتخصصين والمهتمين تعتبر إضافة قوية من ناحية تباين قوة البحث ورصانته، وكذلك إعطاء الباحث مساحة للحديث عن جوانب لعل الوقت ومحددات الدراسة لم تسعفه في تبيانها، وفِي المقابل الاستفادة من آراء المتخصصين والمهتمين". وأضاف: "استعرضت الورقة تبعات التكلفة الاقتصادية للبرنامج النووي والتي قسمها الباحث إلى تكلفة البنية التحتية وتكلفة تشغيلية، وكيف لعبت العقوبات المفروضة على النظام الإيراني دورها في تزايد تكلفة البرنامج النووي الإيراني وانعكاسه على الحياة المعيشية للشعب الإيراني.
كما سلّط التقرير الضوء على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية حالياً في إيران مع تدهور الأوضاع الاقتصادية إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العالمي، في شهر مايو الماضي، وإعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران.
وقال التقرير: "يهدّد هذا التطور الحرج، في إشارة إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بتجدد خسائر الاقتصاد الإيراني في عام 2018."
وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، إعادة فرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني على حزمتين؛ الأولى دخلت حيز التنفيذ في شهر أغسطس 2018، وتشمل فرض عقوبات على التجارة مع إيران في مجال الذهب والمعادن النفيسة الأخرى، وعمليات بيع أو شراء أو تحويل المعادن كالصلب، والألومنيوم، والفحم، وفرض عقوبات على التعاملات الكبيرة لشراء أو بيع الريال الإيراني أو الاستثمار في السندات الإيرانية خارج حدود الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على قطاع صناعة السيارات في إيران. والحزمة الثانية من العقوبات دخلت حيز التنفيذ في شهر نوفمبر 2018، وتتضمن فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، خاصة قطاع النفط، بالإضافة إلى فرض عقوبات على قطاع الموانئ والشحن، وعلى البنك المركزي.
وتابع التقرير: "أدى تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية بصورة متكررة خلال الأعوام الماضية تنديداً بالارتفاع الحاد في التضخم، وزيادة البطالة، والفقر، والفساد".
- تراجع الاستثمارات
كما أدت العقوبات المتتالية على إيران، بحسب التقرير، إلى تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، كما ألغت الشركات الأجنبية عقود استثمار جديدة بعشرات المليارات من الدولارات خاصة في قطاع الطاقة، الذي يحتاج إلى ما بين 130 إلى 300 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة للحفاظ على إنتاجيته حتى عام 2020.
ونتيجة لتراجع الاستثمار وتراجع النمو، ارتفعت معدلات البطالة في إيران، خاصة بين الشباب الذين لا يجد ثلثهم تقريباً فرص عمل، وهو ما يسهم في تأجيج عدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي. كما انهارت قيمة الريال الإيراني نتيجة للعقوبات المتتالية، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، التي أدت إلى تراجع سعر الدولار الأمريكي في السوق السوداء من 112 ألف ريال في أغسطس 2018، وذلك مقارنة مع 36 ألف ريـال للدولار الواحد في السوق الرسمية مطلع العام ذاته أي قبل العقوبات الأمريكية.
ونتيجة لذلك، فقد قفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية تصل في بعض التقديرات إلى متوسط سنوي نسبته 203% في بنهاية عام 2018. وتأثرت القطاعات الاقتصادية المختلفة في إيران بالعقوبات المتتالية وتبعاتها، خاصة قطاع النفط الذي تراجع إنتاجه وصادراته، التي يعتمد الاقتصاد الإيراني على عائداتها بصورة كبيرة. كما تراجع الإنتاج الصناعي الإيراني، الذي استهدفته العقوبات بصورة صريحة، خاصة حزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة، وذلك بالإضافة إلى تأثر قطاع الزراعة بضعف الميكنة وغياب التقنيات الحديثة بسبب العقوبات، وعجز القطاع الصناعي المحلي عن تقديم البديل. وأدت العقوبات الدولية كذلك إلى تدهور البنية التحتية الإيرانية بسبب تراجع الإيرادات العامة من تصدير النفط، وإحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في القطاع بسبب العقوبات، وهو ما يضاف إلى تأثير التراجع التقني نتيجة العقوبات وتقييدها لنقل المعرفة والمعدات الحديثة إلى إيران. نتج عن ذلك تقادم البينة التحتية الإيرانية، خاصة في قطاع النفط وشبكات الطاقة، وهو ما يضعف من كفاءة هذه القطاعات، ويكلفها خسائر سنوية نتيجة فقدان جزء من إنتاجيتها.
وأضاف التقرير أن فاعلية العقوبات الأمريكية ستعتمد في نهاية المطاف على استجابة الأطراف الدولية لها، سواء الحكومات أو الشركات. ومن المتوقع أن تستجيب الشركات الأوروبية للعقوبات تجنباً للخسائر المحتملة حال عدم استجابتها، في حين قد تستمر بعض الشركات الآسيوية في أعمالها مع إيران، أو حتى تتوسع فيها إلا إذا قررت الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومات الآسيوية باستخدام ملفات ثنائية أخرى.
ولفت التقرير إلى أن "الوصول إلى بيانات ومعلومات رسمية دقيقة عن التكلفة المالية المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، أو التكلفة الاقتصادية للعقوبات الدولية على إيران، مهمة صعبة أو غير متاحة بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالتكلفة المالية للبرنامج. بل إن هذه البيانات غير متاحة حتى للمسؤولين الإيرانيين أنفسهم، ولا يمكن إلا لعدد محدود جدا من أبرز رجال الدولة الإيرانية الاطلاع عليها. ومن هنا، ترتكز محاولات رصد التكلفة الاقتصادية الإجمالية للبرنامج النووي الإيراني، المباشرة وغير المباشرة، على تقديرات متخصصة تعتمد على الأجزاء المتاحة من البيانات الرسمية وشبه الرسمية، بالإضافة إلى مقارنات دولية وحسابات تقريبية لسد الفجوات في المعلومات المطلوبة".
- البطالة والتضخم
نقل التقرير عن البنك الدولي تقديره حاجة إيران إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنوياً من عام 2015، وذلك فقط للإبقاء على معدلات بطالة في حدود 10%، لكن من الواضح أن الاقتصاد الإيراني لم ينجح في توفير هذا الكم من فرص العمل الجديدة بعد عام 2015، حتى في ظل تخفيف العقوبات الدولية، فقد ارتفع معدل البطالة في عام 2016 إلى 12.4%، وتراجع قليلاً إلى 11.8% في عام 2016، قبل أن يرتفع مجددا إلى 12.1% في الربع الأول من العام الحالي، وفقاً للبيانات الرسمية الإيرانية، وهو ما قد يعني معدل بطالة فعلي يفوق البيانات الرسمية ببضع درجات.
وتتفاقم أزمة البطالة الإيرانية بصورة خاصة لدى الشباب، ما يسهم في تأجيج مخاوفهم وعدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي، وهو ما يفسر غلبة الفئة الشابة على المشاركة في الاحتجاجات.