إيران «تستهدف» الأردن.. معهد أمريكي يرصد الدلائل وروشتة التصدي
كشف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن "مساعٍ تبذلها طهران ووكلاؤها لزعزعة استقرار الأردن" زادت وتيرتها مع اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تضمنت المساعي وفق المعهد "التحريض على الاحتجاجات وزيادة تهريب المخدرات والأسلحة وتصعيد التهديدات المسلحة من العراق"، فضلا عن دعم ومساندة واسعة من تنظيم الإخوان الإرهابي.
المركز أشار إلى روشتة أردنية للتغلب على العاصفة كان بينها "الاعتماد على قواته الأمنية، ومخزونه من الدعم المحلي، ومناوراته الذكية".
حملة إعلامية وإلكترونية
وزاد من حدة التصعيد الإيراني ضد الأردن ما اعتبرته طهران "مساهمة" من عمان في التصدي للهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل/نيسان الماضي وشمل الهجوم عشرات المسيرات الانتحارية.
وفي الفترة التي سبقت الهجوم الإيراني، حذرت طهران الأردن من التدخل. وذكرت "وكالة أنباء فارس"، شبه الرسمية، أن إيران "تراقب تحركات الأردن"، وإذا تدخلت المملكة "فستكون الهدف التالي".
وفي أعقاب الضربة، يبدو أن إيران نظمت حملة إعلامية وإلكترونية ضد الأردن لدوره، وفقاً لبعض التقارير، في إسقاط طائرات إيرانية مسيّرة والسماح للطائرات والأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ بالانخراط بأعمال قتالية فوق أراضي المملكة. كما زعمت طهران أن عمّان استضافت مركز قيادة عمليات التحالف لإحباط الهجوم.
وردّ الأردن على الانتقادات الإيرانية بالتأكيد على أن القضية تمس مسألة السيادة، حيث صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قائلاً: إن الأردن تصرف على أساس سياسته تجاه "...أي شيء يدخل مجالنا الجوي... لأنه يشكل خطراً على الأردن، وقمنا بما يتعين علينا القيام به لإنهاء هذا التهديد وهذا ما فعلناه". وفي الوقت نفسه، بدا أيضاً أنه يحمّل إسرائيل مسؤولية القصف الإيراني، حيث أشار إلى ضرورة "التعامل مع سبب كل هذا التوتر، وهو العدوان الإسرائيلي على غزة".
وفي محادثات مع نظيره الإيراني في ذلك الوقت حسين أمير عبداللهيان بعد وقت قصير من يوم 13 أبريل/نيسان، قال الصفدي لوزير الخارجية الإيراني إن الأردن يريد "علاقات طيبة" مع طهران، ولكن ذلك يتطلب، من بين أمور أخرى، "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأردن".
وأضاف: "مشكلة إيران مع إسرائيل وليس مع الأردن، ولا إيران ولا غيرها تستطيع المزايدة على ما يقوم به الأردن وما قدمه تاريخياً من أجل فلسطين". وبعد أسبوعين، وفي غياب أي تقدم على هذه الجبهة، استدعى الصفدي السفير الإيراني احتجاجاً على تصريحات "مسيئة" للأردن "من قبل وسائل الإعلام الإيرانية، بما فيها وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية".
غير أن التدخل الإيراني في الشؤون الأردنية يتجاوز الانتقادات. ففي الواقع، إن الأمر الأكثر إشكالية هو أن التدخل الإيراني في المملكة يمتد إلى وكلاء طهران وحلفائها الإقليميين، الذين كانوا منشغلين بشكل متزايد منذ أكتوبر/تشرين الأول بمحاولة زعزعة استقرار الأردن.
على سبيل المثال، انتقد "حزب الله" اللبناني الأردن لنفس مزاعم دعم إسرائيل في 13 أبريل/نيسان، كما أن ميليشيات "كتائب حزب الله" في العراق التابعة لـ"الحشد الشعبي" المدعومة من إيران هددت عمان.
وآنذاك، قالت "كتائب حزب الله" إنها "تستعد لتجهيز 12 ألف مقاتل في المملكة بالأسلحة، بما فيها القاذفات ضد الدروع (الصواريخ المضادة للدبابات) والصواريخ التكتيكية لنشرها ضد إسرائيل". وقال أحد مسؤولي الكتائب: "لنبدأ أولاً بقطع الطريق البري الذي يصل إلى إسرائيل".
وتشكل هذه التهديدات مصدر إزعاج للأردن، لكن أنشطة الوكلاء الإيرانيين الآخرين تخلف تأثيراً أكثر مباشرة. فإغلاق باب المندب وتعطيل الشحن التجاري في البحر الأحمر من قبل وكلاء إيران "الحوثيين"، على سبيل المثال، له تأثير ضار على ميناء الأردن الوحيد أي العقبة. فقد انخفضت حركة الحاويات إلى العقبة بنسبة 23 بالمائة تقريباً في الأشهر الأولى من عام 2024 مقارنة بعام 2023. كما انخفض إجمالي الصادرات في فبراير/شباط بنسبة 36 بالمائة تقريباً مقارنة بالعام السابق، وانخفضت إيرادات ميناء العقبة بشكل حاد.
مخدرات وسلاح
وفي المقابل، ارتفعت صادرات المخدرات غير المشروعة إلى الأردن من سوريا، الشريك الاستراتيجي لطهران. فقد شهد عام 2024 ارتفاعاً كبيراً في عدد الشحنات المحظورة من الأمفيتامين كبتاغون المهربة عبر الحدود الشمالية للمملكة. ويقوم الجيش الأردني على نحو متزايد بإسقاط طائرات مسيرة تنقل المخدرات من سوريا، وينخرط في تبادل لإطلاق النار مع عصابات المخدرات على طول الحدود. وبعد شهرين من بدء حرب غزة، قصفت القوات الجوية الأردنية مصنعاً للكبتاغون في سوريا.
ومما يزيد الطين بلة، وفق المعهد الأمريكي، "هو أن هذا التهريب من سوريا إلى الأردن يركز بشكل متزايد على عبور الأسلحة، بما فيها الأسلحة الخفيفة، ولكن أيضاً الأسلحة المضادة للدبابات وقاذفات الصواريخ والمتفجرات والألغام المضادة للأفراد".
وفي حين أن "بعض هذه الأسلحة، التي نقلها عملاء تابعون لإيران، سيبقى في المملكة، إلا أن الغالبية العظمى منها تمر عبر الأردن متجهة إلى الضفة الغربية، التي تسعى طهران أيضاً إلى إغراقها بالأسلحة على أمل تقويض الأمن الإسرائيلي"، بحسب المصدر ذاته.
تصرفات "حماس"
ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إشكالية بالنسبة للأردن هو تصرفات "حماس" - وهي عضو آخر في ما يسمى بـ "محور المقاومة" الإيراني. ففي الأشهر الأخيرة، وبتشجيع واضح من طهران، اتخذت "حماس" عدة خطوات تهدف على ما يبدو إلى تقويض الاستقرار في الأردن.
ففي "اليوم العالمي للمرأة" في مارس/آذار، ألقى رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل خطاباً عبر الإنترنت من قطر دعا فيه ملايين الأردنيين إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج وإظهار الدعم لـ"حماس". وفي اليوم نفسه، أصدر أحد قادة "حماس" في غزة محمد الضيف تسجيلاً يحث فيه العرب الذين يعيشون على حدود إسرائيل (أي الأردنيين) على الانضمام إلى القتال ضد تل أبيب.
وفي 24 أبريل/نيسان، ألقى المتحدث باسم "حماس" أبو عبيدة خطاباً بمناسبة مرور 200 يوم على حرب غزة. وفي خطابه دعا أبو عبيدة الأردنيين إلى "تصعيد أعمالهم" و"رفع صوتهم" ضد إسرائيل. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن الخطاب انتشر على نطاق واسع، حيث تصدر هاشتاغ #أبو_عبيدة البحث في موقع X (المعروف سابقاً باسم "تويتر"). وبعد فترة وجيزة، تجمع حشد كبير للاحتجاج أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان.
ويأخذ الأردن تحريضات "حماس" على محمل الجد. فلا عجب إذاً أن عمّان رفضت على الفور اقتراح قيادة "حماس" بالانتقال إلى الأردن إذا ما اضطرت إلى مغادرة قطر. وكانت المملكة قد طردت "حماس" في أكتوبر/تشرين الأول 1999، قبل وقت طويل من تطوّر الحركة إلى جماعة إرهابية ذات مستوى عالمي كما هي اليوم.
وفي أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، ينظر الأردن بشكل متزايد إلى "حماس" على أنها تشكل تهديداً مدعوماً من إيران. في عام 2004، بعد فترة وجيزة من الغزو الأمريكي للعراق، تنبأ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ببصيرة بقيام "هلال شيعي" تهيمن عليه إيران. وبعد عقدين من الزمن، أصبح فرص هذا الهلال، الذي تسيطر عليه طهران ووكلاؤها أقوى بدعم من حرب إسرائيل المستمرة مع "حماس" في غزة حيث وفرت له فرصاً لم تكن متاحة سابقاً لإقحام نفسه في الأردن ومحاولة تقويض استقراره.
ووفق المعهد الأمريكي فإنه "حتى الآن، أثبتت قوات الأمن الأردنية براعتها في إدارة المظاهرات، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات عند الضرورة، ومتجنبة الأساليب الأكثر عنفاً واستفزازاً للسيطرة على الحشود وتفريقها. ومع ذلك، فعلى الرغم من النهج المدروس الذي تتبعه الأردن، فإن الطبيعة المستمرة للاحتجاجات والتعاطف العميق لكثير من السكان مع معاناة الفلسطينيين في غزة لا يتركان أمام المملكة مجالاً كبيراً للخطأ".
وكما حدث في كثير من الأحيان في الماضي، سيتعين على الأردن "الاعتماد على قواته الأمنية، ومخزونه من الدعم المحلي، ومناوراته الذكية، للتغلب على العاصفة. ونظراً للتهديد الإيراني الحاد، فمن المرجح أيضاً أن يلعب التعاون الأمني الأردني الإسرائيلي المستمر والعميق بل الهادئ دوراً مهماً في المساعدة على ضمان أمن المملكة"، بحسب المعهد الأمريكي.
aXA6IDE4LjE5MS4xOTUuMTA1IA== جزيرة ام اند امز