العام الإيراني الجديد.. مستقبل طهران بين شعارات الاقتصاد وواقع السياسة
بشعارات اقتصادية "طموحة" وواقع "ليس الأفضل"، واضطرابات لم تتوقف، وعلاقات خارجية تشهد انفتاحا، بدأت إيران عام 1402 بالتقويم الفارسي.
وكعادته منذ عام 2008، دأب المرشد الإيراني علي خامنئي، على تسمية كل عام إيراني جديد، الذي يصادف 21 مارس/آذار، بإطلاق تسمية جديدة عليه عادة ما تحمل طابعا اقتصاديا.
- إيران في قفص الاتهام.. عقوبات بريطانية وحزمة أوروبية على الطريق
- اتفاق أمني مع إيران.. العراق: لن نكون ساحة للجماعات المسلحة
تاريخ من الشعارات
وكانت أول تسمية لعام 2008 أطلق عليه عام "الابتكار والازدهار"، ثم تلاها في عام 2009 "التحرك نحو تعديل نمط الاستهلاك"، وبعدها أطلق عليه في عام 2010 "مضاعفة الجهد مضاعفة العمل"، ثم في 2011 "الجهاد الاقتصادي".
وفي عام 2012، أطلق على العام الإيراني الجديد عام "الإنتاج الوطني لدعم العمالة الإيرانية ورأس المال"، وبعده في 2013 "عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية"، وبعد ذلك في 2014 أطلق عليه "عام الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنية وإدارة جهادية".
وفي عام 2015 أطلق المرشد علي خامنئي على العام الجديد "عام الحكومة وأمة التعاطف واللغة المشتركة".
وفي عام 2016 ركز خامنئي على ما يسمى بـ"الاقتصاد المقاوم" الذي تزامن مع عقوبات كانت إيران تعاني منها قبل التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى الغربية، وسمى ذلك العام بـ"الاقتصاد المقاوم، الفعل والعمل".
وفي عام 2017، سماه بـ "عام الإنتاج وفرص العمل"، وبعد ذلك أطلق على العام الذي يليه 2018 بـ"عام دعم البضائع الإيرانية"، وفي عام 2019 سماه بعام "ازدهار الإنتاج"، وبعده بعام في 2020 "قفزة في الإنتاج"، ثم تلاه في 2021 عام "الإنتاج ورفع المعوقات".
وفي العام الماضي 2022، أطلق خامنئي على العام بـ"الإنتاج القائم على المعرفة وخلق فرص العمل"، وفي العام الإيراني الجديد الذي بدأ، اليوم الثلاثاء، بعام "كبح التضخم ونمو الإنتاج".
توقعات اقتصادية
وبحسب آخر الإحصائيات التي نشرها مركز الإحصاء الإيراني، فقد وصل معدل التضخم الفوري إلى 53.4٪ في فبراير من هذا العام، مما يُظهر زيادة قدرها 2.1 نقطة مئوية مقارنة بالشهر السابق.
وحول العام المقبل، توقع الخبير في الشؤون الاقتصادية الإيرانية "سهراب دل انجيزان"، أن معدل التضخم في العام المقبل سيزداد ليصل إلى 40٪، حيث ستنخفض القوة الشرائية بنسبة 20٪ مرة أخرى".
وأضاف في حديث صحفي: "عندما يقال إن ميزانية العام المقبل ستنمو بنسبة 40٪، فإن هذا الرقم يحدد الحد الأدنى لمعدل التضخم، والحد الأدنى للتضخم العام المقبل هو المعدل الذي يعتمد على المتغيرات الأساسية مثل سعر الصرف وعناصر أخرى".
ووفقا له، إذا كان الحد الأدنى لمعدل التضخم 40٪ على الأقل، فإن سعر الصرف سيرتفع بشكل كبير وستنمو نفقات المؤسسات الاقتصادية بنفس المقدار.
وفي إشارة إلى تداعيات هذه القضية، أضاف سهراب: "يتسبب هذا في تحول الطبقات الاجتماعية وانخفاض القوة الشرائية للناس".
وفي مارس/آذار الجاري، انتقد صحيفة "فرهيختغان" المتشددة، السياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وقالت: "بالنظر إلى أن القوة الشرائية للأسر ذات الدخل المنخفض قد انخفضت بنسبة 40٪ في السنوات الأخيرة، فإن الحكومة يجب أن تعوض عن انخفاض القوة الشرائية للأسر بشتى الطرق".
وأضافت أن "استمرار هذا الحال سيجعل الحكومة لن تكون في مأمن من العواقب الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية".
وانتقدت صحيفة "جمهوري إسلامي"، في افتتاحيتها حكومة إبراهيم رئيسي، وكتبت: "لا يزال لديك، كل الطرق التي يمكنك التفكير بها، لقد ذهبت وجربت، لكنك جعلت الوضع الاقتصادي أكثر فوضوية".
ماذا تحقق؟
وفي إطار تلك الشعارات الاقتصادية الكثيرة، قالت صحيفة "ِشرق" الإصلاحية، الإثنين، إن "الشعار الذي رفعه الزعيم علي خامنئي العام الماضي، بعام الإنتاج القائم على المعرفة وتحقيق فرص العمل، لم يتحقق في ظل فشل سياسات الحكومات".
وأضافت الصحيفة أن "مشاكل الشعب المعيشية والاقتصادية لم تعد الشغل الشاغل للمسؤولين في الحكومة سواء كانت حكومة روحاني وحتى رئيسي".
وتابعت: "البلاد بحاجة إلى حزمة إجراءات وتشريعات ترسي الأساس لاقتصاد شعبي وشفاف وذكي وفعال".
واعتبرت أن "البرلمان (الجهة الرقابية لأداء الحكومة) لم يعد همه الأساسي هي المشاكل التي ترتبط بشكل أوثق وأسرع بمعيشة الناس".
اضطرابات مستمرة
وشهدت إيران منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، احتجاجات شعبية واسعة النطاق استمرت قرابة أربعة أشهر، وأوقعت مئات القتلى والجرحى وآلاف المعتقلين، فيما أعدمت السلطات 4 من المتظاهرين.
وجاءت هذه الاحتجاجات بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني على أيدي قوات شرطة الأخلاق والآداب في طهران نتيجة اعتقالها بدعوى عدم الالتزام بالحجاب الذي تفرضه السلطات على جميع النساء منذ عام 1979.
كما شهدت إيران احتجاجات بين حين وآخر للعمال والمعلمين والمتقاعدين بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للناس، كما زاد معدلات الفقر والبطالة والتضخم، بينما فشلت إجراءات الحكومة في الحد من انهيار العملة المحلية.
وعلى وقع تلك الاضطرابات والاحتجاجات، اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في كلمة له بثها التلفزيون بمناسبة عيد النوروز وبدء العام الجديد في إيران، أن "احتجاجات مهسا أميني لم تكن مسألة صغيرة".
وزعم أن "العقوبات فشلت بفضل الدعم الشعبي والتخطيط الدقيق من قبل الحكومة"، مضيفاً: "شهدنا في العام الماضي حوادث طبيعية مريرة، وفي كل هذه الحوادث كانت جهود الحكومة سريعة وفعالة ومطمئنة".
وتابع رئيسي: "لم تكن أعمال الشعب مسألة صغيرة، بل كانت نتاج مخططات أعداء إيران، والتي بدأت تقريبا في العام الأول للحكومة".
السياسات الداخلية
كما تطرق رئيسي إلى السياسات الداخلية لإيران في العام المقبل، وقال: "في مجال السياسة الداخلية، هذا العام هو عام انتخابات مجلس النواب ومجلس خبراء القيادة (الذي يشرف على أداء المرشد علي خامنئي)".
وأضاف أن "خطة الحكومة هي وضع الأساس لمشاركة قوية للشعب وتشكيل برلمان قوي"، معتبراً أن "حكومته ليست تابعة لاي فصيل سياسي"، بينما يهيمن التيار المتشدد على جميع المناصب في حكومته.
السياسة الخارجية
وبدأت إيران عامها الجديد هذه المرة عقب أيام معدودات من توقيع اتفاق لاستعادة العلاقات الطبيعية مع السعودية، فيما يعد بداية انفتاح على محيطها الإقليمي.
وفي هذا الإطار أوضح رئيسي أنه "في مجال السياسة الخارجية، كان نهج الحكومة منذ البداية هو الدبلوماسية المتوازنة، وإحياء سياسة الجوار".
وشدد على أن "الدبلوماسية المتوازنة تعني أننا لم نؤجل تطوير البلد للدول التي تتردد في التعاون مع إيران".
وكانت الخارجية الإيرانية أكدت أن الاتفاق مع السعودية "خطوة مهمة" لتأمين مصالح الشعبين ودول أخرى في المنطقة.
وأوضحت أن "الحكومة الإيرانية أثبتت أنها مستعدة لتوظيف الفرص والإمكانات الإقليمية لتعزيز السلام والاستقرار الشامل".
تلك الخطوة التي تمهد لعودة العلاقات بين إيران وعدد من دول المنطقة، وهو ما كشفت وكالة أنباء إيرانية رسمية، عندما أكدت أن هناك مفاوضات بين إيران والبحرين لإعادة فتح السفارتين واستئناف العلاقات بالمستقبل القريب، لكن لم يصدر تأكيد بحريني حتى الآن بشأن تلك المفاوضات.
وعلى وقع تلك الآمال الاقتصادية، والانفتاح السياسي على الجوار، فهل يشهد العام الجديد تحقيق آمال الشعب الإيراني بواقع أفضل، واستقرار وسلام المنطقة.