كيف حاولت إيران التعتيم على إسقاط الطائرة الأوكرانية؟
تقرير لصحيفة أمريكية يكشف كواليس محاولات النظام الإيراني التستر على إسقاط الطائرة المنكوبة.
كشفت صحيفة أمريكية محاولات نظام طهران المستمرة للتغطية والتعتيم على إسقاط الطائرة الأوكرانية.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن قادة الجيش الإيراني كانوا على علم بأنهم أسقطوا طائرة الركاب الأوكرانية، في الوقت الذي كانت حكومة نظام طهران تصدر بيانات كاذبة.
وأشارت الصحيفة في تقرير، إلى أن "ضابط الحرس الثوري حين رصد الطائرة بالقرب من مطار طهران الدولي اعتقد أنها مجهولة الهوية، وكان أمامه ثوانٍ ليقرر ما إذا كان سيضغط على الزر لإطلاق الصاروخ أم لا.
وتابعت: "ضابط الحرس الثوري كان يخشى من أن يكون أحد صواريخ كروز التي أطلقها الجيش الأمريكي انتقاماً لقصف قاعدة عين الأسد العراقية التي تستضيف قوات أمريكية".
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن "الضابط حاول الوصول إلى مركز القيادة ليطلب الإذن بإطلاق الصواريخ لكنه لم يتمكن من ذلك، لذلك أطلق صاروخاً، ثم آخر، لتهوى الطائرة وتتحول إلى كرة من النار، ما أودى بحياة 176 شخصاً كانوا على متنها".
وخلال دقائق - بحسب الصحيفة - أدركت قيادة الحرس الثوري الإيراني حجم الكارثة التي ارتكبتها، وهنا بدأت محاولات التعتيم.
ورفض قادة الحرس الثوري على مدى أيام اطلاع أي من المسؤولين حتى الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي نشرت حكومته بيانات تنفي فيها مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة.
ولكن عندما أبلغ الحرس الثوري الرئيس الإيراني بالحادثة، خيّرهم بين المكاشفة والاعتراف بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة أو أن يتقدم هو باستقالته، وخلال 72 ساعة تدخل مرشد إيران خامنئي وأمر الحكومة بالاعتراف بالخطأ.
ورصدت "نيويورك تايمز" التسلسل الزمني لتلك الأيام الثلاثة قبل اعتراف طهران بإسقاط الطائرة المنكوبة، عبر مقابلات مع الدبلوماسيين الإيرانيين والمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين وأعضاء الحرس الثوري والأشخاص المقربين من الدائرة الداخلية لمرشد إيران، ودراسة البيانات العامة الرسمية وتقارير وسائل الإعلام الرسمية.
وأشار تقرير للصحيفة إلى مناقشات جرت داخل أروقة نظام طهران من وراء الكواليس، للتستر على مسؤولية إيران عن الحادث، بينما انتظر الإيرانيون سماع الحقيقة.
وتظهر التفاصيل أيضاً مدى النفوذ الهائل الذي يتمتع به الحرس الثوري الإيراني، الذي همش الحكومة في لحظة أزمة، وهو ما يتوقع أن يعمق ما يعتبره كثير من الإيرانيين بالفعل أزمة شرعية بين الحرس وحكومة طهران.
التقرير كشف استمرار الانقسامات داخل الحكومة الإيرانية، ما سيؤثر على سير التحقيقات في إسقاط الطائرة الأوكرانية والمفاوضات بشأن التعويضات.
المقابلات التي أجرتها "نيويورك تايمز" مع القادة الإيرانيين، أكدت أن الجيش الإيراني كان في حالة تأهب قصوى، لكن التقديرات الخاطئة دفعت حكومة طهران إلى السماح للرحلات الجوية المدنية بالهبوط والإقلاع من مطار العاصمة.
وقال الجنرال أمير علي حجي زادة، قائد قوة الحرس الجوي في الحرس الثوري الإيراني، بحسب الصحيفة، إن وحداته طلبت من المسؤولين في طهران إغلاق المجال الجوي الإيراني، وإيقاف جميع الرحلات الجوية دون جدوى. لكن المسؤولين الإيرانيين كانت لديهم خشية من أن يؤدي إغلاق المطار إلى إثارة حالة من الذعر الجماعي بأن الحرب مع الولايات المتحدة باتت وشيكة، كما صرح أعضاء الحرس الثوري ومسؤولون آخرون للصحيفة.
وكشفت أن المسؤولين سعوا لأن تصبح طائرات الركاب بمثابة رادع ضد أي هجوم أمريكي على المطار أو القاعدة العسكرية القريبة، مما يحول طائرات المسافرين بشكل فعلي إلى دروع بشرية.
وبعد بدء الهجوم الصاروخي الإيراني، أصدرت قيادة الدفاع الجوي المركزية تحذيراً بأن طائرات حربية أمريكية وصواريخ كروز في طريقها إلى إيران.
وعندما رصد ضابط إيراني الطائرة الأوكرانية، سعى للحصول على إذن لإطلاق النار، لكنه قال إنه لم يتمكن من التواصل مع قادته، لأن الشبكة تعطلت، ثم أطلق صاروخين يفصل بينهما أقل من 30 ثانية.
وتلقى الجنرال حجي زادة، الذي كان في غرب إيران يشرف على الهجمات على الأمريكيين، مكالمة هاتفية بما حدث، وأن هناك احتمالاً كبيراً بإسقاط إحدى الطائرات الإيرانية.
وأطلع حجي زادة قادة الجيش الثلاثة: الجنرال عبدالرحيم موسوي، القائد الأعلى للجيش الإيراني وقائد قيادة الدفاع الجوي المركزية، والجنرال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة، والجنرال حسين سلامي، القائد الأعلى للحرس الثوري.
وطالب قادة الجيش الإيراني الضباط المتورطين في إسقاط الطائرة بعدم الحديث مطلقاً، ثم أحيط خامنئي بالتفاصيل، لكنهم لم يكونوا قد أطلعوا روحاني بعد أو أي من المسؤولين المنتخبين، بحسب الصحيفة.
وناقش كبار قادة الجيش الإيراني الحفاظ على سرية المعلومات، لحين العثور على الصندوق الأسود للطائرة وانتهاء التحقيق الرسمي.
وتوقعوا أن تستغرق العملية شهوراً، وهو ما قد يمنحهم الوقت للتعامل مع تبعات ظهور الحقائق على المستويين الداخلي والخارجي.
وتابعت "نيويورك تايمز" أنه عندما وصل المحققون الأوكرانيون إلى طهران كان المسؤولون في الغرب يؤكدون أن لديهم أدلة على إسقاط إيران الطائرة بطريق الخطأ.
في المقابل، أصدرت مجموعة من كبار المسؤولين الإيرانيين - من مدير الطيران المدني إلى كبير المتحدثين باسم الحكومة - بياناً تلو البيان يرفضون فيه هذه المزاعم، ويؤكدون فيه مزاعمهم في وسائل الإعلام الحكومية.
وقالوا إن الادعاء بأن إيران هي من أسقطت طائرة الركاب "مؤامرة غربية وحرب نفسية" تهدف إلى إضعاف طهران.
وداخل الدوائر العليا في النظام الإيراني، كان المسؤولون الحكوميون يشعرون بالقلق والشكوك بشأن مصداقية المزاعم الغربية.
وتجنب روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف المكالمات الهاتفية من زعماء العالم ووزراء الخارجية الذين حاولوا الحصول على إجابات، لكنهما كانا يجهلان ما فعله الحرس الثوري ولم تكن لديهما أي معلومات للإعلان عنها.
ثم أصدر علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، بياناً قال فيه إن المزاعم بمسؤولية إيران عن إسقاط الطائرة "كذبة كبرى".
وبعد عدة ساعات، طالب كبار قادة الجيش الإيراني بعقد اجتماع خاص وأبلغوا روحاني بالحقيقة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن روحاني طالب بالإعلان عن مسؤولية سقوط الطائرة، لكن قادة الجيش الإيراني حاولوا إثناءه عن ذلك، لكنه أصر وهدد بالاستقالة.
ومع تصاعد المواجهة، أبلغ أحد أعضاء الدائرة الداخلية لخامنئي الذي كان حاضراً الاجتماع، مرشد إيران ليأمر فيها الحكومة بإعداد بيان علني تعترف فيه بما حدث.
وانهار ربيعي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الإيرانية، الذي أصدر نفياً في ذلك الصباح.
وقال عباس عبدي، أحد كبار معارضي نظام إيران، إنه عندما تحدث إلى ربيعي في ذلك المساء، كان منهاراً ويبكي، وقال "كل شيء كان كاذباً. الأمر كله كذبة. ماذا أفعل؟ لقد خسرت شرفي".
كان هذا اعترافاً مدوياً بأنه حتى أكبر مسؤول منتخب في البلاد قد تم إقصاؤه عن الحقيقة، وأنه عندما تحول الإيرانيون والعالم إلى الحكومة للحصول على إجابات، لم تفعل شيئاً إلا الكذب.
واعترفت منظمة الطيران المدني الإيرانية، الثلاثاء الماضي، بأن صاروخين أطلقا باتجاه الطائرة الأوكرانية التي أسقطت في وقت سابق هذا الشهر، وفق تقرير صدر عن التحقيقات الأولية، ونشر على موقع الهيئة.
وكانت إيران قد قالت إنها ستفرغ بيانات الرحلة وأجهزة تسجيل الأصوات على أراضيها بعد إشارات متضاربة بشأن ما إذا كانت سترسل الصندوقين الأسودين للخارج، بناء على طلب كندا وأوكرانيا ودول أخرى لها مواطنون قتلوا في الحادث.