شبح التوتر الطائفي.. إيران تلعب بالنار في بلوشستان
أفلتت إيران من نزاع طائفي، لكن قد يكون إقليم بلوشستان ذو الأغلبية السنية ببلد ذي أغلبية شيعية الشرارة التي قد تطلق لهيب التوتر.
وضربت الاحتجاجات إقليم بلوشستان في إيران منذ سبتمبر/أيلول الماضي؛ حيث دفع ثمنا باهظا فيما يتعلق بالوفيات والخسائر والاعتقالات في الحملة القمعية ضد حركة "امرأة، حياة، حرية" الاحتجاجية.
وفي الواقع، بحسب تحليل أعده أليكس فاتانكا -وهو زميل أقدم بمعهد الشرق الأوسط- نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أجج قتل 19 شخصا بالإقليم في الـ19 من سبتمبر/أيلول، بشكل من الأشكال الاحتجاجات المستعرة والتي بدأت بعد مقتل الشابة مهسا أميني.
ورغم أن الاحتجاجات الأخيرة لم تكن مدفوعة طائفيا بعد، وظلت مركزة على الاستبداد، فقد يتغير ذلك بحسب فاتانكا.
توتر طائفي!
وقال فاتانكا إن إيران أفلتت إلى حد كبير من النزاع الطائفي الذي ضرب العديد من الدول في الشرق الأوسط على مدار العقدين الماضيين، لكن قد يكون إقليم بلوشستان، ذو الأغلبية السنية في بلد ذي أغلبية شيعية، مهيأ بشكل فريد لأن يكون دافعا محتملا للتوترات الطائفية.
ويختار مولوي عبدالحميد، رجل الدين السني البارز من الإقليم، مواجهة المرشد الأعلى الإيراني، واستخدم منبره لانتقاده مرارا وتكرارا، معتبرا أنه "لا يمكن المساس بحكمه" واصفا إياه بـ"عديم الرحمة".
ووصف الزميل الأقدم هذا الوضع بغير المسبوق والخطير، لافتا إلى أن سوء إدارة طهران للمظالم عرقية البلوش يمكنها أن تتسبب في تصدعات طائفية، مشيرا إلى وجود حالة غموض بهذه المرحلة، وأن تداعيات هذه المواجهة لن تكون قاصرة على بلوشستان.
ولا يحتج سكان بلوشستان لأن الحكومة في طهران شيعية، ولكن بسبب قمعها السياسي وافتقارها للكفاءة في تلبية الخدمات الرئيسية لجميع المواطنين، بغض النظر عن هويتهم الطائفية.
لكن اختارت طهران تصوير الوضع المضطرب في الإقليم على أنه صنيعة الأعداء الأجانب العازمين على تأجيج الصراع الطائفي داخل الحدود الإيرانية. وبحسب هذه الرواية، فإن محرضين محليين دفعت لهم أجهزة الاستخبارات الأجنبية حرضوا على هذه الاحتجاجات وقادوها.
وأثير شبح تورط الأعداء الأجانب للمرة الأولى في قضية عبدالواحد ريجي، رجل الدين السني في الإقليم الذي قتل في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وزعم وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي أن أمرا بقتل ريجي "صدر من خارج إيران".
وبالرغم من إعلان النظام في وقت سابق اعتقال ثلاثة أشخاص بتهمة قتل ريجي، زعم وحيدي بعدها أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية "ما زالت تحقق" في القضية.
ترهيب
حتى اللحظة الراهنة، لم يصدر أي توضيح بشأن قاتل ريجي أو ما إذا كان قد لعب دورا بالاحتجاجات في بلوشستان. ومع ذلك، يشتبه كثيرون بين جماعات المعارضة الإيرانية في أن ريجي ربما قتل على أيدي النظام من أجل ترهيب رجال الدين السنة الآخرين في إيران، بمن في ذلك في بلوشستان وكردستان، الذين قد يريدون الانضمام إلى الحركة الاحتجاجية.
كما تشتبه المعارضة في أن النظام ربما قتل ريجي كذريعة للدفع بأن أعداء إيران الخارجيين يريدون التسبب في توترات بين السنة والشيعة داخل البلد، ليكون هدفها النهائي تشويه الحركة الاحتجاجية بأكملها.
ووصف المرشد الأعلى علي خامنئي مقتل ريجي بعمل من أعمال "المرتزقة الذين يعملون لصالح العدو"، ومن هنا يصعب عدم قراءة الرسالة في ذلك، والمتمثلة في أن النظام سيستغل تهديد تفشي توترات بين السنة والشيعة في بلوشستان للضغط على المحتجين المناهضين للنظام لوقف الاحتجاج.
وبحسب فاتانكا، يعول المسؤولون في طهران على بث الخوف باعتباره وسيلة لإنهاء الاحتجاجات الشعبية، لافتا إلى أنها قد تكون انحسرت خلال الأسابيع الأخيرة، لكن من المرجح أن تعاود الظهور في أي لحظة، بالنظر إلى حالة الاستياء العميق في البلد.
ورجح فاتانكا مواصلة طهران الربط بين قاتل ريجي المزعوم بالجماعات المناهضة للنظام وداعميهم الأجانب، موضحا أن النظام الإيراني اتهم، على مدار سنوات، دولا بتمويل المسلحين السنة الموجودين في بلوشستان.
وقال الزميل الأقدم بمعهد الشرق الأوسط إنه لم يتم تقديم أدلة لدعم تلك الادعاءات، لكن المنطق خلف مثل هذه الاتهامات واضح للغاية؛ إذ تعزز هذه الرواية ادعاءات طهران بأن العشرات من أجهزة الاستخبارات متورطة في مؤامرة كبرى للإطاحة بإيران عبر حملة لزعزعة الاستقرار.
كما أشار إلى أن طهران، كما هو واضح، غير مهتمة بمواجهة علانية مع مولوي عبدالحميد، التي قد تخرج عن السيطرة، لكن بدأ النظام الدفع ضده من خلال حملة ضغط تستهدف تشويه سمعته.
ولافت إلى أنه بغض النظر عما سيحدث لاحقا في بلوشستان، فمن شأنه تشكيل مسار الحركة الاحتجاجية الإيرانية.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز