احتجاجات "أميني" تحرك أحلام وأوجاع الإيرانيين في الخارج
مع انتشار الاحتجاجات في عموم إيران، بدا سليم حقيقي (٤٦ عاما) عالقا بين أمل وقلق ثم صدمة؛ مثله مثل كٌثر في الشتات حول العالم.
"حقيقي" يتابع بشغف مقاطع الفيديو التي تكشف جانبا من الاحتجاجات يجدها على الشبكات الاجتماعية، لكنه يشعر بالرعب من مشاهد مواجهة قوات الأمن للمحتجين بالرصاص وقنابل الغاز، ويساوره قلق على ابنه.
الرجل الخمسيني كردي من غرب إيران، تماما مثل مهسا أميني، التي هزت وفاتها في 16 سبتمبر/أيلول في حجز "شرطة الأخلاق" في طهران.
وتدفق المتظاهرون، ومعظمهم من النساء، على الشوارع في عشرات المدن منذ هذه الواقعة، وأشعلوا النيران في أغطية الرأس، وسط هتافات بسقوط النظام الإيراني، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وغادر حقيقي إيران عندما كان مراهقا منذ أكثر من ثلاثين عاما، ويعيش الآن في النرويج كلاجئ سياسي. لكن ابنه ميلان (21 عاما)، رباه جداه في إيران.
وكان الأب والابن يريان بعضهما البعض عدة مرات في العام، في دول مجاورة مثل أرمينيا وتركيا.
"ألم ميلان"
وما كان يحرك قلق الأب بشكل أكبر في بداية الاحتجاجات هو انضمام ميلان إلى المظاهرات في إشنويه، أحد المدن الكردية في غرب البلاد، حيث كانت المظاهرات محتدمة بشكل خاص والقمع وحشي.
ويوم الأربعاء الماضي، شعر حقيقي بوجود خطأ ما، وأجرى اتصالات مع الأقارب في إيران لكنه لم يتمكن من الوصول لابنه أو أي من أفراد عائلته الآخرين.
وفي الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس، توصل أخيرًا إلى معلومات، حيث تلقى أنباء عن مقتل ميلان على أيدي قوات الأمن، إلى جانب اثنين من المحتجين الآخرين.
وقال حقيقي: "قتل بوابل من رصاصات الكلاشينكوف. إنه لأمر صعب للغاية. ليس مسموحا لي العودة إلى إيران. لا أنام وليس لدي حياة. أفكر فيه 24 ساعة في اليوم. فقد حياته من أجل الحرية في بلاده".
وبالنسبة لملايين الإيرانيين الذين يعيشون في المنفى، منحهم الاحتجاج الأخير فرصة لإعادة التواصل مع الوطن والحلم بمستقبل مختلف. لكنها عززت أيضا الشعور بـ"ألم الانفصال والتعرض مجددا لوحشية حكومة مستعدة للجوء إلى القوة المميتة للبقاء في السلطة"، وفق الصحيفة الأمريكية.
وبعد مقتل ميلان، تلقى حقيقي عشرات الآلاف من رسائل التعزية عبر الشبكات الاجتماعية من الزملاء الأكراد، وأعضاء جميع المجموعات العرقية المختلفة تقريبا التي تعيش داخل وخارج البلاد.
وعندما ذهبت والدة حقيقي لاستلام جثمان ميلان من المستشفى في إشنويه، رفض الأمن في البداية السماح لها بالدخول، وبعد إصرارها ضربتها قوات الأمن حتى فقدت الوعي.
وعندما تم إخراج الجثمان أخيرًا للأسرة، أعطتهم قوات الأمن توجيهات واضحة، يدفن خلال ساعة دون تنظيم جنازة.
ويصمم الأب على إبقاء ذكرى ابنه حية، وحتى في أعماق الألم، يعلم أنه ليس بمفرده، قائلًا: "أفضل طريقة لدعم الناس في البلد هي المشاركة في الاحتجاجات. يجب أن تحدث تلك الاحتجاجات ضد الحكومة يوميا في جميع دول العالم".
"لحظة وحدة"
قال برسيس كريم رئيس ومدير مركز دراسات الجاليات الإيرانية في جامعة سان فرانسيسكو الحكومية بالولايات المتحدة: "هذه لحظة وحدة قوية، حيث ينظر الناس إلى وفاة امرأة على أنها رمز لكثير من الإحباط والغضب.. إحباط وغضب تجاه النظام في إيران لكنه يسلط الضوء أيضا على كل تلك اللحظات الأخرى التي حدثت خلال الـ43 عاما الأخيرة".
ويٌعتقد على نطاق واسع أن الجالية الإيرانية بين الأكبر في العالم، ومع ما يقدر بمليون إيراني يعيشون في الولايات المتحدة وعدة ملايين أخرى تنتشر في كندا وأوروبا وتركيا وأستراليا والخليج العربي.
وفي نهاية الأسبوع، تظاهر آلاف الإيرانيين في لوس أنجلوس، التي تضم أكبر جالية للإيرانيين في العالم، بالإضافة إلى تورنتو، وواشنطن، وعدة عواصم أوروبية، تضامنا مع احتجاجات الداخل.
وردد إيرانيو الشتات نفس الشعارات التي ترددت من العاصمة طهران إلى مدينة قم، قائلين "سنقاتل، وسنموت، وسنستعيد إيران.. امرأة، حياة، حرية!".
توتر في باريس ولندن
وفي حين كانت معظم التجمعات سلمية، ألقت الشرطة الفرنسية قنابل الغاز على المحتجين، الأحد، حيث حاولوا تنظيم مسيرة إلى السفارة الإيرانية في باريس.
وقال إحسان حسين زاده (35 عاما)، وهو محام حصل على لجوء سياسي في فرنسا عام 2018 وكان مشاركا بالاحتجاج "أرادوا المضي إلى السفارة للتعبير عن غضبهم، وحتى يسمعهم العاملون بالسفارة".
وفي اليوم نفسه في لندن، اتخذت الاحتجاجات خارج السفارة الإيرانية منحنى عنيفا بعدما اشتبك المحتجون مع الشرطة، ومع بعضهم البعض.
وأظهر مقطع فيديو نشر على شبكات التواصل الاجتماعي رجلا، قال بعض المحتجين إنه يدعم الحكومة الإيرانية، يتعرض للضرب على أيدي الحشود فيما سحبته الشرطة بعيدا.
قالت شرطة ميتروبوليتان إن ما لا يقل عن خمسة من ضباط الشرطة أصيبوا بجروح خطيرة وألقي القبض على 12 شخصا.
وسعت طهران للإلقاء باللوم على محرضين خارجيين في الاحتجاجات داخل البلاد، وهاجمت الدول الغربية وشنت هجمات صاروخية على الجماعات الكردية عبر الحدود، لكن الشباب الإيرانيون هم من يقودون المظاهرات، ويعرضون حياتهم للخطر، وفق واشنطن بوست.
ويقول أعضاء الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة إنهم سيواصلون الضغط على الأمم المتحدة والممثلين المنتخبين حول العالم لتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان في إيران، وسيواصلون الاحتجاجات، ومشاركة قصص المحتجين الذين فقدوا أرواحهم.