والواقع أن الثورة الإيرانية مرت بمرحلتين، يختصر خطوطهما ميثاغ بارسا في كتاب "ديمقراطية في إيران: لماذا فشلت وكيف يمكن أن تنجح".
جمهورية الملالي في إيران مصرة على أن تبقى ثورة دخلت عقدها الخامس. ومن الأولويات لديها استمرار "تصدير الثورة" على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب على شعبها. رأسمالها أيديولوجيا مذهبية موجهة إلى أقلية في العالم الإسلامي. وحماية الرأسمال وتوظيفه قائمان على ثلاثة: تطوير الصواريخ والقوة العسكرية في الداخل، شعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، وإقامة "خمسة جيوش في المنطقة تقاتل إلى جانبنا عقائدياً ومعنوياً"، كما يقول قائد في الحرس الثوري.
الانتفاضات الشعبية التي تحدث بين فترة وأخرى ليست مجرد احتجاج على البطالة والقمع والغلاء، رافعة شعار: "لا غزة ولا لبنان بل إيران"، هي تعبير مرشح لأن يصبح جوهرياً: تناقض بين نظام جامد على أفكار القرن السابع وبين جيل متحرك، وُلد بعد الثورة لا يعرف الشاه ولا ظلمه ويريد أن يعيش بأفكار القرن الـ 21.
لم تشأ التعلم من درس الاتحاد السوفياتي الذي صار عملاقاً عسكرياً نووياً بساقين من فخّار اقتصادياً، ودعم الأحزاب الشيوعية لتثوير العالم وحركة عدم الانحياز كتكتيك في الحرب الباردة مع أميركا وأوروبا، فانهار مع أن جاذبيته الأيديولوجية واسعة. ولا أخذت بتجربة الصين الشعبية التي قامت بأمرين كبيرين بعد الثورة الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ: الأول هو وقف تصدير الثورة منذ أيام دينغ شياو بينغ، بعد مرحلة من رعاية أحزاب وانشقاقات "ماوية متشددة" عن أحزاب شيوعية مرتبطة بالاتحاد السوفياتي الذي اختلفت معه الصين أيام ماو ووصفت شيوعيته بأنها "تحريفية"، والثاني التركيز على نمو الاقتصاد الذي صار الثاني بعد الاقتصاد الأميركي، قبل العمل أيام شي جيبنيغ على تعاظم القدرة العسكرية وتوسيع النفوذ في العالم.
والواقع أن الثورة الإيرانية مرت بمرحلتين، يختصر خطوطهما ميثاغ بارسا في كتاب "ديمقراطية في إيران: لماذا فشلت وكيف يمكن أن تنجح". الأولى هي "مشاركة الحزب الشيوعي، حركة الحرية، مجاهدي خلق، تجار البازار ورجال الدين" في ثورة للتخلص من نظام الشاه الإمبراطوري، رافعةً شعار "استقلال، حرية". والثانية هي "تخلي الإمام الخميني عن وعوده الديمقراطية في باريس، وبدء قمع الأحزاب التي شاركت في الثورة، وإقامة نظام ثيوقراطي على أساس ولاية الفقيه"، وكتابه "الدولة الإسلامية".
والسؤال هو: هل هناك ثورة بالمفهوم المعروف للثورات في نظام ثيوقراطي ديني قائم على الانتظار ونضج الظروف لظهور "المهدي المنتظر" والاستعداد لحكم العالم؟، وهل بين الذين يدافعون عن النظام الإيراني في الأوساط اليسارية والليبرالية في أوروبا والعالم العربي بسبب رفضهم للسياسات والهيمنة الأميركية من يريد أن يعيش في نظام مثله؟ الوقائع أمامنا، الاقتصاد في إيران رأسمالي، بصرف النظر عن شعار: لا يمين ولا يسار، لا شرق ولا غرب. والمجتمع محافظ جداً بعد التضييق بالقانون والعصا على ما كان من تحرّر بالحد الأدنى.
ألم يكن العلاج الذي وصفه الخميني للاتحاد السوفياتي، وآخر زعمائه ميخائيل غورباتشوف هو "الدخول في الإسلام"؟ أليس بالغ التعبير قول مريم أتاباك إن جدتها عوقبت في العهد الإمبراطوري لأنها رفضت خلع الحجاب، وهي عوقبت في عهد الثورة لأنها رفضت ارتداء الحجاب؟ وما الذي يغيره الشكل الانتخابي الديمقراطي في نظام شمولي يمارس خلاله الولي الفقيه "الحكم الإلهي"؟
الواضح أن المفهوم الثوري في نظام الملالي هو "تصحيح التاريخ والظلم الذي لحق بالأئمة". وعمق التغيير في المجتمع، وهو أهم ما تفعله الثورات التي لا تكتفي بتغيير السلطة، أي التحرّر الكامل، ليس طموح الثورة الإسلامية في إيران. وحسب وثيقة "النموذج الإسلامي الإيراني للتقدم: رؤية خلال 50 سنة" التي تحمل اسم المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن الهدف هو الوصول إلى "المجتمع الديني" القائم على جعل "الأصول والمبادئ الإسلامية أساس العلاقات الاجتماعية".
وكما كان الماركسيون يقولون إن "الاشتراكية" هي مرحلة تقود إلى "الشيوعية"، فإن الوثيقة ترى أن "الحكومة الإسلامية تسبق المجتمع الإسلامي". ففي الاشتراكية "من كل" حسب قدرته ولكل "حسب عمله". وفي الشيوعية "من كل" حسب قدرته ولكل "حسب حاجته". وفي إيران اليوم، حيث "النجاح في الحركة الثورية وإقامة النظام الإسلامي"، فإنه "لا وجود للمجتمع الإسلامي" لأنّ "التديّن الفردي لا يضمن تحقق المجتمع الديني". و"الطريق صعبة ويحتاج عبورها إلى 50 سنة للانتقال من الحكومة الإسلامية إلى المجتمع الإسلامي"، كما في رؤية خامنئي.
لكن التحديات أكبر، والانتفاضات الشعبية التي تحدث بين فترة وأخرى ليست مجرد احتجاج على البطالة والقمع والغلاء رافعة شعار: "لا غزة ولا لبنان بل إيران"، هي تعبير مرشح لأن يصبح جوهرياً: تناقض بين نظام جامد على أفكار القرن السابع وبين جيل متحرك، وُلد بعد الثورة لا يعرف الشاه ولا ظلمه ويريد أن يعيش بأفكار القرن الـ 21. ولا مجال للسيطرة على الإنترنت المفتوح على العالم. والمشهد، كما اختصره كريم سادجادبور من كارنيغي، هو: "الشعب يريد أن يكون مثل شعب كوريا الجنوبية ولديه المواهب والكفايات، والنظام يريد أن يحكم مثل كوريا الشمالية". وحسب تامسين ماذر، أستاذة الاقتصاد السياسي في أوكسفورد، فإن "العيش في أزمة أمر جيد بالنسبة إلى النظام لأنه يستطيع أن يضع كل مشاكله الاقتصادية على العقوبات والمؤامرات الخارجية".
والمفارقة أن الرئيس حسن روحاني يقول للأميركيين "أنتم لم تفهموا عظمة الشعب الإيراني، وتعتقدون أنكم تواجهون 41 عاماً من الحضارة في حين أنكم تواجهون حضارة إيرانية عمرها آلاف السنين". مجرد عودة إلى التراث الفارسي أم اعتراف ضمني بأن طموح الثورة الإسلامية هو استعادة الإمبراطورية الفارسية بشكل آخر؟ مهما يكن، فلا ثورة تبني إمبراطورية.
نقلاً عن" اندبندنت عربية "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة