"ضغوطات" إيرانية لانتزاع "تنازلات" سورية.. "أزمة صامتة"
سواء كانت إيران تسعى للاستفادة من أزمة سوريا الاقتصادية أو معاقبتها على بعض خطواتها لكن المؤكد هو أن "أزمة صامتة" تضرب العلاقات.
توتر وراء الأبواب المغلقة تحاول طهران إبقاءه في كواليس علاقاتها مع دمشق، في وقت يرى مراقبون أنها تكتفي حاليا بالمناورة من أجل رفع منسوب الضغوط تمهيدا لتحقيق مطالبها، قبل السماح للمياه بالعودة إلى مجاريها.
وسبق أن أعلنت إيران إعادة تفعيل الخط الائتماني لسوريا، وذلك خلال زيارة أجراها الرئيس بشار الأسد لطهران في مايو/أيار الماضي، حيث تم التوقيع على مرحلة جديدة من هذا الخط تشمل تزويد سوريا بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد.
غير أن ما جرى على الأرض هو العكس تماما، حيث انقطعت شحنات النفط الإيراني، فيما تحدث إعلام محلي عن صعوبات في عمليات النقل البحري نتيجة حلول الشتاء، في تعلات فندها خبراء ممن أكدوا أن ناقلات النفط الإيرانية لا تبحر عبر محيطات مفتوحة في طريقها إلى سوريا، أي أنها لا تبحر في طرق بحرية تضربها العواصف والأعاصير.
مطالب وضمانات
بحسب تقارير إعلامية نقلا عن مصادر مطلعة، فاجأت طهران حليفتها بمسودة اتفاق جديدة ومطالب بضمانات سيادية، والواقع أن الأمر في حد ذاته لم يكن مفاجئا بشكل كبير بالنسبة لدمشق التي كانت تدرك وجود خطب ما وراء ما اعتبره البعض "مماطلة" إيرانية في إرسال شحنات النفط لسد النقص الفادح المسجل لدى الجارة.
أدركت دمشق مبكرا أن جولة جديدة من الضغوط تلوح بالأفق، لكنها لم تتوقع أبدا أن تصل المطالب الإيرانية إلى حد السعي لانتزاع ضمانات سيادية وفرض إملاءات، ومع ذلك، لا يبدو أن أمامها أكثر من القيام باتصالات لحل الأزمة الصامتة.
ومع أن الأزمة بين الجانبين لا تعتبر الأولى من نوعها، لكن سياقها وتوقيتها في ظل انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا قد يمنحها بعدا مختلفا وتأثيرات أعمق.
وتتعلق مسودة الاتفاق الجديدة التي فاجأت دمشق بأن يعامل الإيرانيون في المستشفيات والمؤسسات العلمية والملكية وغيره كما يعامل السوريون، وفي حال ارتكابهم جريمة على الأراضي السورية فإنهم يحاكمون أمام القضاء الإيراني وليس السوري.
ولم تكتف طهران بتلك الإملاءات، بل ضغطت أيضا للحصول على ضمانات سيادية من دمشق على الأموال التي صرفتها، لتستمر أزمة بدأ مراقبون يربطونها بالعديد من العوامل، خصوصا بخطوات قطعتها دمشق في سياستها الخارجية.
والأمر لا يعتبر مستجدا في التكتيك الإيراني، حيث سبق أن عاقبت دمشق بنفس الطريقة تقريبا في 2017، وذلك بسبب انزعاجها من بطء تنفيذ اتفاقات استراتيجية معها وتسريعها مع موسكو، وقامت بتجميد إرسال مشتقات نفطية وعلقت موافقتها على تعيين سفير سوري جديد.
أزمة صامتة
خلال زيارته إلى طهران قبل أشهر، كان الأسد يحمل مطلبا عاجلا من طهران وهو إرسال شحنات النفط لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا، وكانت الإجابة مطمئنة كالعادة.
غير أن الوقت انقضى ولم تظهر السفن في سواحل سوريا ثم تبين أنها لم تغادر أصلا إيران، وفي الأثناء، كانت الأزمة في سوريا تستفحل ولم يكن الوقت ليسمح بالانتظار أكثر، فأعاد الأسد طلبه على لسان وزير خارجيته حين زار طهران في يوليو/ تموز الماضي.
تكرر التريث المريب لطهران، واضطر الأسد لتكليف سفيره بمتابعة الموضوع عن كثب، غير أنه لم يتلق بدوره أي تفسير لما يحدث، وبدا من الواضح أن هناك حلقة مفقودة، ودمشق تعرف ذلك وإن لم تكن على علم حتى ذلك الحين بالسقف الذي تناور طهران من أجله هذه المرة.
غابت الإجابة إلى أن فوجئت دمشق بسلسلة من الطلبات ومسودات الاتفاقات التي يعتقد مراقبون أنها جاءت في مجملها عقابية في ضوء تقارب دمشق مع بعض الدول العربية.
واللافت أن مسودة الاتفاق الجديد التي تتضمن مطالب قاسية وضمانات سيادية تشبه إلى حد كبير اتفاقية قائمة بين دمشق وموسكو نهاية 2015 بشأن تأسيس قواعد عسكرية في حميميم وطرطوس، والتي تتضمن امتيازات عسكرية وملكية ودبلوماسية واسعة.