"أزمة القصيدة" بين إيران وتركيا.. "اختلف لصان" فظهر المسروق
استدعاء متبادل للسفراء بين إيران وتركيا يستبطن توترا فضح حقيقة المواقف الدبلوماسية لبلدين جمعتهما أجندة التوسع والخراب وفرقتهما قصيدة.
أبيات من قصيدة عن نهر آراس، ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مشاركته في احتفال في أذربيجان، اعتبرتها طهران تدخلا غير مقبول في شؤونها الداخلية وتحريضا على الانفصال، ما دفعها لاستدعاء السفير التركي لديها دريا أورس، الجمعة.
بداية تصعيد لم تتأخر أنقرة في الرد عليه، حيث استدعت، باليوم نفسه، السفير الإيراني لديها محمد فرازمند، معربة عن استيائها مما قالت إنه "ادعاءات لا أساس لها"، وجهتها طهران بحق أردوغان.
أزمة دبلوماسية في أفق بلدين يتقاسمان ذات الأجندة التوسعية، ويشهران معاول الخراب نفسها في الشرق الأوسط والعالم، لكن حين وجه أحدهما سهامه إلى الأخر، انقلبت المعادلة رأسا على عقب، وباتت الحكاية أشبه بقصة سارقين اختلفا، فظهر المسروق.
كابوس الانفصال
منذ اندلاع الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ، تحبس إيران أنفاسها خوفا من استيقاظ المشاعر القومية الانفصالية لدى الأذريين الإيرانيين، وهذا ما دفعها إلى دعم باكو في معركتها ضد يريفان، في موقف مفاجئ لكنه بدا منسجما مع مخاوفها من احتمال اندلاع انتفاضة أذرية على أراضيها.
ففي إيران، يعتبر الإيرانيون من القومية الأذرية، أو ما يصطلح على تسميتهم بالإيرانيين الأتراك، ثاني أكبر قومية بالبلاد بعد الفرس، بتعداد يقدر بنحو 20 مليون نسمة، أي ما نسبته أكثر من 22% من عدد سكان البلاد.
ومعظم هؤلاء الأذريين يتواجدون في محافظات أذربيجان الشرقية وأردبيل وزنجان وأجزاء من أذربيجان الغربية، وبأعداد قليلة في محافظات أخرى مثل كردستان وقزوين وهمدان وغيلان ومركزي.
نسبة هامة من الأذريين تدرك طهران جيدا أنهم يشكلون قنبلة موقوتة مرشحة للانفجار في كل وقت، خصوصا أن التاريخ الحديث يشهد أن هذه القومية كان لها دور كبير في الانتفاضات وحتى في ما يسمى بالثورة الإسلامية العام 1979.
فالأذريون انتفضوا في العديد من المرات ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، حتى نجحوا عام 1945 في إقامة جمهوريتهم التي سرعان ما انهارت بسبب انسحاب السوفييت من شمالي إيران.
طهران- باكو
على مدار الحرب الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان، حافظت طهران على عدم تبني أي موقف، وظل دورها شبيها بمراقب للأحداث دون أي تدخل فيها، وذلك لحساسية الموضوع بالنسبة إليها على جميع الأصعدة.
أولا علاقاتها المتوترة مع باكو التي تتهمها بدعم تنظيمات متطرفة ناشطة بالبلد الأول لزعزعة استقرارها.
فيما تتهم إيران أذربيجان بمحاولة إثارة النعرات القومية عبر مساندة أحزاب قومية لمجموعات أذرية إيرانية مستقرة في باكو تطالب بتوحيد أذربيجان الشمالية (أذربيجان الحالية) وأذربيجان الجنوبية (ولايات أذربيجان الغربية والشرقية وأردبيل وزنجان التركية الإيرانية).
وثانيا، خشيتها من أن يوقظ تدخلها النعرات القومية على أراضيها، خصوصا في ظل تنامي المعارضة ضد سياسات طهران، وتصاعد الرفض الشعبي لحروبها الخارجية.
معطيات حشرت طهران في زاوية ضيقة، وجعلها تفضل مراقبة الأحداث عن بعد، وما سيسفر عنه التدخل التركي والروسي في الصراع بين باكو ويريفان، مشحونة بذات الرعب من حتمية إصابتها بتداعيات الحرب، وما قد تحمله في ظل رغبة الملايين من الأذريين بالانفصال عن إيران واللحاق بالوطن الأم في أذربيجان.
تركيا وهوس التوسع
الحكومة التركية المسكونة بهاجس توسع ما فتئت تنكره باستمرار، خشيت أن يحسب عليها الاحتجاج الإيراني على أبيات القصيدة التي ألقاها أردوغان، ورأت أنه من الأجدر الهجوم لقطع الطريق على طهران.
تكتيك تجسد من خلال استدعاء خارجيتها للسفير الإيراني لديها محمد فرازمند، معربة عن استيائها مما قالت إنه "ادعاءات لا أساس لها"، ومن "الترويج لحملة تبث الكراهية ضد تركيا"، وفق إعلام تركي رسمي.
حركة تصعيدية ترجمت الغضب المستعر في كواليس أنقرة من وصمها من قبل أحد أكثر المقربين منها، واتهامها بالتدخل في شؤون الدول وتبني أجندة توسعية، وهي أكثر التهم التي تحاول أنقرة تجنب إثارتها على الأقل في السياق الحالي.
ويعود بيت الشعر الذي قرأه أردوغان للشاعر الأذري الشهير محمد إبراهيموف، من قصيدة تتحدث عن نهر آراس وقيمته التاريخية لدى الشعب الأذري، وخاصة عند سكان منطقة آراس.
والمنطقة كانت خاضعة للسيادة الإيرانية حتى عام 1813، قبل أن تتنازل عنها لصالح روسيا بموجب اتفاقية بين الجانبين.