صور أقمار صناعية تكشف أعمال بناء بموقع عسكري شديد التحصين في إيران

تشير صور الأقمار الصناعية الحديثة إلى أنّ إيران تواصل أعمال البناء في موقع عسكري شديد التحصين يُعرف باسم "جبل الفأس"، يقع إلى الجنوب مباشرة من منشأة نطنز النووية التي استهدفتها الضربات الأمريكية والإسرائيلية في يونيو/حزيران الماضي.
وبحسب مراجعة أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" لصور الأقمار الصناعية وتحليلات مستقلة، كثّفت طهران عمليات الحفر والإنشاء في الأشهر الأخيرة، وهو ما يوحي بأنها لم تتوقف كليًا عن تطوير برنامجها النووي المثير للجدل، وقد تكون بصدد إعادة بناء بعض قدراتها بحذر شديد.
موقع غامض في جبال زاغروس
وبدأت أعمال الحفر في "جبل الفأس" عام 2020، حيث شقّ المهندسون الإيرانيون أنفاقًا عميقة داخل جبال زاغروس، على بُعد نحو ميل واحد فقط من مجمّع نطنز. وما يزال الهدف من هذا المشروع غير واضح، إذ لم يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة الموقع، وقد أعلن مديرها العام رافائيل غروسي أنّ أسئلته بهذا الخصوص قوبلت بالتجاهل من الجانب الإيراني.
ويرى خبراء أنّ الأنفاق والقاعات المحفورة أسفل الجبل قد تكون أعمق من تلك الموجودة في منشأة فوردو، التي استُهدفت سابقًا بقنابل أمريكية خارقة للتحصينات. كما تظهر الصور وجود مداخل أنفاق من جهتي الشرق والغرب، تمتد على مساحة تقارب الميل المربّع.
كانت إيران قد أعلنت أنّ الهدف من إنشاء هذا الموقع هو إقامة مصنع لتجميع أجهزة الطرد المركزي بعد تدمير منشأة مشابهة في هجوم تخريبي عام 2020، لكن عمق الأنفاق وضخامتها عزّزا الشكوك بشأن إمكانية أن يكون الموقع مخصصًا إما لتخصيب اليورانيوم سرًا أو لتخزين مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب.
واشنطن تراقب و"سي آي إيه" تتحفّظ
وأكد مسؤول في البيت الأبيض أنّ الإدارة الأمريكية تواصل مراقبة أي محاولة إيرانية لإعادة بناء برنامجها النووي، مشددًا على أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لن يسمح مطلقًا بامتلاك إيران سلاحًا نوويًا".
أما وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) فامتنعت عن التعليق على النشاط الجاري، رغم متابعتها لهذا الموقع منذ سنوات.
وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنّ إيران كانت قد راكمت قبل الضربات الإسرائيلية نحو 900 رطل من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة، وهي نسبة قريبة من الحد اللازم لإنتاج سلاح نووي (90 في المائة). غير أنّ مكان هذا المخزون لا يزال مجهولًا، ما يثير مخاوف إضافية لدى المجتمع الدولي.
تحصينات بعد الهجوم
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أنّ إيران شرعت في اتخاذ إجراءات لتعزيز تحصينات "جبل الفأس" منذ يونيو/حزيران، شملت: إغلاق المحيط الأمني حول الموقع، وتدعيم أحد مداخل الأنفاق الشرقية وتغطيته بالصخور والتربة لزيادة مقاومته للقصف الجوي.
كما يشير تراكم كميات جديدة من الأتربة المستخرجة، إلى استمرار عمليات الحفر. فيما رُصدت معدات ثقيلة وشاحنات وجرّافات تعمل بانتظام في المنطقة.
جدل داخلي ومخاوف خارجية
كانت إيران قد توصّلت في 9 سبتمبر/أيلول، إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسمح للمفتشين بزيارة جميع مواقعها النووية، لكن طهران بدأت لاحقًا في التشكيك في الاتفاق، احتجاجًا على احتمالية إعادة فرض العقوبات الدولية.
ودعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مؤخرًا إلى اعتماد الدبلوماسية مع واشنطن، محذرًا من أن إعادة بناء المواقع النووية قد تؤدي إلى ضربات جديدة. إلا أن تصريحاته أثارت غضب التيار المحافظ الذي اعتبرها موقفًا "ضعيفًا"، فيما يبقى القرار النهائي بيد المرشد علي خامنئي.
في المقابل، قال علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في مقابلة مع برنامج فرونتلاين الأمريكي: "لم نتخلَّ عن أي موقع، وقد نستمر في تشغيلها كما هي أو نغلقها مستقبلاً".
خسائر فادحة وضربات مركزة
وتقول واشنطن إن إيران تكبّدت خسائر كبيرة في منشآتها النووية الثلاث الرئيسية: فوردو، ونطنز، وأصفهان، بعد أن أسقطت قاذفات من طراز B-2 قنابل خارقة للتحصينات على فوردو ونطنز، فيما استهدفت صواريخ "توماهوك" من غواصة أمريكية مجمّع أصفهان.
ووفق تقرير لمعهد العلوم والأمن الدولي، دمّرت الضربات أو عطّلت نحو 22 ألف جهاز طرد مركزي، لتصبح إيران – ولأول مرة منذ أكثر من 15 عامًا – بلا مسار واضح لإنتاج اليورانيوم المخصّب بدرجة عسكرية.
لكن تقارير استخباراتية أمريكية سرية أوضحت أنّ الضرر الذي لحق بموقعي نطنز وأصفهان قد لا يكون حاسمًا كما يروَّج.
ورغم تصريحات ترامب بأن القدرات النووية الإيرانية "دُمّرت بالكامل"، يحذر خبراء من أنّ إيران قد تتجه لإعادة بناء برنامجها النووي بشكل أصغر وأكثر سرية وعلى أعماق أكبر، بما يمنحها القدرة على العودة إلى التخصيب سريعًا إذا اتخذت القيادة قرارًا استراتيجيًا بذلك.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز