السياسة في العراق تستعير قاموس الرصاص.. وتغتال بلاغة السياب
هاجم مسلحون ملثمون مباني حكومية في محافظتين عراقيتين في ذكرى انتفاضة بوجه النخب الحاكمة قبل 3 سنوات، في بلد يعاني انسدادا سياسيا منذ عام.
وبدا أن الرصاص بات بديلا للحوار السياسي، في مؤشر على ارتفاع منسوب الخطر من انزلاق العراق إلى آتون احتراب أهلي كان على شفيره قبل أسابيع في قلب المنطقة الخضراء حيث تقاتل أنصار الكتلتين الشيعيتين؛ التيار الصدري مع قوى الإطار التنسيقي.
وهاجم المسلحون في محافظتي ذي قار والبصرة جنوب البلاد، المقار الحكومية واستخدموا صواريخ الكاتيوشا.
واندلعت الشرارة الأولى عند مدينة الناصرية، مركز ذي قار، مساء أمس الإثنين، حيث بدأت بتحرك سريع لعناصر ملثمة قامت بإحراق الإطارات عند مقتربات الطرق المؤدية إلى مبنى ديوان المحافظة، بالتزامن مع قرار قيادات عليا بمنع الأجهزة الأمنية من استخدام السلاح، بحسب مصادر أمنية تحدثت لـ"العين الإخبارية".
وتعد الناصرية، من أهم المعاقل الشعبية المحركة لكبرى المظاهرات وغالباً ما تتصف احتجاجاتها الشعبية بالعنف، وسرعان ما يمتد ذلك ويتصل مع بقية المحافظات الأخرى من الوسط والجنوب.
وبعد نحو ساعتين اشتبك الملثمون مع عناصر الأمن عند مقر المبنى وأقدموا على رشقهم بالحجارة فيما أشعل آخرون النيران داخل ديوان المحافظة، مما أسفر عن إصابة 13 منتسباً من المكلفين بحراسة المبنى الحكومي.
كما وقعت اشتباكات مسلحة عند مبنى القصور الرئاسية في مدينة البصرة التي تضم مقار لمليشيات الحشد الشعبي، من أطراف لم يتسن معرفتها، ولكن تشير تقديرات المراقبين إلى مسؤولية فصائل مسلحة تتبع سرايا السلام الجناح العسكري للتيار الصدري.
ولم يصدر عن التيار الصدري تعليق بشأن الحادث.
وعلى وقع تبادل إطلاق نار كثيف استمر نحو ساعتين ليل الإثنين/ الثلاثاء، أطلق مجهولون صواريخ موجهة نحو مباني القصور الرئاسية، ولكنها لم تخلف خسائر بشرية.
وفي مدينة الحبوبي، بالناصرية، فرضت القوات الأمنية حظراً للتجوال على وقع مهاجمة الملثمين لمبنى المحافظة وتوعدت باعتقال المعتدين، حتى عادت الأوضاع إلى الهدوء مع ساعات الصباح الأولى من اليوم الثلاثاء.
وقالت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" إن "الملثمين تقف وراءهم عصابات مليشياوية تهدف إلى الضغط على الحكومة المحلية في المحافظة لتمرير صفقات ومقاولات كبيرة كان قد اعترض طريقها بعض المسؤولين".
وفي البصرة، تشابه الأمر مع ما حصل في ذي قار، إلا أن آثار النيران طالت تمثال الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، المطل على شط العرب بحسب صور أظهرتها مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأتي تلك التطورات بعد نحو ثلاثة أيام على انطلاق تظاهرات الذكرى الثالثة لاحتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الحاشدة، والتي طالبوا من خلالها بحل البرلمان والمضي نحو انتخابات مبكرة ومحاسبة قتلة المتظاهرين، قبل أن يقرروا الانسحاب على وقع مهلة منحوها لأصحاب القرار تصل لثلاثة أسابيع، لتنفيذ تلك المطالب.
وسبق ذلك بنحو شهرين، جراء الأزمة السياسية المحتدمة في العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اشتباكات مسلحة عند المنطقة الرئاسية ببغداد بين مليشيات تابعة للإطار التنسيقي ومسلحين تابعين للتيار الصدري، انتهت بمقتل وإصابة العشرات.
وتهدد الصراعات السياسية في البلاد بانهيار السلم الأهلي وتقويض النظام السياسي الذي بات "ميتا سريرياً"، بحسب مراقبين، بعد أن ضاعت جميع فرص التقريب بين الفرقاء جراء الانقسام إزاء تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس للبلاد.
وفتحت تطورات ليل أمس في محافظتي ذي قار والبصرة المخاوف على مصراعيها أمام الشارع العراقي بعدما باتت جميع المؤشرات تدل على أن شرارة الغضب تقترب من وقود الاقتتال الأهلي.
المحلل السياسي نجم القصاب، قال في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن ما حدث ليل أمس في جنوب العراق هو ما حذرنا منه مراراً وتكراراً لضرورة مسك زمام الصراع وتحييد الخلافات التي تستثمر في الطائفة والمذهب والدين وما إلى ذلك من نتائج وخيمة على السلم والأمن الأهلي".
وأضاف القصاب، أن "التوقيت والمكان لم يكونا محض صدفة بل أن اختيار البصرة تحديداً بوصفها سلة العراق الاقتصادية من النفط والموانئ والثروات وما تشكله من أهمية جيوسياسة كبيرة، وبالتالي فإن الاستهداف كان القصد منه الضرب من أسفل الجدار بغية إحداث الفوضى التي تسعى إليها بعض الأطراف".
وتابع بالقول: "المرحلة الآنية تحتاج إلى شخصيات تحرر الحياة السياسية من تلك الصراعات وتبعد عنها ذلك الاستثمار السي للأزمات وبخلاف ذلك سنكون أمام تطورات أكبر وأعمق".
ويذهب إلى ذلك أيضا رئيس مركز "تفكير السياسي"، إحسان الشمري الذي يرى بدوره أن أحداث الناصرية والبصرة ، "انعكاس لصراع سياسي ومشهد قادم في أكثر من محافظة".