مدارس العراق تستعد لعام دراسي يتحدى كورونا والفقر والإنترنت
إلى الآن لم يتخذ العراقي سيف فاروق قراراً بالسماح لأبنائه الثلاثة بالذهاب إلى مدارسهم، مع بداية العام الدراسي أواخر الشهر الحالي.
وعن السبب يقول: "رغم أنه يوم واحد في الأسبوع، لكن مدارسنا مرتع لكل الفيروسات".
يمضي فاروق بالتنقل ما بين مكتبة وأخرى في سوق لبيع القرطاسية ببغداد، لتجهيز ابنتيه (أسماء، وسجي)، الطالبتين في المرحلة المتوسطة، وولده عمر الذي سيدخل الصف الأول الابتدائي بعد بلوغه السادسة من عمره.
يتوقف قليلاً ثم يستطرد قائلا: "الأمر صعب ومعقد.. علينا الاختيار ما بين التعليم المحفوف بالمخاطر الصحية أو تجهيل أبنائنا".
تلك المخاوف لم تكن محصورة عند "أبو عمر" وإنما لسان حال أغلب أولياء الأمور ممن لديهم تلاميذ في المدارس العراقية، سواء الحكومية أو الأهلية منها.
يأتي ذلك في وقت تحذر فيه خلية "الأزمة" من موجة أخرى لوباء فيروس كورونا تتربص بالبلاد مع دخول موسم الشتاء.
"أم عطيل" هي الأخرى تخشى على ابنيها، أحدهما في الصف الإعدادي الأخير، والآخر في مرحلة الدراسة الثانوية، إذ تؤكد أن آلية الدوام التي اعتمدتها وزارة التربية تكتنفها إشكاليات كبيرة، من بينها التعليم عن بعد والفصل الحضوري المقنن.
وتستبعد أم عطيل أن يحقق العام الدراسي المزمع البدء به بعد أيام، مستويات تعليمية رصينة أو ذات فائدة تربوية بالشكل الذي يتناسب مع الخطة والمنهج، الذي وضعته الوزارة والدوائر المعنية بذلك الأمر.
وتقول "كيف تستطيع التربية استكمال المفردات الدراسية المقررة للطلبة والتلاميذ خلال فصل دراسي لا تتجاوز أوقات الحضور فيه أكثر من 6 ساعات في الأسبوع".
فيما يرى أحد أولياء التلاميذ أن الأمر ليس محصوراً بساعات الدوام وإنما باعتماد تعليم الكتروني عن بعد يتطلب كلفاً مادية وقدرات تقنية تؤهل الطالب لخوض العام الدراسي.
وينوه إلى أن "جائحة كورونا عطلت الاقتصاد ورفعت من نسب البطالة وبالتالي كيف نستطيع توفير تلك المتطلبات لأبنائنا ونحن ننشغل في تأمين لقمة العيش ومطاردة فرص العمل النادرة والشحيحة".
المشرف التربوي معن كاظم يشير إلى أن الغرض من إعلان موعد استئناف الدراسة في العراق بعد تعطل دام نصف عام، يأتي لتحريك عجلة التعليم والخوف من بقاء المدارس مهجورة من الطلبة وما لذلك من تداعيات كبيرة على المستوى الاجتماعي والعلمي للبلاد.
ويؤكد كاظم أن الخطة المقررة للعام الدراسي الحالي تفرض على الجميع تطويع الظروف وتوظيف الإمكانات بالشكل الذي يحقق الفائدة التعليمية للتلاميذ والطلبة، مع الاعتراف بفقر البنى التحتية الخاصة بالتعليم الإلكتروني وسوء خدمات الإنترنت وفقر الإجراءات الوقائية المتخذة لتجنب الإصابة بالجائحة.
وعلقت خلية الأزمة الحكومية - المشكلة للتعامل مع الجائحة - الدوام في المدارس والجامعات العراقية في 7 مارس/أذار الماضي، لمدة 10 أيام بسبب تفشي فيروس كورونا، ثم امتد التعطيل إلى إشعار آخر، واعتمدت درجات الفصل الدراسي الأول كنتيجة نهائية. فيما لجأت إلى آليات الامتحان الإلكتروني عن بعد لاستكمال امتحانات الدور الثاني للطلاب المكملين.
وشهد العام الدراسي الماضي تعثراً كبيراً في انتظام الدوام واستكمال المفردات المنهجية بعد تزامن انطلاقه مع اندلاع تظاهرات أكتوبر 2019 .
وأجهزت جائحة كورونا على تعطيل الدراسة المتعثرة بشكل نهائي ورسمي بعد نحو 3 أشهر على المدارس التي فتحت أبوابها أمام الطلبة والتلاميذ.
ويتصاعد الجدل بين الأوساط التربوية والصحية وكذلك الشعبية منها، بشأن مصير العام الدراسي الحالي، خاصة بعد إعلان وزارة التربية موعد بدايته في 29 نوفمبر الحالي، وفق المزاوجة بين اعتماد مناهج التعليم التقليدي والإلكتروني وتقليص المفردات الدراسية.
ووفق التعليمات الجديدة التي أصدرتها المؤسسة التربوية في العراق لعام 2020-2021، يكون الدوام الحضوري بواقع يوم واحد في الاسبوع، و5 أيام باعتماد آليات التعليم الإلكتروني- عن بعد. فيما تضمنت القرارات الغاء عطلة يوم السبت وضمها لبقية الأيام الخمسة.
وأبدت حكومات محلية في عدد من المحافظات العراقية مواقف متباينة بشأن قرارات استئناف الدراسة مجدداً، توزعت ما بين الرفض والقبول والتشديد على تكثيف ساعات الحضور في المدارس.
وتعتزم لجنة الصحة والبيئة النيابية استضافة وزيري التربية والصحة للاطلاع على الاستعدادات والخطط الموضوعة صحياً ووقائياً للموسم الدراسي الجديد.
وتؤكد النائبة وفاء حسين الشمري، عن لجنة الصحة والتربية النيابية، لـ"العين الإخبارية"، أن "الجميع اليوم يتطلع الى بدء العام الدراسي الجديد، وهناك خوف مشروع ومبرر لدى العديد من العوائل على أبنائهم من وباء كورونا في حال ذهابهم إلى المدارس دون وجود إجراءات وقائية حقيقية"، مبينة أن "اللجنة في حوارات ونقاشات مستفيضة بهذا الشأن لأهمية الموضوع وخطورته في حال التعامل معه بشكل غير صحيح".
ونوهت إلى أن "اللجنة سيكون موقفها الرسمي والواضح بشأن تثبيت موعد بدء العام الدراسي بعد الاستضافة والاطلاع على مدى الاستعداد ونوعية الإجراءات المخطط لها حفاظا على سلامة الطلبة وضمان عدم انتشار لوباء كورونا بينهم لا سمح الله".
وبحسب إحصائية لمنظمة نرويجية تعنى باللاجئين، أصدرتها مؤخراً، تحدثت فيها عن 10 ملايين طفل في أنحاء العراق بأعمار تتراوح بين 6 أعوام إلى 17 عاماً، تركوا التعليم بسبب إغلاق المدارس إثر جائحة كورونا.
ويعاني العراق نقصاً حاداً في عدد المدارس التي تستوعب جميع طلابها، فضلاً عن سوء الخدمات والبنى التحتية للكثير منها بفعل تقادم السنين.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فأن نصف عدد المدارس الحكومية في العراق بحاجة إلى تأهيل وترميم.