خبراء عن نظام انتخابات العراق: الهدف «توافق طائفي» والنتيجة «محاصصة»
منذ سقوط نظام البعث عام 2003 بالعراق، أُعيد تشكيل النظام السياسي على أساس «التوافق الطائفي والتوزيع العادل للسلطة».
تلك الصيغة التي أراد من خلالها المكوّن الشيعي، بوصفه الكتلة السكانية الأكبر، أن يؤسس لنظام تشاركي يضم جميع المكونات، الشيعية والسنية والكردية، بدلاً من نظام أحادي يحتكر الحكم.
إلا أن هذا التوجه الذي بدأ في البداية خطوة نحو الشمولية السياسية، تحول لاحقاً إلى خطأ استراتيجي، بحسب محللين، إذ أسهم في ترسيخ مبدأ المحاصصة، وأنتج نظاماً انتخابياً معقداً يمنع احتكار السلطة من جهة، لكنه يعيد إنتاج نفس القوى التقليدية من جهة أخرى.
بنية البرلمان
ويتألف مجلس النواب العراقي من 329 مقعداً، توزّع وفق قانون الانتخابات على المحافظات الثماني عشرة حسب الكثافة السكانية.
تحصل بغداد على 69 مقعداً باعتبارها الأكبر كثافة سكانية، فيما تُمثّل المحافظات الصغيرة مثل المثنى بـ 7 مقاعد فقط. وإلى جانب هذه المقاعد، خُصصت 41 مقعداً للأقليات القومية والدينية، على النحو الآتي:
- 5 للمسيحيين في بغداد والموصل والبصرة وكركوك وأربيل.
- مقعد واحد للإيزيديين في نينوى.
- - مقعد للشبك.
- - مقعد للصابئة المندائيين في بغداد.
- - مقعد للأكراد الفيليين.
كما خُصصت 3 مقاعد إضافية للشيعة العرب في البصرة لضمان الأغلبية داخل المحافظة التي تضم أقليات سنية وكردية.
قانون «الكوتا النسائية»
من أبرز سمات النظام الانتخابي العراقي هو قانون الكوتا النسائية الذي يفرض تخصيص 25% من المقاعد للنساء (أي 82 مقعداً من أصل 329).
ويقضي القانون بأن تتضمن كل قائمة انتخابية امرأة واحدة على الأقل بين كل أربعة مرشحين متتالين.
ورغم أن هذا القانون واجه مقاومة في بداياته، فقد ساهم تدريجياً في إدخال مزيد من النساء إلى البرلمان، وإن كانت مشاركة بعضهن ما تزال شكلية أو مرتبطة بولاءات حزبية، وفق مراقبين.
وينتقد مراقبون لجوء بعض الأحزاب إلى ترشيح «ناشطات ومدونات» بدل النساء المتخصصات في العمل السياسي.
نظام «سانت لاغو المعدّل»
جوهر النظام الانتخابي العراقي يقوم على آلية «سانت لاغو المعدّلة» لتوزيع المقاعد، وهي طريقة حسابية لتحديد حصة كل حزب من الأصوات.
تقوم الفكرة على تقسيم أصوات كل حزب على سلسلة من الأرقام (1.7، 3، 5، 7...) بحيث يحصل أصحاب الأرقام الأعلى على المقاعد المتاحة.
يهدف هذا النظام إلى منع حزب واحد من السيطرة الكاملة، لكنه في الواقع يمنح الأفضلية للأحزاب الكبيرة ويقصي الأحزاب الصغيرة والمستقلة، إذ تتلاشى أصواتها في المراحل الأولى من القسمة الحسابية، حسب محللين.
فعلى سبيل المثال، قد يحصل مرشح من حزب صغير على 900 صوت، وهو أكثر من أصوات مرشحي حزب كبير، لكنه لا يدخل البرلمان لأن حزبه لا يمتلك مجموعاً كافياً من الأصوات لضمان مقعد.
وهذا ما يجعل التحالفات الواسعة والائتلافات الحزبية عنصراً حاسماً في السياسة العراقية، فيما تُحرم القوى الناشئة والمستقلة من فرصة حقيقية للمنافسة.
بين الشكل الديمقراطي والواقع السياسي
رغم أن النظام الانتخابي العراقي يبدو في مظهره ديمقراطياً وشاملاً، فإنه تحوّل عملياً إلى أداة لإدامة سلطة النخب السياسية القديمة، حسب خبراء.
فقوانين الكوتا وتمثيل الأقليات تبدو تقدّمية على الورق، لكن في الواقع، فإن الهندسة الانتخابية، والتحالفات المسبقة، واستخدام النفوذ المالي والإعلامي، وحتى الدعم الخارجي، كلها عوامل تحدّ من إمكان التغيير السياسي الحقيقي، وفق الخبراء الذين استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم.
وفي حين يُفترض أن النظام يضمن العدالة التمثيلية، إلا أنه يحافظ على الوضع القائم ويمنع تجديد الطبقة السياسية، وهذا ما دفع بعض القادة العراقيين، مثل مقتدى الصدر، إلى وصف النظام السياسي القائم بأنه «فاسد» أو «معطّل للديمقراطية الحقيقية».
إعادة إنتاج النخب التقليدية
وأكدت المرشحة عن حركة الرواد الوطني، أنوار داود الخفاجي، أن النظام الانتخابي العراقي يعاني من تعقيدات كبيرة في آلية توزيع المقاعد وفق طريقة "سانت لاغو" المعدّلة، الأمر الذي جعل نتائج الانتخابات تخضع لحسابات معقدة تصب في مصلحة القوى التقليدية ذات النفوذ السياسي والمالي.
وأضافت الخفاجي في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن نظام الكوتا النسائية، رغم أهميته القانونية في ضمان تمثيل المرأة، لم يحقق العدالة الكاملة في التطبيق العملي، إذ يُستغل أحياناً لملء القوائم الانتخابية دون تمكين فعلي للنساء في صنع القرار.
وشدّدت على أن النظام الانتخابي الحالي أصبح وسيلة لإدامة هيمنة النخب القديمة، في حين تقلّصت فرص بروز الوجوه الجديدة والمستقلة، مطالبةً بإصلاحات تضمن تكافؤ الفرص والعدالة السياسية لجميع المرشحين.
النظام الانتخابي يمنع التغيير
بدوره، أكد المرشح عن "كتلة الصادقون"، أحمد علي عبود الأسدي، أن النظام الانتخابي العراقي بصيغته الحالية، رغم ما يحمله من تشريعات تقنية تهدف ظاهرياً إلى تحقيق التوازن ومنع احتكار السلطة، تحوّل عملياً إلى أداة لتكريس "المحاصصة السياسية وإضعاف فرص القوى الجديدة والمستقلة".
وأوضح الأسدي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن هذا النظام، الذي يُفترض أن يعزز المشاركة الشعبية، حافظ فقط على مظاهر الديمقراطية الشكلية دون أن يرسّخ روح الديمقراطية التنافسية الحقيقية.
وأضاف أن استمرار العمل بهذه الآلية أدى إلى إعادة إنتاج نفس النخب الحاكمة منذ أكثر من عقدين، داعياً إلى إصلاحات انتخابية جذرية تضمن التمثيل العادل وتفتح المجال أمام قوى سياسية جديدة قادرة على تجديد الحياة الديمقراطية في العراق.
التنافس فقد مضمونه
واعتبر المراقب السياسي أحمد الحلفي أن التنافس الانتخابي في العراق، سواء في الدورات السابقة أو الحالية، يفتقر إلى الأسس السياسية والفكرية الحقيقية، مشيراً إلى أن المشهد يهيمن عليه الخطاب الطائفي والإسقاط الشخصي بدل البرامج الوطنية.
وأوضح الحلفي في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "العملية الانتخابية منذ عام 2006 تكرّرت فيها الشعارات الطائفية والمظلومية دون أن تحمل مضموناً تنموياً أو إصلاحياً"، مبيناً أن "التنافس اليوم يقوم على تشويه الآخر أكثر من تقديم بدائل واقعية، وأن بعض القوى المفلسة سياسياً تلجأ إلى إثارة النعرات المذهبية لكسب التعاطف الشعبي".
وأشار إلى أن المال السياسي والفساد والتدخل الخارجي باتت تتحكم في مجرى الانتخابات مؤكداً أن الاستبعاد الانتخابي يُستخدم أحياناً لأغراض سياسية، وأن ضعف الفصل بين السلطات "فتح الباب أمام تدخلات غير مبررة".
وفيما يخص ما بعد الانتخابات، توقع الحلفي أن تمر البلاد بصراعات طويلة لتشكيل الحكومة وسط تحالفات "مصلحية هشة"، لكنه رجّح أن تكون الحكومة المقبلة نتاج قرار عراقي داخلي مع تراجع النفوذ الإيراني والاهتمام الأمريكي، محذراً في الوقت ذاته من تدخل خارجي مؤجّل قد يبدأ بعد تشكيل الحكومة عبر ضغوط سياسية أمريكية، ما قد يثير أزمة جديدة في المشهد العراقي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTYxIA== جزيرة ام اند امز