انسحاب قوى الحراك.. هل قتلت الكواتم روح الانتخابات العراقية؟
فيما يقترب العراق من عتبة الانتخابات البرلمانية، يتزايد خيار مقاطعة هذا الاستحقاق بين أوساط الحراك، على وقع كواتم حاصدة للأرواح.
فـ4 تيارات منبثقة من ساحات الاحتجاج، قررت الانسحاب مبكرا من السباق الانتخابي، وهي "الوعد العراقي"، و"البيت الوطني"، و"حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية"، و"البيت العراقي"، وعزت قرارها هذا إلى "غياب البيئة الآمنة".
ورغم مشاهد الاغتيالات المتكررة بين الفينة والأخرى في العراق، فإن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي أوصلته تظاهرات تشرين الغاضبة إلى المنصب، ما زال يردد العهد الذي قطعه منذ نحو عام بملاحقة الجناة والثأر لدماء الناشطين.
وبعد أيام من حادثتي اغتيال بحق ناشط مدني وأخرى ضد صحفي، وقعتا الأسبوع الماضي، يؤكد الكاظمي أن قتلة الوزني سيواجهون مصيرهم المحتوم ولن يسمح لأي أحد أن "يتنمر على العراق وأهله".
وشهد العراق خلال الشهر الحالي، عملية اغتيال بأسلحة كاتمة ضد الناشط المدني إيهاب الوزني الذي يعد من أبرز رموز الحركة الاحتجاجية في محافظة كربلاء.
وفيما لا تزال دماء الوزني الذي اغتيل أمام منزله في كربلاء، ندية، وقعت حادثة اغتيال أخرى بحق صحفي بمحافظة الديوانية ولكن نجى منها بإصابات خطيرة في الرأس ولايزال يتلقى العلاج في مستشفى بالعاصمة بغداد.
مراقبون للشأن السياسي، وناشطون في الحراك، يعزون عودة مشهد الاغتيالات وربطه باقتراب الانتخابات التشريعية المبكرة التي يعتزم العراق إجراءها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ويلفت البعض منهم إلى أن ظهور "الكواتم"، وعودة مشهد التصفيات للشخصيات البارزة، بات سيناريو متكررا كلما كانت البلاد أمام استحقاق انتخابي جديد، ولكن مع التسليم إلى دوافع وغايات كل مرحلة من تلك المراحل.
المحلل السياسي، جمعة الحجامي، يرى أن مليشيات الموت بدأت الترويج لبضاعتها في وقت مبكر لفسح المجال أمام بنادقها المنفلتة بالتفرد واكتساح صناديق الاقتراع عبر رسائل الدم التي وقعت عليها في حادثتي اغتيال كربلاء والديوانية.
ويضيف الحجامي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تداعيات الاحتجاجات الجماهيرية التي جاءت بها ساحات أكتوبر، قد أفرزت مزاجاً شعبياً مختلفاً وأسهمت في تنقيح عقلية الفرد العراقي من ترسبات التمذهب والطائفة التي دائما ما كانت تحركه وتحدد خياره أمام صناديق الاقتراع".
تلك المتغيرات سلطت الضوء على المشاريع الظلامية التي اعتمدتها قوى الأحزاب الكبيرة التي ساقت شعارتها واستطاعت من تضليل الناخب العراقي طيلة الفترات الماضية بحسب الحجامي.
هل تقطع "المليشيات" الطريق على الجمهور التشريني؟
عشية أحداث حي الحداد بمحافظة كربلاء، لوحت قوى احتجاجية أفرزتها مظاهرات أكتوبر، الانسحاب من الانتخابات المبكرة، كون أن البيئة غير صالحة للخروج بنتائج نزيهة وممثلة لكافة العراقيين جراء السلاح المنفلت ووقوع الاغتيالات.
وفي هذا الصدد، يبين الناشط المدني، عمار حسن، أن "الانتخابات المبكرة جاءت لمعالجة حالة اختلال في شكل وجوهر العملية الديمقراطية ما بعد 2003، في سعى لضخ قوى وطنية إلى العملية السياسية من داخل ساحات التظاهر، ولكن الأمر بات شبه مستحيل في ظل المعطيات المتوفرة".
يقول حسن في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الوصول إلى انتخابات حقيقية ممثلة وذات نتائج ممكن الوثوق بصحتها تحتاج إلى تحييد نيران قوى اللادولة وبسط القانون وضمان حرية المشاركة للجميع".
مستدركاً بالقول "الاغتيالات تطارد المنابر الحرة ومناهضي التبعية للخارج.. عن أي انتخابات نتحدث".
وسجلت مفوضية حقوق الإنسان، خلال إحصائيات كشفت عنها الأسبوع الماضي، نحو 81 محاولة اغتيال قُتل فيها 34 ناشطا، منذ اندلاع التظاهرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
بدوره، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي، باسم حطاب، أن "انسحاب القوى الممثلة لحركة تشرين من الانتخابات التي ستجري في أكتوبر، يصب لمصلحة خندق المليشيات التي تسعى إلى بث اليأس في نفوس المواطنين وتمنعهم من المشاركة في الانتخابات حتى تكون حظوظها الانتخابية ذات أوزان ثقيلة".
وينبه حطاب في حديثه لـ"العين الإخبارية"، من تداعيات الانسحاب التشريني "وما قد يعيد العراق إلى المربع الأول ويجدد اندلاع تظاهرات جماهيرية ربما ستكون أكثر ضحايا ودماء مما سجل خلال احتجاجات أكتوبر".
لكن محمد ثنوان، الذي يعمل ضمن مركز بحثي، على استطلاع شعبي لاستقراء المشهد الانتخابي، يشير إلى أن "انسحاب قوى تشرين من الانتخابات يأتي بعد إدراك قياداتهم أن منافسة الأحزاب الكبيرة التي تؤدي دوراً سياسيا مؤثراً منذ نحو عقدين، أمر صعب وأقرب إلى المستحيل".
ويستدرك بالقول : "قوى الاحتجاجات تشعر أن رصيدها الانتخابي المتوقع لن يشفع لها بلعب دور مهم في المشهد العراقي وستبقى أسيرة تحالفات مع القوى التقليدية لذا جاء قرار انسحابها".
بالمقابل، تؤكد جمانة الغلاي، المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات، خلال تصريح لـ"العين الإخبارية"، أنه بحسب القوانين والتعليمات التي تنظم عمل الاقتراع في العراق لا يحق لأي كيان الانسحاب ما بعد التسجيل والمصادقة".
المشاركة في الانتخابات مقابل القصاص
في هذه الأثناء، يستعد ناشطون للتحرك نحو العاصمة بغداد والنزول في مظاهرة احتجاجية في الـ25 من مايو/أيار الحالي، ما لم تكشف الحكومة عن قتلة الوزني والبقية من المتظاهرين الذين لقوا حتفهم بنيران المليشيات.
وينذر الشارع الجماهيري بتجدد المظاهرات بعد حادثتي الاغتيال الأخيرتين والتي خرجت جراءها مسيرات غاضبة في محافظات الوسط والجنوب.
وعلى ما يبدو فإن كربلاء اختارت لنفسها أن تكون بوصلة تلك التحركات عقب اغتيال الوزني، وما اكتسبته من تعاطف كبير من قبل التنسيقيات الاحتجاجية الأخرى.
ويوم أمس ، وفي مجلس استذكار لعزاء الناشط الكربلائي، الذي يمر أسبوع على رحيله، أصدرت مجموعة من المتظاهرين بياناً وأرفقوه بصور ، طالبوا من خلاله بإقالة قائدي شرطة وعمليات كربلاء وكذلك رئيس الحكومة المحلية.
وهددوا بالتصعيد ومقاطعة الانتخابات المقبلة إذا لم يتم الكشف عن القتلة وتقديمهم إلى القضاء .
وتزامن مع ذلك البيان، إطلاق ناشطين حملة في كربلاء تمثلت بتعليق 1000 يافطة في مختلف مناطق المحافظة، حملت صورة الوزني وإلى جانبها عبارة "من قتلني؟ أنا عراقي".
وتصدر هاشتاق اقتبس من اليافطة "من قتلني"، مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة من المتظاهرين للضغط على الحكومة بكشف مليشيات الموت أمام القضاء.
وتُتهم مليشيات وفصائل مسلحة مدعومة من إيران ، بقتل وترهيب المتظاهرين ممن يحملون أفكاراً مناوئة لساسة طهران ويرفضون التدخل في سيادة العراق.