حقول الموت.. ألغام "داعش" تفجر مزارع بيجي العراقية
المتفجرات اليدوية الصنع التي زرعها الإرهابيون لصد تقدم القوات العراقية في 2015 تثبط من عزيمة مئات العائلات للعودة إلى قراها في بيجي
في مدينة بيجي العراقية شمال بغداد، تحولت بساتين إلى حقول موت بفعل الألغام التي تركها تنظيم "داعش" الإرهابي، متسببة بمقتل أقارب وأحباء.
وتثبط تلك المتفجرات اليدوية الصنع التي زرعها الإرهابيون لصد تقدم القوات العراقية في 2015، من عزيمة مئات العائلات في العودة إلى قراها الزراعية المدمرة في محيط بيجي.
ويقول مسؤول محلي يقدم نفسه باسم أبو بشير: "أشباح داعش لا تزال موجودة، جرائمهم لا تزال تحت الأرض". وتتحول ملامح وجهه النحيل إلى الغضب حين يتحدث عن فقدان اثنين من أولاده جراء تلك "الأشباح".
ويروي: "جئنا في مارس/آذار 2018 والمنطقة موبوءة، لا مكان نأمن به، بينما كان الأطفال يلعبون، انفجرت عبوة في ابني، وكان عمره 6 سنوات أمام المنزل، فقتل على الفور".
بعد عام بالتمام، في مارس/آذار 2019، قتل ابنه الثاني البالغ من العمر 18 عاماً، بعبوة أخرى.
وترك هذان الحادثان لديه خوف كبير يحول دون إقدامه على إعادة بناء منزله الذي استحال ركاماً بفعل المعارك العنيفة بين القوات الأمنية والتنظيم الإرهابي.
ويقول: "البيت حتى الآن مدمر. لا أقدر على العمل به، لأن هناك احتمال وجود عبوات فيه. بعد مقتل ولدي صرت أخاف من أي شيء".
التربة غالية
وكذلك عانى لهيب (21 عاماً) من الإرث القاتل لتنظيم "داعش" الإرهابي، ويقول: "عدنا إلى بيوتنا، لكن بقيت المخلفات الحربية موجودة، داعش ترك لنا بيوتاً مفخخة. انفجر البيت في عمي، رأيته بعيني".
دفعت تلك الحادثة لهيب إلى الالتحاق بمجموعة "هالو تراست" غير الربحية، التي تعمل على نزع الألغام والعبوات غير المنفجرة في بيجي منذ يونيو/حزيران، في إطار عمل الأمم المتحدة المتعلقة لمكافحة الألغام (يو إن ماس).
وفي درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، يفحص العاملون في "هالو تراست" حقلاً بالقرب من بيجي بحثاً عن مخلفات تنظيم "داعش": علب بلاستيكية مفخخة مزودة بألواح ضغط ومعدة للتفجير.
وبدا أن تلك الألغام زرعت في صفوف طويلة موازية لشارع رئيسي لإعاقة تقدم القوات العراقية في حينه.
ويستخدم العاملون حفارات لتحديد خريطة الألغام، ثم ينتزعون فتيلها آلياً حتى تتمكن القوات العراقية من إخراج المكونات.
ويقول لهيب: "عندما نجلس نتكلم كأصدقاء، فكلنا رأينا الظلم أو الانفجارات، لهذا نقوم بهذا العمل".
في بيجي وحدها، أزيل 340 لغماً منذ بدء عمليات "يو إن ماس"، مع اكتشاف ما يصل إلى 25 عبوة ناسفة يومياً.
وتقول دائرة الأمم المتحدة المتخصصة بنزع الألغام: "إن نطاق التلوث الناتج عن العبوات الناسفة في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش "لا مثيل له"، حيث تم تفخيخ كل شيء، حتى العملة العراقية".
يقول أبو محمد، وهو مسؤول محلي آخر، إن الخوف من مصادر التهديد غير المكتشفة، أبقى نحو 100 أسرة بعيدة عن المنطقة.
ويوضح أن "السكان يريدون العودة والسكن في بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية، لكن عندما يرون أحدهم انفجرت فيه عبوة، وآخر استشهد، يبقون بعيدين".
ويضيف: "هذه التربة غالية علينا، ونتمنى ألا نعيش هذه الأمور، أن نفقد أحبابنا وأطفالنا ومنازلنا بلا سبب".
أرض محروقة
ولا يزال أكثر من 2500 شخص نازحين عن بيجي، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، بينما عاد نحو 15 ألف شخص إلى منطقتهم منذ ديسمبر/كانون الأول، لكن بالنسبة للجزء الأكبر منهم فقد عادوا إلى أرض محروقة.
وتنتشر في بيجي مبانٍ مهجورة، ولا تزال الثقوب وآثار الرصاص والقصف ماثلة على واجهاتها.
وتأمل "يو إن ماس" أن تسمح إزالة الألغام التي خلفها تنظيم "داعش" الإرهابي بإعادة إعمار بيجي، لكن لا تزال هناك تحديات أخرى.
فالمنطقة تحكمها فصائل عراقية عدة يشترط موافقتها على أي نشاط، ويقول العمال إن هذه الفصائل تبطئ عملهم.
ويقول أحدهم: "نحصل على تصريح من مجموعة، لكنه لا يعمل مع المجموعات الأخرى، لذلك ينتهي بنا الأمر بالذهاب إلى 4 أو 5 مجموعات مختلفة قبل أن نبدأ العمل".
ويشكو البرلمانيون العراقيون المتحدرون من المناطق ذات الأغلبية السنية، بما في ذلك بيجي، من أن الحكومة لم تخصص ما يكفي من أموال لإعادة إعمار المنطقة.
ويقول مدير المشاريع في منظمة الصحة والرعاية الاجتماعية غير الربحية في العراق إياد صالح إن "المشكلة كبيرة، لكن الجهد المقدم لحل هذه المشكلة قليل".
ويضيف: "لذلك، سنبقى سنوات على هذا المستوى الضعيف البطيء من إعادة الأعمار. سنوات طويلة لتعود مثلما كانت".