بغداد والتوازن الصعب.. ضغوط أمريكا ونفوذ طهران

وسط تصاعد التوترات بين طهران وتل أبيب، يقف العراق على حافة الهاوية، محاصرًا بين مطرقة النفوذ الإيراني من جهة، والمصالح الأمريكية الداعمة لإسرائيل من جهة أخرى، وفق موقع "ريسبونسبول ستيت كرافت" الأمريكي.
وبحسب الموقع الأمريكي فإن تصاعد المواجهات بين القوى الكبرى في المنطقة، حوّل العراق إلى مسرح غير مباشر لتبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، أدى بدوره إلى تهديد الاستقرار الهش الذي أعيد بناؤه بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات، في وقت تتحدى فيه مليشيات قوية سلطة الدولة المركزية.
وجاءت الخطوة الأمريكية بإجلاء جزئي لموظفي سفارتها في بغداد والسماح لعائلات العسكريين بالمغادرة، لتؤكد إدراك واشنطن لحساسية الوضع العراقي، خاصة بعد ورود معلومات استخباراتية عن استعدادات إسرائيلية لشن ضربات بعيدة المدى، ما جعل المجال الجوي العراقي ممرًا رئيسيًا للعمليات العسكرية للطرفين.
معضلة السوداني بين واشنطن والمليشيات
يواجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحدياً ثلاثياً: الحفاظ على الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، والسيطرة على فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، وحماية سيادة البلاد. وقد استغلت المليشيات المسلحة - خاصة ما تسمى "فصائل المقاومة" داخل الحشد الشعبي - التصعيد الإقليمي لتعزيز مطالبها بطرد القوات الأمريكية وتهديدها بشن هجمات جديدة، معتبرة إياها "أهدافاً مشروعة".
يضم الحشد الشعبي، الذي أُدمج رسميًا في المؤسسة الأمنية العراقية عام 2016 بعد دوره في مواجهة داعش، فصائل شيعية بعضها متشدد وله أجندة خاصة تتعارض مع سياسات الحكومة، بحس الموقع الأمريكي.
وقد تفاقم عداء هذه الفصائل للوجود الأمريكي بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في ضربة أمريكية عام 2020، ثم تصاعدت التوترات مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتزايدت الهجمات والخطاب العدائي ضد المصالح الأمريكية في العراق، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران.
هشاشة السيادة والدفاعات
وبحسب المصدر ذاته "تجد الحكومة العراقية نفسها عاجزة عن ضبط هذه الفصائل، التي تتمتع بقوة ونفوذ داخل النظام السياسي، ما يجعل مهمة السوداني في احتوائها شبه مستحيلة، خصوصًا إذا طال أمد الصراع بين إسرائيل وإيران".
ويزيد من تعقيد المشهد "ضعف الدفاعات الجوية العراقية، رغم الاستثمارات الأخيرة لتحديثها. فلا تزال هذه المنظومات غير مكتملة وغير قادرة على التصدي لهجمات متطورة كالغارات الجوية الإسرائيلية أو الصواريخ الإيرانية. وقد ظهر هذا الضعف بوضوح عندما أسقطت أنظمة أمريكية طائرة مسيرة إيرانية قرب القنصلية الأمريكية في أربيل".
في ظل هذه التحديات، لم يبق أمام بغداد سوى المسار الدبلوماسي، إذ أكد السوداني رفض العراق استخدام أراضيه أو مجاله الجوي لأي عمليات عدائية ضد دول الجوار، وقدم شكوى رسمية لمجلس الأمن وطالب واشنطن بمنع تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق العراق. "ومع ذلك، تبقى قدرة العراق على فرض إرادته محدودة للغاية"، وفق موقع "ريسبونسبول ستيت كرافت" الأمريكي.
تتعقد الأمور بسبب اعتماد العراق على الغاز الإيراني (الذي يولد ثلث كهربائه). أي انقطاع في الإمدادات - نتيجة الهجمات على البنية التحتية الإيرانية - قد يُسبب انقطاعات كهربائية واسعة ويفاقم الاضطرابات الاجتماعية.
التصريحات الأمريكية المتناقضة
الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة تنص على عدم استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على دول أخرى، لكن الواقع يفرض نفسه، إذ تتجاوز المصالح الأمريكية هذه الاعتبارات، خاصة في ظل النزاع الحالي.
من جهتها، صعّدت إيران من ضغوطها على بغداد، مطالبة إياها بمنع استخدام أجوائها للاعتداء على دول الجوار، وتزداد أهمية استقرار إيران بالنسبة للعراق بسبب اعتماده الكبير على الغاز الإيراني في توليد الكهرباء، حيث قد يؤدي أي انقطاع في الإمدادات إلى أزمات كهرباء واضطرابات اجتماعية تهدد استقرار البلاد.
وفي خضم هذا المشهد، تتعقد الأمور أكثر بسبب المواقف الأمريكية المتضاربة، بين تصريحات داعمة لإسرائيل وأخرى تؤكد عدم التورط المباشر في الهجمات، بينما تفسر إيران والفصائل العراقية أي دعم أمريكي لاعتراض الصواريخ الإيرانية أو تقليص الوجود الدبلوماسي على أنه "تورط فعلي في الصراع".
وخلص التقرير إلى أن "الخطر الأكبر يكمن في احتمال فقدان الحكومة العراقية السيطرة على الفصائل المسلحة، ما قد يدفع القوات الأمريكية إلى الانسحاب أو تغيير مهامها من محاربة داعش إلى الدفاع عن النفس، الأمر الذي قد يخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا تستغله الجماعات الإرهابية للعودة".
وفي ظل هشاشة الدفاعات وترابط المصالح الإقليمية، تبقى بغداد عالقة بين مطرقة التبعية لأمريكا وسندان النفوذ الإيراني، معرّضةً سيادتها واستقرارها لاختبار لم تشهد مثله منذ سنوات، وفق الموقع الأمريكي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز