محاكمات داعش في العراق.. مسار طويل الأمد
هل يمكن تخيل أن محاكمات داعش ممكن استمرارها لثلاثة عقود؟ نعم الأمر ممكن خصوصا في جرائم ذات طابع دولي مثل السجل الأسود للتنظيم الإرهابي.
فبعد مرور خمس سنوات على إعلان العراق انتصاره على داعش، يستمر فتح تحقيقات جديدة للكشف عن انتهاكات ارتكبها الإرهابيون وتقديمهم للعدالة.
وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2017، أعلن العراق انتصاره على داعش، لتنتهي بذلك ما تسمى "دولة الخلافة" المزعومة" للتنظيم الإرهابي في مارس/ آذار 2019 بسوريا المجاورة بعدما خسر معقله الأخير بالباغوز في مواجهة قوات كردية.
وبعد صعوده المفاجئ عام 2014، سيطر التنظيم لفترة قصيرة على ثلث الأراضي العراقية، وارتكب انتهاكات عديدة بحق المدنيين.
وبدحره، يتواصل مسار محاكمات عناصر التنظيم، في مهمة ستكون طويلة الأمد كما يؤكد محقّق رئيسي في الأمم المتحدة المسؤول عن الملف كريستيان ريتشر، في مقابلة مع وكالة فرانس برس بالعاصمة العراقية بغداد.
ويقول ريتشر، وهو المستشار الأممي الخاص الذي يرأس فريقا مكلفا بالتحقيق في جرائم داعش: "ما يزال هناك الكثير من العمل".
وأوضح رئيس فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من داعش (يونيتاد): "فتحنا للتو تحقيقا بشأن تدمير التنظيم الإرث الثقافي في العراق، وتدمير المساجد والكنائس والمواقع الثقافية والمتاحف".
ويضيف "ستفتح تحقيقات إضافية مستقبلا، على سبيل المثال بشأن العاصمة العراقية لتنظيم داعش التي أنشأها في الموصل" (شمال) واحتلها التنظيم بين عامي 2014 و2017".
لعقود مقبلة
ويعطي تفويض "يونيتاد" صلاحيات للفريق بإجراء "تحقيقات في الأدلة وحفظها وتحليلها"، من أجل تسليمها إلى "أي جهة قضائية في العالم قد تحتاج إليها، من الآن ولعقود عدة مقبلة"، وفق ريتشر.
ويضيف "خلال 20 أو 30 سنة، تبقى محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ممكنةً. لا يوجد تاريخ انتهاء صلاحية لذلك. ويمكن أن يتمّ الأمر في كندا أو هولندا أو ماليزيا، وطبعاً في العراق".
مسار طويل يفرضه حجم لائحة جرائم التنظيم من "إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب"، بحسب ريتشر الذي كان مدعيا عاما اتحاديا في ألمانيا ويتمتع بخبرات أكثر من 30 عاما.
وفي تقريره الأخير الذي قدمه الإثنين أمام مجلس الأمن الدولي، تحدّث فريق يونيتاد عن "استحداث" التنظيم "أسلحة كيميائية وبيولوجية واستخدامها".
وحقّق الفريق كذلك بشأن مجزرة سبايكر في شمال العراق، عندما خُطف المئات من المجندين الشباب "غالبيتهم شيعة" من قاعدة عسكرية في يونيو/ حزيران 2014 ثمّ أُعدموا، ووصل عدد الضحايا إلى نحو 1700.
ويشمل عمل "يونيتاد" كذلك التحقيق بمجزرة سجن بادوش قرب الموصل، حينما أردي المئات من السجناء، غالبيتهم شيعة كذلك. فضلاً عن الجرائم ضد الأقلية الإيزيدية التي أعدم الرجال منها وخطفت نساؤها وجرى استغلالهن في العبودية الجنسية.
وبحسب ريتشر، "ربما ستكون هناك مستقبلا محكمة مختصة بجرائم داعش تحاكم منفذي هذه الجرائم"، متحدثاً عن "محادثات جارية" بهذا الصدد، دون تفاصيل أكثر.
محاكمات واعترافات
يشدد ريتشر على أن "يونيتاد" يمكن أن تشارك فقط في "محاكمات عادلة"، أي "من دون تعذيب أو أي عنصر يتعارض مع حقوق الإنسان".
ولفت إلى أن "المحاكمات العادلة تكون قائمة على أدلة وشهود يمكنهم الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة، وضحايا يمكنهم سرد القصة كاملة وإخبار المحكمة بما حدث لهم".
وتابع: "هذا ما نسعى إليه، وليست محاكمات مستندة إلى اعترافات".
وفي بلد متعدد الطوائف والأعراق شهد في تاريخه الحديث حربا أهلية دامية، يشير ريتشر إلى العمل الدقيق على "المصالحة" الذي هو "نتيجة تحقيقات ومحاكمات عادلة يكون فيها للضحايا صوت".