أمام المسؤول العراقي فرصة عظيمة لاستعادة سيادة العراق في مواجهة التدخلات الإيرانية، فهناك إرادة شعبية وهناك تفويض شعبي
يعيش العراق انتفاضة لا يمكن النظر إليها بأنها خرجت من أجل "المستوى المعيشي أو الفساد المتفشي"، بل من يتابع شعاراتها من هتافات ضد إيران مطالبتها بالخروج من العراق وحرق علم إيران، يدرك أن الانتفاضة التي يعيشها العراق هي انتفاضة "الإرادة العربية" التي تحاول العودة بالعراق إلى الحضن العربي، والحفاظ على السيادة العراقية من التدخلات الإيرانية التي تسعى للعبث بسيادته ومقدراته، وتقوم بإضعاف الدولة العراقية عبر تأسيس المليشيات التابعة لها على غرار مليشيات بدر التي تدين بالولاء لإيران.
ما يعيشه العراق من انتفاضة عربية هو رحلة مهمة في تاريخ الأمة العربية لاستعادة وتحصين البوابة الشرقية للوطن العربي، وقطع الطريق أمام التدخلات الإيرانية التي تحاول إضعاف الدولة العربية لإتاحة المجال لها لتقوية المليشيات المسلحة التابعة لها
إن ما يحدث في العراق يختلف كلياً عما حدث في عام 2011، فهي مظاهرات لم تخرج فقط من أجل إسقاط "نظام أو حكومة، ولم تخرج فقط لمطالب اجتماعية"، بل خرجت انحيازاً للإرادة العربية، ومن ثم ما يحدث في العراق يستحق فعلاً أن يطلق عليه "الربيع العربي"، لكن تسميتها لا يعني أنها تتطابق مع "ما حدث في عام 2011"؛ لأن ما حدث في عام 2011 كان شأنا داخليا، مظاهرات خرجت من أجل مطالب لتحقيق العدالة الاجتماعية، أما ما يحدث في العراق فهو تجسيد حقيقي لمسمى الربيع العربي؛ لأن المحرك الرئيسي هو البحث عن الهوية العربية في مقابل الهوية الفارسية، والتي تحاول إيران أن تفرضها على العراق عبر مليشياتها التابعة لها، والتي تحاول قدر الإمكان ضرب علاقات العراق مع محيطه العربي.
بعد المتابعة لهتافات المتظاهرين في ساحات العراق التي يغلب عليها طابع الإرادة العربية "بطرد إيران تارة، وحرق علم إيران تارة"، والتي تؤكد أن العراقيين يتعطشون لعروبتهم ويتعطشون لعلاقات جيدة مع محيطهم العربي، ويتعطشون لأن تكون لدولتهم سيادة، وأن تكون الدولة هي من تحتكر السلاح لا وجود فيها لمليشيات تابعة في ولائها لخارج حدود العراق، ويتعطشون لدولة القانون التي تحمي المواطن العراقي، وألا يكون أحد فوق القانون، نجد أن محاولة حصر المظاهرات بالوضع المعيشي أو تقديم وعود بمحاربة الفساد هي محاولة لإيجاد حلول مؤقتة لإخماد صوت الانتفاضة العراقية العربية، لا تعالج المشكلة العراقية من جذورها، بل تتحاشى أن تضع الإصبع على جراح العراق الحقيقي الذي هو سبب أزمات العراق؛ وهي التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي، ومحاولة تحقيق السيطرة والهيمنة على العراق وتوظيفه في خدمة صراعاتها الإقليمية.
أمام المسؤول العراقي فرصة عظيمة لاستعادة سيادة العراق في مواجهة التدخلات الإيرانية، فهناك إرادة شعبية، وهناك تفويض شعبي، ومن ثم على المسؤول العراقي أن يعمل على تحويل هذه الإرادة الشعبية وهذا التفويض الشعبي، وهذه المرحلة المهمة في تاريخ العراق التي تتعطش للعودة إلى عروبتها، بأن يعمل من أجل تضييق الخناق على الوجود الإيراني في العراق، بدلا من أن يسعى إلى التعامل مع هذه الانتفاضة بالعمل على كيفية إخمادها والعمل على كتم صوت الانتفاضة، عبر اتخاذ إجراءات مثل "قطع الإنترنت" أو التساهل "تجاه اقتحامات بعض المسلحين وسائل الإعلام"، يجب توظيف الصوت العربي للشعب العراقي من أجل استعادة عروبة العراق، بدلا من قمع الصوت العربي الذي لا يخدم إلا تدخلات إيران وانتهاكاتها المستمرة في الدولة العراقية التي سعت لإضعافها في مقابل تقوية المليشيات التابعة لها والموالية لها التي تحاول القفز على الدولة.
على الصعيد العربي، ما يعيشه العراق من انتفاضة عربية هو رحلة مهمة في تاريخ الأمة العربية لاستعادة وتحصين البوابة الشرقية للوطن العربي، وقطع الطريق أمام التدخلات الإيرانية التي تحاول إضعاف الدولة العربية لإتاحة المجال لها لتقوية المليشيات المسلحة التابعة لها، ومن ثم فإن الواجب العربي يفرض دعم مظاهرات الشعب العراقي، ودعم مشروع الهوية العربية الذي تأتي للعمل على تأسيس هذا المشروع في مقابل مشروع الهوية الفارسية الذي يعبث في العراق منذ عام 2003 ومقدرات العراق ومستقبل الأجيال العراقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة