العراق في عقدين.. هكذا بدا بعد سقوط صدام حسين
3 أسابيع فقط مرت على بدء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 قبل أن يظهر مشهد الإطاحة بتمثال الرئيس الراحل صدام حسين في بغداد، عبر ملايين الشاشات حول العالم.
ففي التاسع من أبريل/ نيسان 2003، دخلت تلك الصورة الذاكرة الجماعية وظلت عالقة فيها مع كل ما رافقها من حيثيات مثقلة بأسئلة مفتوحة حتى اليوم.
واليوم، ينقضي عقدان على تلك الأحداث، وما بين سقوط صدام حسين وبعده، تتواتر فصول قاتمة في بلد اجتاحته الفوضى والعنف وما يمكن أن تخلفه الآفتان من ارتدادات قاتلة.
20 عاما على الغزو الأمريكي للعراق.. صفحات الفوضى وسنوات الصراع
نقطة ارتكاز حادة بمنعطف التاريخ العراقي منحت العديد من سكانه أملا بتغيير من نوع ما، لكن الوقائع على الأرض كانت صادمة إلى درجة إدراك حقيقة أن سقوط النظام السابق لم يكن سوى بداية لحقبة جديدة من الصراع والفوضى.
"أرقص مثل المجنون"
عندما أطاحت قوات تقودها واشنطن بصدام حسين في عام 2003، احتفل المواطن العراقي عادل عامر بما ظن أنه مؤشر على نهاية عقدين من الحرب والعزلة في ظل العقوبات التي عصفت بالعراق وشعبه.
وقال عامر لوكالة رويترز: "كنت أرقص مثل المجنون فرحا، ولم أصدق أن صدام قد رحل. كنت أشعر مثل الطائر الذي أطلق من القفص".
لكن اتضح أنها مجرد بداية لحقبة أخرى من الصراع والفوضى شهدت أعمالا مسلحة، وتصاعدا لعنف الإرهابيين وفتنة طائفية عمقت معاناة عامر، البالغ من العمر الآن 63 عاما، وعائلته.
بدأت متاعب عامر قبل وقت طويل من الغزو الذي بدأ في 20 مارس/آذار 2003. وكان قد ترك الجيش خلال حرب صدام مع إيران في الثمانينيات.
ويضيف عامر مسترجعا ذكرياته: "لقد سئمت من مواجهة الموت طول الوقت، وأنا أنظر إلى رفاقي يقتلون أو يتقطعون إلى أشلاء بسبب شدة القصف الإيراني المستمر دون انقطاع".
وقاوم دموعه وهو يتحدث وأخرج صورة قديمة له ولزملائه الجنود عندما كان في العشرين من عمره داخل خندق خلال الصراع الذي أودى بحياة مليون شخص.
ويتابع عامر ذو اللحية البيضاء "قلت لنفسي إن الوقت قد حان للهروب من خدمة الجيش. كنت أعرف أني قد أعدم إذا ما تم القبض عليّ، لكن البقاء على قيد الحياة كان يستحق المحاولة. قمت بالهرب. هذا هو السبب أنني ما زلت على قيد الحياة اليوم". وبدا ضعيفا ومتعبا بعد حياة من المعاناة.
فر عامر من منزل عائلته الواقع في منطقة ريفية بالقرب من مطار بغداد؛ ليعيش في بستان يملكه صهره. وأطلق لحيته الطويلة وعمل مزارعا حتى لا تعثر عليه قوات الأمن التابعة لصدام حسين.
ولاحقا، تجنب عامر الخدمة العسكرية خلال احتلال العراق للكويت، لمدة سبعة أشهر، حتى بعد أن أصدر صدام مرسوما يقضي بقطع جزء من آذان الفارين أو وضع علامة (X) على جباههم، وفقا لبعض التقارير.
خيبة أمل
عندما انتهى حكم صدام طويل الأمد في عام 2003، أقام عامر حفلا مترفا في منزله. ظن أنه لن يضطر أبدا إلى الهرب للنجاة بحياته مرة أخرى بعد أن سيطرت القوات الأمريكية على البلاد.
وحينها، وعد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وجنرالاته بتحقيق ديمقراطية مزدهرة واقتصاد ناجح، لكن بدلا من ذلك، اندلع المزيد من العنف.
وبدأ تنظيم القاعدة حملة أعمال مسلحة مدمرة، إذ أطلق القنابل وقطع رؤوس الناس. وسرعان ما غرق العراق في حرب أهلية طائفية بين عامي 2006 و2008 كانت في معظمها طائفية، وكان من الممكن رؤية الجثث تطفو على سطح الأنهار.
البحث عن الأحباء
عاد عامر والملايين غيره ليعيشوا مجددا تحت وطأة الخوف بعدما قامت جماعات مسلحة بإرهاب العراقيين ومحاربة القوات الأمريكية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2004، قام مسلحون ينتمون لتنظيم القاعدة باختطاف والد عامر وشقيقه وابن عمه من حقل للعائلة كانوا يعملون فيه ونقلوهم إلى مكان مجهول.
وقال عامر "لقد كنت مصدوما ومحطما، وأشعر بالخوف من أن الأسوأ سيحصل لوالدي وأخي وابن عمي. لم أكن مستعدا للعيش تحت الخوف من جديد".
وأمضى عامر نحو عام في محاولات لمعرفة مصير أحبائه، وكثيرا ما كان يتردد على المشرحة في بغداد حيث تصل الجثث مجهولة الهوية للقتلى الذي يسقطون في أعمال عنف طائفية.
وتابع قائلا "بعد سنة من اختطاف أبي وأخي وابن عمي، جاءت الشرطة لمنزلي وطلبوا مني الذهاب إلى مركز حفظ الجثث الرئيسي في بغداد بعد عثور الشرطة على بقايا ثلاث جثث في مستنقع ليس ببعيد عن منطقتي".
ويتذكر عامر كيف ذهب إلى المشرحة في بغداد ورأى جثثا مكدسة بعضها فوق بعض في كل مكان بالمبنى.
وأردف: "تعرفت على جثة واحدة عن طريق الساعة اليدوية التي كانت لا تزال موجودة على عظم اليد. كانت تعود لأخي كاظم".
واستلم الجثث ودفنها في اليوم التالي في مدينة النجف، وأقام سرادق عزاء في نفس المكان الذي احتفل فيه بسقوط صدام عام 2003.
ثم عاد عامر ليتوارى عن الأنظار مرة أخرى، ونادرا ما كان يخرج إلا لشراء طعام لزوجته وبناته الثلاث.
وبعد طول عناء بدأت الأمور تتحسن، وحصل عامر على وظيفة في شركة إنشاءات أجنبية عام 2010.
جحيم
لم تكد تمر ثلاث سنوات حتى عادت الأزمات، واعتقل مسلحون عامر نفسه، وكالت له الضربات قبل أن تلقي به على جانب طريق وبه كسور في ذراع وضلع وثلاث من أسنانه.
وروى عامر بعض محنته الجديدة قائلا: "قالوا لي إنني يجب ألا أعمل مع شركة أمريكية، لأن هذا سيجعلني بالظبط كجاسوس".
واستطرد يقول: "كان من الصعب علي تقبل هذا الموقف. قلت لنفسي إنني لم أعان كثيرا تحت حكم صدام لأنتهي بخسارة أفراد عائلتي على يد الإرهابيين. ومن ثم أعذب وتتم إهانتي على يد أبناء طائفتي فقط لأنني كنت أحلم بحياة أفضل".
اضطر عامر لترك عمله خوفا على حياته وقرر الفرار إلى تركيا في عام 2015، ودفع خمسة آلاف دولار مقابل الحصول على جواز سفر مزور للهرب إلى أوروبا عبر اليونان، إلا أن الشرطة في مطار أثينا ألقت القبض عليه واحتجزته أسبوعا قبل أن تعيده إلى تركيا.
وختم تجربته المريرة بالقول: "سئمت من بلدي. كان البقاء في العراق مثل الجحيم بالنسبة لي. قررت الاستمرار في محاولة الهجرة حتى لو كلفني الأمر حياتي".
aXA6IDMuMTUuMTIuOTUg جزيرة ام اند امز