العراق يدخل معركة «الكتلة الأكبر».. طريق معقد إلى تشكيل حكومة جديدة
تتحرك الخريطة السياسية في العراق كما لو أنها رقعة شطرنج تعيد ترتيب قطعها بعد كل انتخابات، وفي ظل هذا الحراك المتسارع، تتحول «الكتلة الأكبر» إلى اللاعب الأخطر، ويغدو تشكيل الحكومة المقبلة رحلة بحث طويلة عن توازن هش بين شركاء متنافسين.
فلم تكد ترفع صناديق الاقتراع، حتى اندفعت الكتل العراقية إلى سباق محموم لتثبيت مواقعها في معركة تشكيل الحكومة، أولها قوى الإطار التنسيقي، التي تفرّقت انتخابيًا وفق تكتيك مُجرَّب في انتخابات مجالس المحافظات، أكدت أكثر من مرة أنها ستعود إلى طاولة الإجماع الشيعي لتشكيل وإعلان الكتلة الأكبر خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس النيابي.
- العراق وتحالفات ما بعد الانتخابات.. هل يعود السوداني؟
- لعراق ومعضلة تشكيل الحكومة.. الآلية والسيناريوهات
وعادة ما يدخل المشهد السياسي مرحلة تتقاطع فيها الحسابات الداخلية مع تأثيرات الجوار، وتزداد فيها التوقعات بمرحلة حكومية شديدة التعقيد، وتتسم بالتعقيد والمساومات، حيث تبدأ رسميًا عملية تشكيل الحكومة وفق مسار دستوري من 4 مراحل أساسية تشمل انتخاب رئيس البرلمان، ورئيس الجمهورية، وتكليف رئيس الوزراء.
وتبدأ هذه المرحلة فور إعلان النتائج، مرورًا بمرحلة الطعون والاعتراضات، وصولاً إلى مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية، والتي من المتوقع ألا تتجاوز عادة (10–15) يومًا بعد إعلان النتائج، وتنتهي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
الكتلة الأكبر في الواجهة
النتائج الأولية أظهرت تقدّم تحالف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بـ46 مقعدًا، يليه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بـ29 مقعدًا، ثم تحالف تقدّم بزعامة محمد الحلبوسي بـ29 مقعدًا.
غير أنّ تحديد الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد—التي ستُكلَّف بتسمية رئيس الوزراء—سيُحسم عبر مفاوضات ما بعد الانتخابات وليس بعدد المقاعد المُعلَن فقط، وهو ما يفتح الباب أمام تحالفات متغيرة وصراع سياسي متوقع.
المرحلة الأولى: الطعون والمصادقة
يوضح الخبير القانوني من محافظة البصرة حميد العبادي أن أمام المرشحين 3 أيام لتقديم اعتراضاتهم على النتائج، حيث تتولى لجنة قضائية خاصة النظر في هذه الطعون خلال 10 أيام قبل رفع النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة.
المرحلة الثانية: انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان
ويوضح العبادي في حديثه لـ«العين الإخبارية» أنه «بعد المصادقة، يملك رئيس الجمهورية مدة 15 يومًا للدعوة إلى الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، والتي سيديرها النائب الأكبر سنًا بموجب الدستور، ويجري خلالها انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه».
ورئاسة البرلمان ستذهب لصالح المكوّن السني، فيما يكون النائب الأول من حصة الشيعة والنائب الثاني من حصة الأكراد، بحسب العُرف السائد منذ عام 2003.
المرحلة الثالثة: انتخاب رئيس الجمهورية
وأضاف العبادي أنه «يتعيّن على البرلمان انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يومًا، وبأغلبية الثلثين (220 صوتًا) في الجولة الأولى، وإن لم تتحقق، تُجرى جولة ثانية بين أعلى مرشّحَين. ويُسند هذا المنصب، بحكم الأعراف السياسية، إلى مرشح كردي. وبعد انتخابه، يقوم الرئيس بتكليف الكتلة البرلمانية الأكبر بتقديم مرشحها لرئاسة الوزراء».
المرحلة الرابعة: تشكيل الحكومة
بعد التكليف، تبدأ الأحزاب مفاوضات مكثفة لتشكيل التحالفات وتأمين أغلبية مريحة للتصويت على الحكومة. ويملك رئيس الوزراء المكلّف 30 يومًا لتقديم تشكيلته الوزارية إلى البرلمان لنيل الثقة.
تحديات وتأخير متوقع
ويقول الباحث في الشؤون الانتخابية جليل العوادي لـ«العين الإخبارية» إن المشهد السياسي الحالي ينذر بتأخيرات طويلة في تشكيل الحكومة، شبيهة بما حدث بعد انتخابات 2021.
وأضاف: «التنافس الحاد بين القوى الرئيسية وتعدد مراكز النفوذ الإقليمية والدولية قد يعطل التفاهمات، خصوصًا حول منصب رئيس الوزراء».
وأشار إلى أن قضية «الكتلة الأكبر» ستكون العامل الحاسم الذي سيحدد شكل الحكومة المقبلة.
وتابع: «متغيرات عدد المقاعد وتوزيع الأوزان ستعيد برمجة خريطة الطريق لتقديم مرشح رئاسة الحكومة بالتوافق الداخلي ومع القوى السنية والكردية. ويُتوقع أن تكون هذه الدورة الأسرع في تاريخ تشكيل الحكومة، إذ يمكن طرح الكتلة الأكبر واختيار أو تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة نسبيًا».
الولاية الثانية.. محور الخلاف
بدوره، يقول قيادي كبير في ائتلاف السوداني لـ«العين الإخبارية» إن المالكي وائتلافه هم من يعارضون منح السوداني ولاية ثانية.
وأوضح: «يسعى ائتلاف دولة القانون إلى تثبيت معادلة تمنحه الدور الأكبر في ترشيح رئيس الوزراء واستعادة نفوذه داخل المؤسسات الحكومية، بينما يركز تحالف الإعمار والتنمية على استمرار ولاية السوداني وتجديدها».
وأضاف: «بدأ الطرفان جولات تفاوض سرّية مع قوى شيعية وسنية وكردية في محاولة لتأمين ثقل برلماني يضمن موقعًا متقدّمًا على طاولة تشكيل الحكومة»، مؤكدًا أن بعض الكتل بدأت بالفعل تقديم «شروط أولية» تتعلق بالمناصب السيادية والاقتصادية والخدمية.
وكشف أن السوداني سيزور أربيل للقاء القادة الكرد، وستتضمن المباحثات ملف تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
وأضاف أن «المالكي يدرك أن أي تحرك من السوداني نحو القوى السنية والكردية سيجعله قادرًا على تشكيل الثلث الضامن، أو ما يسمى بالثلث المعرقل، وهو الخيار نفسه الذي لجأ إليه الإطار الشيعي عام 2021 لمنع مقتدى الصدر من تشكيل حكومة أغلبية وطنية».
وتابع: «تفوق السوداني في المحافظات الشيعية يمنحه قاعدة شرعية للتفاوض، لكنه يحتاج إلى ائتلاف عابر للطوائف لتجنب تكرار تجربة 2021».
تحركات سرية خلف الكواليس
ووفق القيادي في ائتلاف السوداني، فإن «هناك اجتماعات مغلقة تُعقد بين قيادات الطرفين (ائتلاف المالكي والسوداني) لبحث احتمالات التفاهم، وسط أجواء توتر نتيجة تباين الخطابات العلنية وتبادل الرسائل السياسية».
وتابع: «التقديرات تشير إلى أن الأسابيع المقبلة ستشهد إعادة تموضع عدد من القوى، ما يعني أن الكتلة الأكبر في البرلمان ما تزال غير محسومة، وأن التحالفات قابلة للتغيّر حتى المصادقة النهائية على النتائج».
ومع استمرار تحركات الكواليس وتصاعد الخطاب السياسي المتبادل، تبقى ملامح المرحلة المقبلة غامضة، فيما يترقب الشارع العراقي نتائج جولات التفاوض التي تجري خلف الأبواب المغلقة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA== جزيرة ام اند امز