انتحاريا بغداد يبعثان ذكريات الأحزمة الناسفة.. 3000 داعشي بالعراق
أعاد تفجيران انتحاريان عند ساحة الطيران في الباب الشرقي من العاصمة العراقية بغداد للعراقين ذكريات الأحزمة الناسفة الدامية والمؤلمة.
صباح دام جديد يضرب بغداد بـقوة بلغت أكثر من 140شخصاً بين قتيل وجريح، بعد أن أقدم انتحاريان على تفجير نفسيهما بالمنطقة ذات الحركة والحراك شبه المستمر عند ساحة الطيران في الباب الشرقي من العاصمة بغداد.
يعيد ذلك الهجوم ذاكرة العراقيين إلى مشهد غادروه قبل سنوات عدة، عندما كانت الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة تحصد أرواح العشرات من الأبرياء بين الحين والآخر.
وعلى الرغم من أن السلطات الأمنية استطاعت استرجاع المدن التي اغتصبها داعش في أحداث يونيو/حزيران 2014، وتجريده من مصادر قوته اللوجستية والبشرية، إلا أنه عاد مجدداً بتنظيم صفوف مسلحية وتنشيط خلاياه النائمة ومسك زمام القدرة ثانية في تهديد المدن وشن الهجمات.
استراتيجيات داعش الهجومية
ظلت استراتيجيات الهجوم التي يتبعها التنظيم الإرهابي منذ مطلع العام الماضي، تتركز على الاشتباك والانسحاب واتباع الضرب من وراء الجدران، دون أن تؤشر إلى محاولة تفجير انتحاري وسط المدن العراقية منذ ما يقرب الـ4 سنوات.
وخلال العمليات العسكرية التي تستهدف مطاردة عناصر داعش عقب إعلان النصر النهائي والإطاحة بـ"دولته المزعومة"، تمكنت القوات الأمنية من القبض على عدد من الانغماسين (المنضوين تحت تنظيم داعش) الذين يرتدون أحزمة ناسفة في عمليات متفرقة من العراق.
ومنعت معلومات منظومة الأمن العراقي الاستخبارية من وقوع عمليات انتحارية عديدة، من بينها تفجير انغماسي يرتدي حزاماً ناسفاً في ديالى، كان يخطط لمهاجمة المحتفلين بأعياد السنة الميلادية 2021، وسبقها كذلك مقتل آخر بعد أن حاصرته طائرات التحالف، يتبعها على الأرض قوة عسكرية تابعة للشرطة الاتحادية بمحافظة كركوك.
وكان مراقبون وخبراء أمن حذروا في وقت سابق من تنامي خطر تنظيم داعش وانبعاث قدراته الهجومية مجدداً.
ودعوا صناع القرار العسكري في العراق إلى اتخاذ خطط ومعالجات تبتعد عن "الكلاسيكية" المعتمدة في تعقب ومواجهة التنظيم.
ومع عودة تهديدات داعش إلى المدن، إلا أن العاصمة العراقية بقيت عصية أمام هجماته حتى الـ9 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما هاجم عدد من مسلحيه باستخدام القنابل اليدوية والبنادق برج مراقبة عسكري بمنطقة الرضوانية، جنوب غرب بغداد، أسفر عن سقوط أكثر من 11 قتيلاً وجريحاً.
كانت تلك الخروقات بمثابة الإعلان الرسمي عن قدرة داعش على بسط سلاحه ونشر ملسحيه في المكان والزمان الذي يختاره ويقصد مهاجمته. فيما تصاعدت حدة التحذيرات التي تطالب بتحصين المدن والانتباه إلى مواضع الثغرات التي قد يستغلها التنظيم.
تفجير بغداد مختلف
وحتى صباح اليوم، الخميس، بقيت المنظومة الأمنية العراقية تتعامل مع تهديدات داعش من منطلق ردة الفعل وتعقب مواضع الاستهداف بحسب الخبير الأمني، مازن الشهواني.
ويؤكد الشهواني أن التفجيرين الانتحاريين اللذين استفاق عليهما سكان العاصمة بغداد، هي نتائج متوقعة لحالة الضعف في عقلية المخطط الأمني العراقي وعجزه عن قراءة خطط داعش بمعطيات اليوم.
ويتابع الشهواني في حديث لـ"العين الإخبارية"، "الهجمات الانتحارية وضمن ذلك التوقيت أريد من خلالها إرسال رسائل معنوية ونفسية أكثر من كونها عمليات إسقاط ضحايا".
وبين أن "طريقة الاستهداف بالأحزمة الناسفة وفي عمق قلب العاصمة بغداد، المقصود من ورائها إثارة الهلع والتذكير بالأيام الدامية التي عاشها العراق خلال سنوات طويلة خلت".
بدوره يلفت الخبير الاستراتيجي والمختص بقضايا الأمن، شاكر السراج، إلى أن هجمات ساحة الطيران أزاحت النقاب وبشكل رسمي عن ضعف وخواء الجهاز الأمني وغياب مجساته الاستخبارية".
ويستدرك بالقول في تصريحات لـ"العين الإخبارية" "الهجوم الانتحاري يحمل في طياته الكثير من الأسئلة والاستفهامات وعلى المسؤول الأمني أن يجيب عليها، بينها من أين جاء الانتحاري؟ وكيف تم تجهيزه بحزام ناسف؟ وكيف استطاع بعد ذلك من الوصول إلى مكان الاستهداف؟".
ويتابع السراج: "مؤشرات ذلك الهجوم تؤكد أن التنظيم يمتلك حواضن وملاذات آمنة ليست مقتصرة عند المناطق الصحراوية وأطراف الحدود وإنما خلاياه السرطانية في عمق المدن وداخل الأماكن الحساسة".
3 آلاف داعشي بالعراق
وقدمت تقارير أمنية، في وقت سابق، معلومات تتعلق بأماكن وجود تنظيم داعش في العراق والخطط الاستراتيجية الجديدة التي يتبعها في شن الهجمات.
وأكدت أن أعدادهم تصل إلى نحو 3 آلاف مسلح.
وبينت تلك التقارير أن مسلحي داعش يتخذون من صحراء الأنبار والقائم باتجاه سوريا والأردن، وصولاً إلى ربيعة في نينوى وصلاح الدين، ملاذات وقواعد مريحة.
كما أشارت إلى حواضن للأرهاب في محافظة بابل وأطراف العاصمة بغداد.
المحلل السياسي، واثق الجابري، يرى أن الضعف الأمني زحف من مناطق الحدود والقرى باتجاه المدن وليس انتهاءً بالعاصمة بغداد.
ويشير إلى أن "تفجيرات ساحة الطيران التي ضربت الباب الشرقي من بغداد، قصد التنظيم من خلالها ضرب الشواخص العالية لإحداث انهيارات نفسية ومعنوية داخل الفرد العراقي وإضعاف ثقته بقدرة الأجهزة الأمنية".
ويعطف بالقول: "اختيار تفجير ساحة الطيران -المكان الأكثر ضجيجا والرابط الحيوي مع مراكز التبضع الرئيسية ببغداد- الهدف منه إرباك الوضع المعاشي وتعطيل اقتصاديات المواطن، فضلاً عن أبعاد ذلك الأمنية والسياسية".
ورغم أن الهجوم الانتحاري لم تتبناه تنظيمات داعش لغاية الآن، إلا أن جميع المؤشرات وأساليب الاستهداف والتفنيذ تؤكد ارتباط هكذا عمليات بتلك المجاميع الأرهابية.
وتقع ساحة الطيران عند المدخل الأمامي لمنطقة باب الشرقي، وتبعد نحو 300 م عن ساحة التحرير التي تعد المنصة الاحتجاجية الأكبر في العراق والمعقل الرئيسي للمتظاهرين.
وبحسب آخر الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة الصحة العراقية جراء الهجوم الانتحاري المزدوج، فقد بلغ عدد الضحايا 32 قتيلا ونحو 110 مصابين.
ويعد التفجير الانتحاري هو الأول من نوعه في العاصمة بغداد منذ إعلان النصر النهائي على تنظيم داعش باسترجاع آخر معاقله في الموصل عام 2017.