من جديد يشهد العالم عملية إرهابية وحشية بأيادي تنظيم داعش الإرهابي، بفرعه "داعش خراسان" في أحد صالات الموسيقى، في التجمع التجاري "كروكوس سيتي" بضواحي موسكو، في هجوم مروع وغادر على المدنيين الأبرياء الذين كانوا يستمتعون بأمسية موسيقية.
وللهجوم الوحشي تأثيرات وتداعيات عميقة، خصوصاً مع توقيته المتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية، ما يجعل التنبؤ بتداعيات الهجوم على العلاقات الدولية معقداً، خاصة مع تنامي الأنشطة الإرهابية لتنظيم داعش خراسان، حيث تأتي الهجمات في سياق تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين هذه الأحداث وتنفيذ هجمات داعش.
فهل تستغل داعش الأحداث الدولية لتنفيذ أجندات استخباراتية؟ أم أنها مجرد تجليات لأيديولوجيتها المتطرفة؟ فالحدث مروع ويستحق النظر العميق والتحليل الدقيق.
فقد يُعتبر الحادث بمثابة نسخة روسية من أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، فإن الاتهامات الموجهة نحو أوكرانيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة، باعتبارهم جهات معادية لموسكو، تضعنا في مأزق تحليلي معقد دون وجود أدلة كافية.
وبالإضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي نتجت عن الهجمات، فإن لها تأثيرات وتداعيات على الصعيدين السياسي والأمني، فتصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات والصراعات الإقليمية والدولية.
هناك دوافع متعددة وراء استهداف "داعش خراسان" لروسيا، بما في ذلك العداء التاريخي والسياسي بين التنظيم الإرهابي وروسيا، فضلاً عن دور روسيا في دعم سوريا عبر مكافحة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في المشهد السوري.
ولا أتفهم سبب العداء لو كان ديني الطابع، خاصة أن في روسيا 6 آلاف مسجد وملايين المسلمين الذين يتمتعون بكامل حقوقهم في العبادة.
المسألة أبعد من ذلك، فتوقيت العملية الإرهابية في موسكو غريب، ويتزامن مع فوز الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات الروسية، خصوصًا لو علمنا أن بوتين يمكنه البقاء في منصبه حتى عام 2036، بموجب التغيير الدستوري في العام 2020، ما قد يفسر أن من يقف خلف الهجوم أراد التشكيك في قدرة بوتين على ضبط الأمن في الداخل الروسي، بهدف زعزعة ثقة الشعب الروسي في قيادته.
و"داعش خراسان" الذي تأسس مطلع عام 2015، هو فرع لتنظيم داعش ويعمل في منطقة خراسان، وهي منطقة تاريخية تمتد عبر جزء من أفغانستان وباكستان، وبعض المناطق المجاورة.
ويُعتبر "داعش خراسان" فرعا مهما لتنظيم "داعش" خارج العراق وسوريا، ويُعتقد أن هذا الفرع يستخدم أساليب عنف متطرفة لتحقيق أهدافه، وتصاعد نشاطه يجعل من الضروري التصدي لهذا التهديد بشكل فعال، فالظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية قد تجعل الشباب عرضة لتجنيد التنظيمات الإرهابية، ما يتطلب تجديد جهود مكافحة الإرهاب الدولية.
وقد يرجع تنامي عمليات داعش الإرهابية في الوقت الراهن إلى عدة عوامل، تتفاعل مع بعضها البعض لتسهيل نمو التنظيم، ولعل أبرزها الفراغ الأمني في المناطق التي ينشط فيها التنظيم، مما يتيح له الفرصة لتنفيذ الهجمات وتوسيع نطاق نشاطه، بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية والاجتماعية في مناطق تواجد التنظيم والتي قد تزيد من جاذبيته، وتوفر له البيئة المناسبة لتجنيد المقاتلين، كما قد يحصل تنظيم داعش خراسان على دعم من جماعات متشددة أخرى، أو جهات خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وهذا الدعم قد يشمل التمويل والتسليح والتدريب.
وقد تتعرض عدة مناطق في العالم إلى عمليات إرهابية مماثلة، لو لم تتحد الجهود الدولية في تبادل المعلومات الأمنية حول تنظيمات الإرهاب والتطرف، وخصوصاً أوروبا التي تستضيف فعاليات رياضية عالمية مهمة في العام 2024، وأهمها بطولة أمم أوروبا في ألمانيا، ودورة الألعاب الأولمبية في باريس، ولعل الخطر الأمني في أوروبا يتمثل في التنوع الثقافي والديموغرافي من المجتمعات المتنوعة، وتحديات اندماج الأقليات المهاجرة، بالإضافة إلى خطر عودة العديد من المقاتلين الأجانب الذين اشتركوا ضمن تنظيمات إرهابية متطرفة.
كما قد تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنشطة إرهابية نتيجة للتوترات الجيوسياسية الراهنة، وأضيف مناطق وسط وشرق آسيا، مثل أفغانستان، وباكستان، والفلبين، وإندونيسيا، ومناطق دول الساحل الأفريقي، ووسط أفريقيا، بسبب الفراغ الأمني التي تشهده تلك المناطق.
والتهديد الإرهابي ليس مقتصرًا على منطقة محددة، بل يشمل عدة مناطق في جميع أنحاء العالم، وهذا يتطلب التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة بكل الوسائل المتاحة، وتبني استراتيجيات متعددة الأبعاد لمواجهة مخاطر التهديدات، وذلك على الرغم من وجود الصراعات الدولية والحروب الإقليمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة