داعش موزمبيق يصنع سرديته في «فراغ الدولة».. 3 سيناريوهات

في أقصى شمال موزمبيق، حيث تمتد الغابات الكثيفة والمجتمعات المهمّشة، عاد تنظيم «داعش» ليبث الرعب من جديد، في تصعيد دموي هو الثاني من نوعه خلال أقل من شهر.
تصعيد ليس مجرد تطور أمني، بل رسالة استراتيجية مفادها أن «داعش» يرفض الانكفاء، بل ويعيد ترسيخ وجوده في منطقة غنية بالغاز، هشة أمنيًا، وتفتقر إلى الاستجابة التنموية الكافية.
ومع دخول شركة «توتال إنرجيز» مجددًا على خط استثمار الغاز الطبيعي في كابو ديلجادو، يبدو أن التنظيم وجد في ذلك ذريعة لضرب رموز «الوهم الاستثماري»، بحسب تعبير أحد قادة الجماعة في بيان صوتي غير مؤكد.
وقتل أكثر من عشرة جنود في هجوم مباغت على قاعدة عسكرية قرب مدينة ماكوميا، في مقاطعة كابو ديلجادو، في حادث، تبناه التنظيم، في رسالة تشير إلى أنه: لا زال هنا، أكثر مرونة وجرأة من أي وقت مضى.
كابو ديلجادو تحت النار
وبينما تسعى الحكومة الموزمبيقية جاهدة لاستعادة السيطرة على الإقليم الذي شهد مذبحة مدينة بالما، عام 2021، يفضح الواقع على الأرض هشاشة هذا المسعى.
ووفق بيانات منظمة ACLED، فقد خلف التمرّد المستمر منذ 2017 أكثر من 6 آلاف قتيل، وأجبر مليون مواطن على النزوح. لكن ما يثير القلق أكثر هو التحول في طبيعة الهجمات، من عمليات عسكرية محدودة إلى استهداف للرموز الاقتصادية والبيئية معًا.
ولم تكن هذه الهجمات معزولة، إذ قُتل هذا الشهر 11 جنديًا في هجوم مماثل، بينما شهدت مقاطعة نياسا هجمات على محمية طبيعية أوقعت قتلى من حراس الغابات، وشرّدت مئات السكان، في موجة عنف تكشف عن تمدد جغرافي وتصعيد همجي مقلق.
الطبيعة لم تسلم من العنف
فتح الهجوم على محمية "نياسا" البيئية، إحدى أضخم المساحات البرية المحمية في أفريقيا، جبهة جديدة غير متوقعة، ففي منطقة كانت تُراهن عليها الحكومة في مشاريع التنمية السياحية، تحدث سكان عن قيام عناصر التنظيم بفصل رؤوس ضحايا في أحد مخيمات السفاري، في رسالة متعمدة لإرهاب السكان ومنع أي وجود للدولة.
وتحوّلت المحمية إلى «منطقة سوداء» أمنياً وبيئياً، مما يهدد مستقبل الاستثمارات البيئية برمّتها.
3 سيناريوهات
في ضوء ذلك التصعيد، تلوح في الأفق ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول: عودة تدريجية للسيطرة
فبدعم من قوات رواندا ودول مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)، قد تنجح موزمبيق في استعادة المبادرة، بشرط توافر خطة شاملة تشمل التنمية والتأهيل النفسي للمجتمعات المتضررة.
الثاني: تمدد مستمر للتنظيم
حذر خبراء من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه من ضعف استخباراتي وتفكك حكومي، فإن التنظيم سيواصل التمدد والضربات الخاطفة، مما يجعل الشمال مسرحًا لحرب عصابات طويلة الأمد.
الثالث: عدوى إقليمية
أما «أسوأ» السيناريوهات -بحسب خبراء- فيتمثل في امتداد العنف إلى دول الجوار، مثل تنزانيا وملاوي، ما قد يشعل أزمة إرهابية عابرة للحدود يصعب احتواؤها لاحقًا.
فمن ينتصر في «صراع السرديات»؟
يقول ماتيو نديما، الباحث في معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا (ISS)، إن تنظيم داعش «يفهم طبيعة الأرض والناس أكثر مما تفهمهما الحكومة المركزية».
وأوضح: كلما حاولت الحكومة إظهار صورة الاستقرار، يأتي التنظيم بضربة مدروسة لتفكيك هذه الرواية... هو صراع سرديات قبل أن يكون صراع رصاص".
بينما يرى الباحث السنغالي أليو سال، الخبير في شؤون التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل، لـ«العين الإخبارية» أن تنظيم داعش في موزمبيق «أعاد بناء نفسه على مهل، مستفيدًا من الوقت الذي وفرته العمليات العسكرية المشتّتة، وضعف القدرات الاستخباراتية المحلية».
وأوضح الخبير في شؤون التنظيمات الإرهابية، أن «داعش لم يعمل فقط على نشر الرعب، بل يرسل رسائل مركبة: استهداف السياحة والبيئة، الاستثمار في الهوامش المجتمعية، والتغلغل في العمق الشعبي.. هذا ليس مجرد تمرد، بل مشروع تجذير طويل الأمد».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzcg جزيرة ام اند امز