"ما بعد داعش" في الرقة وأخواتها.. مقابر وأنفاق وقنابل تنهش الإنسانية
"العين الإخبارية" في أكثر مناطق العالم سخونة بالأحداث
بالفيديو والصورة والكلمة.. مهمة صحفية محفوفة بالمخاطر والألغام، تظللها الخلايا النائمة في أكثر مناطق العالم سخونة بالأحداث في سوريا
بالفيديو والصورة والكلمة، مهمة صحفية محفوفة بالمخاطر ومليئة بالألغام، تظللها الخلايا الإرهابية النائمة في أكثر مناطق العالم سُخونة بالأحداث.. مهمة إنسانية وصحفية ميدانية عايشتها "العين الإخبارية" خلال 21 يوماً من الحياة الصعبة في أماكن عدة، حيث كان يوجد تنظيم داعش الإرهابي.
من مدينة الرقة السورية، العاصمة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي، وكوباني (عين العرب)، وعين عيسى، وتل أبيض (كري سبي)، وصولاً إلى القامشلي (قامشلو) وغيرها من مناطق شمال شرقي سوريا، ينقل هذا التقرير الصحفي الموسع (يضم 4730 كلمة، 14 فيديو، 41 صورة، ضمن 5 محاور)، الحياة الإنسانية المأساوية في مرحلة "ما بعد داعش"، ويرصد الجرائم المرتكبة ضد الأهالي، تتخللها مقابلات مع الضحية والجلاد وصاحب القرار.
في الرقة، تدخل "العين الإخبارية" الأنفاق المُرعبة التي حفرها تنظيم داعش الإرهابي في جسد الإنسانية، بعد حوالي شهر واحد من القضاء نهائيا على التنظيم، وتعايش آلام المدفونين في المقابر الجماعية التي طمرها الإرهاب بأجساد الآلاف من ضحاياه الأبرياء من دون إنسانية، وتقف في ساحة النعيم "ساحة الجحيم" التي كانت مكاناً للذبح وقطع الرؤوس، وترصد حياة النازحين في المخيمات التي تفتقر إلى توفير أبسط مستلزمات الحياة الطبيعية للإنسان.
هي الحياة بكل تفاصيلها في مناطق الخوف والخطر، حيث يقف المتابع مذهولا أمام عهد مليء بالمجازر، في عالم من الرعب والوحشية ضد الأبرياء، والصراع بين الموت والحياة، وجهود قوات الأمن والمنظمات الأهلية في استعادة الحياة، والخطر التركي على القرى الحدودية السورية، حيث تقف الكاميرا على بُعد متر واحد فقط من الجدار التركي العازل، وأخيراً التفرد بمقابلات حصرية مع مسؤولين بارزين في تنظيم داعش مسجونين لدى قوات سوريا الديمقراطية، يُعتبرون السبب في دمار المدينة وقتل البشر.
محاور الملف:
المحور الأول: رصد الحالة الإنسانية والرعب في مدينة الرقة (أنفاق داعش، المقابر الجماعية لداعش، ساحات الإعدام لداعش، الحياة اليومية في الرقة وما حولها).
المحور الثاني: رصد الحالة الإنسانية للنازحين خصوصاً الأطفال في شمال شرقي سوريا.
المحور الثالث: رصد الحالة الإنسانية للقرى الحدودية السورية جراء الجدار التركي.
المحور الرابع: مقابلات مع مسؤولين بارزين في "داعش" مسجونين تسببوا في المآسي الإنسانية.
المحور الخامس: رد الإدارة الذاتية.
مهمة غير مستحيلة
بدأت المهمة بتاريخ 5 مايو/أيار 2019، حيث الانطلاق جواً من مقر العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق (3 ساعات طيران)، ومن هناك التوجه براً إلى مدينة دهوك (160 كم) ثم معبر فيشخابور بغرض الدخول إلى معبر سيمالكا في سوريا عبر نهر دجلة (100 كم بسبب عدم توافر القارب).
بعد الدخول إلى الأراضي السورية، سيتعين الوصول أولاً إلى مدينة القامشلي (200 كم)، ثم التوجه إلى الرقة (300 كم). وبطبيعة الحال طريق الإياب هو نفسه.
المحور الأول: رصد الحالة الإنسانية والرعب في مدينة الرقة
(أنفاق داعش، المقابر الجماعية لداعش، ساحات الإعدام لداعش، الحياة اليومية في الرقة وما حولها)
مقود السيارة يتأرجح على شوارع مدمرة نسبياً نتيجة الحرب التي دارت رحاها هنا، حيث تسيطر الإدارة الذاتية (تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2013) على مجمل مناطق شمال وشرق سوريا، قبل أن تبدأ تركيا بعملية عسكرية على شمال شرقي سوريا سمتها عملية "نبع السلام" (بدأت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019)، وتسيطر بموجبها على قرى في مدينتي رأس العين (سري كانيه) وتل أبيض الحدوديتين السوريتين.
ويُشار إلى أن الرقة مدينة في شمال سوريا تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وعلى بُعد نحو 160 كم شرق مدينة حلب، وهي واحدة من أهم المدن السورية في تأمين الطاقة الكهربائية لعموم سوريا من خلال سد الفرات.
في أخطر أنفاق "داعش" بالرقة
خلال الأسبوع الأول من المهمة، كان لا بد من الوصول إلى مدينة الرقة، ومعايشة الوضع هناك، ثم العودة للإقامة في مدينة عين عيسى التي تضم سكناً مخصصاً للصحفيين، لأن الرقة مدمرة بشكل شبه كلي.
لم يكن قرار الدخول إلى الأنفاق التي حفرها تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرقة السورية سهلاً، بقدر ما كان تحدياً لكشف الإجرام الذي خلّف واقعاً من الرعب عايشه الناس بين عامي 2014 و2017 (في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2017)، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها بشكل كامل على مدينة الرقة التي كانت تعد المعقل الأبرز لتنظيم داعش في سوريا، حيث احتلها التنظيم في 12 يناير/كانون الثاني 2014، فيما أعلنت القوات نفسها القضاء على "داعش" نهائياً بعد معارك عنيفة، تمكنت خلالها من دحر التنظيم في آخر معاقله ببلدة الباغوز في ريف دير الزور شرق سوريا، وذلك في 23 مارس/آذار 2019.
وتُعتبر الأنفاق واحدة من أبرز المناطق المحصنة في العاصمة المزعومة له، ومعبَراً أساسياً للتنظيم لتمويل الأسلحة والعتاد والعناصر والبشر منه إلى المناطق الأخرى. فمَن يعلم.. ربما مرّ زعيم داعش أبوبكر البغدادي (أعلنت القوات الأمريكية مقتله في مدينة إدلب بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019)، من هذه الأنفاق أو هرب عبرها إلى خارج سوريا.
استطاعت "العين الإخبارية" أن تدخل واحداً من أخطر الأنفاق التي حفرها التنظيم في مدينة الرقة، رغم أنها كانت محفوفة بالألغام والمخاطر.
حفر "داعش" هذا النفق أسفل البنك العقاري في الرقة، بغرض الاختباء والاحتماء من ضربات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك لتخزين الأسلحة، علماً بأن التنظيم كان يدفع دولارين فقط يومياً للمدنيين مقابل حفر هذه الأنفاق التي تزخر بشعارات تسعى لرفع الروح المعنوية لمقاتليه.
يذكر أن القوات العسكرية التي تحمي المنطقة مثل قوات سوريا الديمقراطية والأسايش (قوى الأمن الداخلي) وغيرها تحاول أن تردم هذه الأنفاق أو تغلقها.
أهوال المقابر الجماعية
ليس ببعيد إلا نحو 20 كم من هذا النفق، إلى المقابر الجماعية الواقعة غرب نهر الفرات في مدينة الرقة.. السيارة التي كانت تقلّنا لم تستطع الدخول والسير أكثر في طريق المزارع المخيفة حقاً، والصامتة لدرجة الموت، وتظن نفسك قد خرجت من الكون.
ففي مهمة صحفية هي الأصعب والأخطر، واجهت وعايشت "العين الإخبارية" أهوال المقابر الجماعية في مدينة الرقة السورية، حيث دفن التنظيم آلاف الضحايا في مقابر جماعية دون هوادة.
الطريق إلى المقابر الجماعية في الرقة مرعب ومخيف لمن يجرؤ على السير فيها، حيث لا تزال آثار طلقات الرصاص واضحة على الجدران، وكذلك آليات وأسلحة "داعش" التي دمرتها قوات سوريا الديمقراطية بغطاء جوي واسع من التحالف الدولي.
وفي المقابر الجماعية لا يمكن سماع صوت إلا نقيق الضفادع في المستنقعات، في ظل الروائح المنبعثة بشدة، مع حركة نشطة للحشرات المنتشرة حول الجثث.
وتقع المقابر الجماعية على مشارف الرقة، فيما تضم جثثاً للمدنيين من النساء والأطفال وغيرهم، بالإضافة إلى صحفيين أُعدموا ميدانياً وتم دفنهم، لا سيما في مقبرة "الفخيخة"، التي دُفن فيها الآلاف من مجهولي الهوية، في رحلة من النسيان الكامل والمأساة الإنسانية السورية التي لم تنتهِ بعد.
واكتشف فريق الاستجابة الأولية في مجلس الرقة المدني تسع مقابر جماعية بعد تحريرها من "داعش"، فمنذ بداية عمل الفريق من 9 يناير/كانون الثاني 2018 تم انتشال 4200 جثة موزعة على أقسام، النسبة الأكبر منها مسلحون، حيث تم التعرف على الجثث من خلال الأحزمة الناسفة واللباس، ثم إعادة دفنهم بالطرق الشرعية، حيث دفنهم "داعش" بشكل عشوائي.
وأشار ياسر الخميس، قائد فريق الاستجابة الأولية بمجلس الرقة المدني، في لقاء مع "العين الإخبارية"، إلى مباشرة العمل في محافظة الرقة بعد تحريرها من قبل القوات العسكرية، مؤكداً وجود أربع فرق هي: فريق انتشال الجثث، وفريق الإطفاء، وفريق الإسعاف، وفريق الغواصين.
كيف تحولت ساحة الجحيم إلى ساحة الحرية؟
بعد دخول الأنفاق ومعايشة المقابر الجماعية، عادت كاميرتنا إلى وسط المدينة لتصور واقعاً مريراً ومهولاً تمثل في ساحة النعيم أو ما يُعرف بـ"ساحة الجحيم" في الرقة، هذا الدوار يُعتبر رمزاً رئيسياً ومكاناً أساسياً لتنفيذ المجازر الجماعية بحق المدنيين، ليتحول اسمه لاحقاً إلى ساحة "الجحيم"، وذلك خلال سنوات سيطرة داعش قبل أن تستعيدها قوات سوريا الديمقراطية وتطلق عليها "ساحة الحرية".
شهدت هذه الساحة مئات المجازر، واستخدمها التنظيم رمزاً لزرع الرعب بين الناس، الذين كان يتم إجبارهم على حضور مشاهد الرعب، ومن بينهم أطفال.
اشتُهرت هذه الساحة بعرض الرؤوس المقطوعة لعدة أيام، مع لافتات تشير إلى سبب الإعدام، مثل التدخين أو الاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة ألعاب الفيديو، وغيرها.
يذكر أن ساحة النعيم مرت بالعديد من عمليات التطوير وإعادة البناء والإصلاحات من قبل مجلس الرقة المدني، التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حتى وصلت إلى شكلها الحالي.
يبقى هذا الدوار دليلًا على جرائم ارتكبها التنظيم في وضح النهار وافتخر بها أمام وسائل الإعلام والعالم، ولكن، كم من الوقت تحتاج إليه ذاكرتنا الجماعية لحذف مشاهد الرعب منها؟
صراع الحياة والموت في الرقة
ما حدث داخل الأنفاق والمقابر الجماعية وساحة الجحيم كانت من أهم الأسباب التي خلقت صراع الحياة والموت في مدينة الرقة السورية، فعلى مدّ النظر يصعب إيجاد مبنى أو شارع سليم في المدينة التي تحولت إلى أطلال، بعد أن دمرها التنظيم بكل ما أوتي من إرهاب وإصرار على إطفاء نور الحياة على المدنيين الأبرياء الذين كانوا ينبضون بالحياة يوماً ما، إلا أن إرادة الحياة هنا تتحدى الدمار.
تؤكد إحصائيات الأمم المتحدة أنه بعد ثلاث سنوات من الحرب على داعش، تم تدمير ما نسبته 80% من مساحة الرقة، و70% من المشافي تدمرت، ما خلف نحو نصف مليون مشرد، فضلاً عن تدمير عشرات الجسور والمنشآت، وغيرها.
عايشت "العين الإخبارية" الحياة في الرقة، شمال شرقي سوريا، والتي تسير بمقتضى الأمل، حيث يتنفس الأهالي الصعداء بعد سنوات من القهر والسواد، ويضعون أنفسهم في موضعِ المقارنة ما قبل وما بعد داعش، معتبرين أن الأمان سيد الموقف، رغم أن الوضع الخدمي لا يزال غير مكتمل، حيث يحاول مجلس الرقة المدني، التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أن يعيد الأمور إلى نصابها، بتكثيف العمل والتنسيق مع المنظمات الدولية لتأمين مستلزمات الحياة كافة.
تترقب السيارة الطريق، فيما يسيطر الخوف من الخلايا النائمة والألغام، رغم أن الأمان تضاعف عما كان سابقاً، فيما تحكي اللوحات المرورية التي لم تتعرض للأذى قصة الحياة والموت في مدينة الرعب، وكأن هذه اللوحات هي بمثابة إرشادات الحرب لأطراف النزاع، ويجب ألا يتم تدميرها.
جدير ذكره أن الخلايا النائمة لا تزال مسيطرة، بعد نحو عام ونصف العام من هزيمة داعش، فالأسواق بدأت تتعافى، والحياة تعود تدريجياً إلى الرقة بمزيد من التحدي بمستقبل مشرق، ومن المتكرر العثور على أحد المواطنين وهو يعيد إعمار ما دمره "داعش" بكثير من الحب والتفاني.. هو يشعل شمعته الخاصة، فيما لا يزال نهر الفرات يعكس عنفوان الرقة بلون السماء الأزرق، بعد أن لوّنه التنظيم بالأحمر ورمى فيه آلاف الجثث.
تقول سيدة من الرقة لـ"العين الإخبارية"، خلال لقاء معها في سوق شعبي ينبض بالحياة، إنه "بعد عام ونصف العام من هزيمة داعش، باتت المعيشة جيدة وتوفر الأمن والأمان.. والحمد لله"، مؤكدة أنه "في عهد داعش، عشنا رعباً كاملاً. والآن تحسن الوضع كثيراً.. وبتنا نتجول بكل حرية".
وأضاف آخر: "باتت أحوالنا جيدة وتوفر الأمن والأمان.. والحمد لله".
وقال ثالث: "استقر الوضع بعد التحرير.. وتوفر الأمن والأمان، اللذان يعتبران أهم الأمور.. الحمد لله".
وأضاف مواطن رابع: "لن تكون الأمور أفضل مما نعيشه الآن بالتأكيد.. يوجد فرق واضح.. ووضع السوق جيد.. الحمد لله".
يحاول مجلس الرقة المدني أن يعيد الأمور إلى نصابها، بتكثيف العمل والتنسيق مع المنظمات لتأمين مستلزمات الحياة كافة.. لتعود الحياة إلى ربعِ ما كانت عليه على الأقل.
يقول إبراهيم النعيمي، مسؤول مكتب الإغاثة في مجلس الرقة المدني، إن المكتب تأسس بعد عودة الأهالي إلى مدينة الرقة بعد الدمار والخراب، كان على عاتق مكتب الإغاثة مساعدة الناس وتأمين الاحتياجات اللازمة لهم من السلال الغذائية وتقديم إسفنجات أو بطانيات، خصوصاً أن معظم الأهالي بيوتهم تدمرت.
وأضاف النعيمي لـ"العين الإخبارية": "قمنا بالتنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية الناشطة في مدينة الرقة بالتوزيع على الناس، منها سلال غذائية، والأمر تطور إلى كروت مول أو كروت كاش، كما قمنا بمشروع الترقيم وتقييم منازل الرقة بالكامل بمدينة الرقة".
وأوضح مسؤول مكتب الإغاثة في مجلس الرقة المدني أنه بعد تقديم الإغاثة الأولية للناس تم تسجيل العوائل الفقيرة جداً في الرقة، التي بلغ عددها ما يقارب نحو 2000 إلى 2500 عائلة لتوجيه المنظمات إليها، مناشداً المنظمات العاملة في الرقة وخارج الرقة تقديم مساعدات لمكتب الإغاثة لنقوم بدورنا بإيصالها إلى المستفيدين.
ورغم أن الخلايا النائمة لا تزال مسيطرة فإن الأمان سيد الموقف بعد نحو عام ونصف العام من هزيمة داعش، فالأسواق بدأت تتعافى، والحياة تعود تدريجياً إلى الرقة بمزيد من التحدي بمستقبل مشرق.
المحور الثاني: رصد الحالة الإنسانية للنازحين خاصة الأطفال في شمال وشرق سوريا
لا تعرف المخيمات في شمال شرقي سوريا أعمار النازحين إليها، ولا تقدر أوضاعهم النفسية.. سوريون أجبروا على النزوح إلى مخيم عين عيسى بمدينة الرقة السورية بعد أن دمر تنظيم داعش الإرهابي منازلهم وذكرياتهم.
يعيش في مخيم عين عيسى نحو 20 ألف نازح، معظمهم من الرقة ودير الزور وغيرهما من المناطق السورية.
هي الحياة بكل سوادها وألوانها في أن يحمل كل يوم بشائر جديدة تنقل نازحي هذا المخيم، ولو للحظات، إلى حياتهم السابقة، لكن ما مدى قدرة تحمل الأمل في مواجهة الألم؟
إنها خيام من البلاستيك والقماش تخزن آلاف الحكايات التي يسردها ساكنوها كل ليلة قبل أن يخلدوا إلى النوم، وهم يحلمون بأبسط حقوقهم الإنسانية في المأكل والمشرب والسكن، مناشدين المنظمات الدولية تأمين احتياجاتهم الأساسية.
أطفال كثر وُلدوا في هذا المخيم الذي يبعد نحو خمسين كيلومتراً من العاصمة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي الرقة، ولا يدرون أبعاد الأزمة السورية التي اندلعت منذ مارس/آذار 2011، ولا تزال نيران هذه الأزمة تُحرق الصغار الذين لا شأن لهم بحروب الكبار.
تؤكد إحصائيات الأمم المتحدة أن نحو 7.4 مليون طفل يعانون من الحرب في سوريا، بينهم 4.7 مليون طفل بحاجة ماسة إلى المساعدة، موضحة أن 40% من مدارس سوريا خارج الخدمة بسبب الغارات الجوية والاشتباكات العسكرية، ما أدى إلى حرمان مليوني طفل من حقهم في التعليم بالداخل، بينما قُتل أكثر من 20 ألف طفل في سوريا منذ عام 2011.
وأضافت الإحصائيات أن 20 ألف طفل سوري دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد والشديد، فيما تعرض مليون طفل آخر لإصابات حرب، منهم إصابات دائمة وبتر في الأطراف.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن 3507 أطفال معتقلون في السجون. أما اليونيسيف فتؤكد وجود مليون طفل يتيم بلا أب أو أم.
خيمة امرأة نازحة
اضطرت السيدة شكرية حمود، التي تتحدر من مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور السورية، أن تنزح إلى مخيم عين عيسى في مدينة الرقة، العاصمة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي، بعد أن أمضت أياماً عصيبة عايشتها حتى وصلت إلى خيمة تسترها مع أسرتها وزوجها المريض، لتتفاجأ أن خيمتها لا تستوعب مرض زوجها ولا وضعه الخاص، حيث تفكر فيه وفيما ستؤول إليه الأمور إذا ما ساءت حالته الصحية، وتضيف ذلك لرصيد حياتها في المخيم.
فمن بين خطوط السلام والأمان، تنسج السيدة شكرية لـ"العين الإخبارية" حكاية عودتها إلى بيتها على أمل طويل محفوف بالألم والقهر محفور في سنوات عمرها، رغم أنها تحاول بكل ما أوتيت من تحد وإيمان أن تتلاءم مع بيئتها الجديدة التي لا تخلو من الخوف.
هي حكاية الألم الخاص والراحة المفقودة والمعقودة على حياة أولادها المأساوية التي تزيدها سوءاً على سوء.
تقول شكرية: "أريد العودة إلى مدينتي.. نحن هنا نعيش في خيمة وكل شيء ليس متوفراً"، موضحةً أن زوجها مريض ويحتاج إلى علاج.
وأضافت: "هربنا من الخوف والقصف ومن كل شيء، وسرنا في طريق استمر من أربعة إلى خمسة أيام".
* "العين الإخبارية": كيف وصلتم إلى هنا؟ كيف كان طريقكم؟
- سرنا في طريق استمر من أربعة إلى خمسة أيام، مستقلين سيارات وطرقاً غير شرعية، في ظل الخوف.
* "العين الإخبارية": لديك أمل في العودة؟
- إن شاء الله.. لو يمنحونا الأمر نعود فوراً.. لن نعترض.
* "العين الإخبارية": ماذا تخبرينا عن أولادك؟ وأين هم؟
- أولادي يعيشون هنا في المخيم.. يعملون هنا.. أحدهم يعمل في الحفريات، وقد فقد أصابعه أثناء عمله منذ أيام.. وحالته حرجة جداً ولديه عائلة.
شموخ أطفال سوريا
ثمة أطفال في مدينة الرقة السورية يعيشون في بيوتهم المدمرة، وثمة آخرون لم يجدوا إلا المخيمات للنوم فيها.. وبين هذين النوعين، عايشت "العين الإخبارية" براءة الأطفال في شمال وشرق سوريا.
لم يستطع تنظيم داعش الإرهابي خلال سنوات سيطرته على عاصمته المزعومة مدينة الرقة السورية، وأن يقضي على براءة الأطفال أو يفسد حلمهم بالحرية المنشودة.
أعمال بدت أكبر من أعمارهم الصغيرة، ومشاهد كانت أقسى مما رأت عيونهم، من رعب واغتيالات وذبح وما إلى ذلك، إلا أن حياة الطفولة السورية ترسو في ميناء من الحب الكبير الذي لا يعرف الكره والقتل.
يقول الطفل جوان الرقة، والذي يعمل في محل لبيع مواد البناء، إن الوضع الأمني في عهد داعش كان سيئاً جداً، فلم يكونوا قادرين على التحرك، لكن الأمور تغيرت الآن وباتت أفضل.
مدارسهم وألعابهم تشغل أذهانهم الصغيرة، لا يعلمون بما خلّفته الحرب المدمرة، إلا أن تصرفاتهم وأفعالهم تحكي الكثير والكثير.. فيما تحملهم الحياة أكبر من طاقتهم.
أما الطفلة دلال التي تتباهي بفستانها فتقول: "تغير عليّ كل شيء.. منعنا داعش من ارتداء ملابسنا، وفرض علينا اللون الأسود فقط".
يحاول هؤلاء الأطفال الأبرياء أن يرسموا بكلماتهم البسيطة مستقبلاً مشرقاً دفعت ثمنه أجيال من البراعم في رحلة الموت والقتل والانتهاك لحقوق الطفولة، الأمر الذي يتطلب دعماً نفسياً يبرز إلى السطح كحاجة رئيسية لأطفال سوريا عموماً.
الطفل عمار من مخيم عين عيسى يقول لـ"العين الإخبارية" والابتسامة الخجولة تعلو ملامحه: "أريد العودة إلى مدينتي.. إلى بلدي".
أطفال مخيمات الرقة.. قنابل موقوتة
تؤكد قيادة التحالف الدولي ضد داعش، ممثلة بقوات سوريا الديمقراطية، أن التنظيم الإرهابي انتهى جغرافياً في سوريا، لكن خلاياه النائمة لا تزال بمثابة قنابل موقوتة تؤثر بفكرها المتطرف على مستقبل الأجيال، وقد تنفجر بأي لحظة وفي أي زمان أو مكان حول العالم، الأمر الذي يؤثر على الأطفال بشكل أو بآخر.
ثمة فرق هائل بين الأطفال السوريين، لا سيما في الرقة، العاصمة المزعومة لتنظيم داعش، بين مَن التجأ إلى المخيمات ومَن يعيش في منزله، حيث تختلف ظروف الحياة بين المكانين بشكل كبير.
يحاول أطفال المخيمات أن يستقبلوا يومهم الاعتيادي بالابتسامة، لكن هل ابتسامة هؤلاء الأبرياء، الذين لا شأن لهم بحروب الكبار، كافية وحدها لهزيمة حياة المخيمات أم أن الأقدار شاءت أن يسكنوا في بيوت من البلاستيك تفتقر إلى تحقيق أدنى متطلبات الحياة الإنسانية؟
المخيمات التي خلّفها التنظيم الإرهابي في الرقة وما حولها كافية لتمنحنا تفاصيل كاملة عن كيفية المقارنة بين أنماط حياة الأطفال قبل أن يصبحوا لاجئين وحياتهم الآن.
مخيمات، لجوء، أطفال، عودة، داعش، ألغام.. دخلت هذه الكلمات وغيرها إلى قاموس الأطفال دون أن يشعروا وكبروا قبل أن يعطوا طفولتهم حقها.. إنهم أطفال المخيمات بكل ما تعنيه الكلمة من قسوة وألم.
ربما بات حلم العودة إلى منازلهم، هذا الحلم الصغير - الكبير، المسعى الأخير لهؤلاء الأطفال لكي يعتقدوا أن أيامهم المقبلة قد تشهد بعض الحيوية، وتضيف بعض الحركة إلى الدم المتوقف في شرايين الخير، باستثناء مَن يعمل بقلب سليم.. فهل ابتسامة هؤلاء الأطفال الأبرياء، الذين لا شأن لهم بحروب الكبار كافية وحدها لهزيمة حياة المخيمات أم أن الأقدار شاءت أن يسكنوا في بيوت من البلاستيك تفتقر إلى تحقيق أدنى متطلبات الحياة الإنسانية؟
يود أطفال المخيمات العودة إلى مدنهم وقراهم، معبرين عن اشتياقهم لمنازلهم وألعابهم ومدارسهم، فها هو الطفل محمد الذي هرب من قصف داعش يتذكر الألغام وكيف كان الناس يدعسون عليها. يقول لـ"العين الإخبارية": "أرغب في العودة بعد تنظيف مناطقنا من الألغام".
أما الطفلة جود فتعبر بكل جرأة عن معاناتها وترد على سؤال "العين الإخبارية": لماذا هربتم ولجأتم إلى هنا؟ لترد "بسبب الجوع!".
* "العين الإخبارية": ألم يكن الغذاء متوفراً؟
- لا.. داعش دمر مناطقنا فاضطررنا للنزوح.
* "العين الإخبارية": هل تم تدمير منزلكم في دير الزور؟
- نعم. لقد قتلوا أعمامي.. فقط
* "العين الإخبارية": هل تودين العودة؟
- نعم.
* "العين الإخبارية": ماذا تطمحين أن تصبحي في المستقبل؟
- معلمة صف.
المحور الثالث: رصد الحالة الإنسانية لأهالي شمال وشرق سوريا جراء الجدار التركي
خلال الأسبوع الثاني للمهمة الصحفية، زارت "العين الإخبارية" القرى الحدودية السورية في كوباني وتل أبيض التابعتين لمدينة الرقة السورية، للوقوف على حالة الأهالي هناك جراء الاعتداءات التركية، فبالتوازي مع الرعب الذي زرعه تنظيم داعش الإرهابي في عاصمته المزعومة، مدينة الرقة السورية، تستمر تركيا في زرع رعبها الخاص بها في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
- على بُعد أمتار من جدار تركيا العازل لسوريا، في الطريق الفاصل بين المالكية والرقة مروراً بالحسكة، بنت الحكومة التركية جداراً عازلاً بطول يبلغ نحو خمسمئة كيلومتر وارتفاع ثلاثة أمتار، بحجة منع نقل الأسلحة والمقاتلين بين الطرفين وحماية الأمن القومي المزعوم لتركيا.
كاميرا "العين الإخبارية" تمكنت من تصوير هذا الجدار، رغم الإجراءات الأمنية المشددة من الجانب التركي، والتخوفات من إطلاق النار من "الجندرما" التركية.
يدفع المزارعون والمدنيون ثمناً باهظاً نتيجة بناء هذا الجدار، حيث يؤثر ذلك على مورد رزقهم الوحيد، ويخلق مخاطر على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وعلى الفلاحين الذين يخشون من رصاصات الجيش التركي على الحدود، لا سيما في قريتي "سوسك" و"كورتك".
السيد رفعت عثمان، من قرية سوسك في شمال شرقي سوريا، يؤكد مخاوفه مع أسرته من السكن في المناطق الحدودية، قائلاً: "نحن في المناطق الحدودية السورية نعاني من صعوبة الاعتداءات التركية.. المزارعون يخشون الذهاب إلى أراضيهم الملاصقة للحدود.. الري صعب.. الأتراك يستهدفون آلياتنا بالطلقات النارية".
وأضاف لـ"العين الإخبارية: "تغيرت أحوالناً كثيراً بعد بناء الجدار، حيث كنا ننعم بالاستقرار والأمان قبل الجدار، لا سيما بعد أن تحررت مناطقنا من داعش.. بعد أن وصلنا تغير الوضع كلياً وبتنا مستهدفين نهاراً وليلاً.. نحن محظورون من التجول ليلاً ومستنفرون نهاراً، حتى إن أعمالنا وأرزاقنا تأثرت بذلك".
يعلو الجدار التركي مترا واحدا من الأسلاك الشائكة، مع أضواء كاشفة على عدة بلدات مثل الدرباسية وعامودا وغيرهما من المناطق، في وقت لا يزال الجدار التركي العازل يفصل مدينة عفرين عن محيطها الخارجي.. وتلك حكاية أخرى!
وترى قيادة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن أحلام الدولة العثمانية لا تزال تراود النظام التركي، فيما تبقى الاعتداءات التركية هي السبب الرئيسي في عدم استقرار المنطقة.
وقالت السيدة بيريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا: "تركيا دولة جارة لسوريا منذ القدم.. والتهديدات التركية لنا ليست جديدة، وقد تمثل ذلك باحتلال عفرين مؤخراً"، مؤكدة أن تركيا توهم نفسها بأن لها الحق في السيطرة على مناطقنا بحجة حماية أمنها القومي وما إلى ذلك.. رسالتنا للعالم أجمع هي: نحن مع الحوار السلمي".
حدود متوترة
ليس يعيداً جداً عن مدينة الرقة السورية، يعيش أهالي القرى الحدودية في شمال وشرق سوريا من رعب يومي، جراء استهدافهم من قبل عناصر الجيش التركي، الذين يطلقون الرصاص الحي عليهم ويدمرون آلياتهم الزراعية بسبب وبدون سبب.
فها هي قرية "سوسك" التابعة لمدينة "تل أبيض" في الرقة، شمال شرقي سوريا.. هذه القرية تبعد نحو ٢٠٠ متر فقط من الحدود التركية.. تتعرض لحالات من القصف وإطلاق النار على المدنيين الأبرياء الذين يذهبون إلى مزارعهم بغرض الزراعة فقط.
النظام التركي قتل والده
السيد رفعت عثمان فقد والده المزارع بعد أن قتلته "الجندرما" التركية أثناء عمله في أرضه..
يتحدث رفعت لـ"العين الإخبارية" بحرقة ودموع مكبوتة وهو يقلب صور والده في جواله الخاص: "كان والدي ذاهباً إلى أرضه بغرض الزراعة فقط، وتشغيل محرك الماء، لكن الجنود الأتراك قتلوه".
واستطر قائلاً: "في نحو الساعة العاشرة والنصف صباحاً، بينما كان والدي ذاهباً إلى أرضه لتفقد الآليات الزراعية والبئر.. استهدفه الجنود الأتراك أثناء عودته إلى منزله، بدون أي سبب يذكر رغم أنه مدني وليس عسكريه.. لقد قتلوا والدي".
* "العين الإخبارية": منذ متى بدأت مشكلة الحدود؟ ومتى تطورت؟
رفعت: في الحقيقة، بدأت المشكلة بعد الأزمة السورية وانتشار الفصائل العسكرية، وظهور داعش، تطورت المشكلة مع النظام التركي.. نحن نطالب أصحاب القرار بالوقوف على معالجة هذه المشكلة ووضع الحلول لها، لأن المقيمين هنا كلهم مدنيون لا علاقة لهم بأمور أخرى.
المزارعون لا يملكون إلا أراضيهم ليقتاتوا منها رغيفهم اليومي.. إلا أن هذا الرغيف غالباً ما يكون معجوناً بالدم، لأن قدر هذه الأراضي أن تكون ملاصقة لحدود تركيا وللجدار العازل الذي لا يرحم.
أما السيد علي سنجار، قروي سوري، فيتحدث ملوحاً بيده إلى الجدار العازل وأرضه الخصبة: "كما ترون معي.. نحن نعمل في ري المحاصيل الزراعية، ونتعرض دائماً للاعتداءات التركية علينا.. قبل يومين، استهدف الجنود الأتراك آلياتنا الزراعية وتم تحطيم محركين زراعيين بسببهم". مضيفاً: "لا نستطيع العمل في أراضينا الزراعية الملاصقة للحدود التركية.. هم يستهدفوننا لنهجر قرانا رغم أننا لا نقترب من الحدود أبداً.. كما استهدفوا هذا المنزل القريب من هنا.. نحن في حالة استنفار في قريتنا منذ سنوات.. ليست لدينا أي مصادر أخرى للرزق غير هذه الأراضي".
واستطرد علي لـ"العين الإخبارية": "رغم أن المسافة الفاصلة بين آلياتنا الزراعية والحدود التركية نحو 400 متر، فإننا قمنا بتشغيل الآليات وعدنا إلى المنزل، لنتفاجأ في مساء اليوم نفسه باستهداف الجيش التركي لآليتين، ما أدى إلى تحطيمهما".
* "العين الإخبارية": هل تم استهدافهما بالرصاص الحي؟
علي: نعم.. إن النظام التركي يستهدف الشعب الكردي على العموم، حتى يجبرنا على الهجرة من موطنه الأصلي.. وهذه غايته.
* "العين الإخبارية": وما رأيك.. هل ستهاجرون؟
علي: مَن؟ لن نتحرك.. بل باقون في قرانا ما دام يستهدفنا.. فليفعل ما يفعله هذا النظام.. مارس علينا النظام التركي كافة وسائل التضييق وفتح الباب أمام الدواعش ومرّر تجارته علينا، فكنّا ضحية لذلك.
بات النظام التركي حديث الكبار الذين يصممون على مواجهة السلاح التركي بالبقاء والعمل المخلص. وأيضاً الصغار الذين عبروا بكلماتهم البسيطة لـ"العين الإخبارية" عن توترهم وتأكيدهم على عدم خشيتهم من تهديدات الرئيس التركي، قائلين: "لن نهاجر قريتنا، مهما فعل أردوغان، حتى لو استهدفنا بالرصاص، لن نهاجر.. أردوغان يعتدي علينا.. لكننا لن نهاجر قريتنا".
المحور الرابع: مقابلات مع مسؤولين بارزين في داعش مسجونين تسببوا في المآسي الإنسانية
في الأسبوع الثالث والأخير لهذه المهمة كان لا بد من مقابلة بعض المسؤولية في تنظيم داعش الإرهابي، والمسجونين لدى قوات سوريا الديمقراطية في مناطق مختلة بشمال شرقي سوريا، وتحديداً في القامشلي، حيث خلّفوا مآسي إنسانية وندبات في جسد السوريين لا تُنسى.
في مواجهة "الأمير المزعوم" لداعش
كان المواطن التركي إلياس آيدن (31 عاماً)، الذي يقيم في حي الفاتح بإسطنبول، شخصية بارزة في جماعة الإخوان المسلمين بتركيا، قبل أن يدخل في مفاوضات مع أبومحمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي، بغرض المبايعة، ليتحول لاحقاً إلى أبرز قياديي داعش وواحد من مستشاري أبوبكر البغدادي، زعيم التنظيم، فضلاً عن كونه الأمير المزعوم في الشام. اعتقلته قوات سوريا الديمقراطية أثناء محاولته الهرب إلى تركيا.
وتؤكد بعض سجلات الاستخبارات، التي حصلت عليها "العين الإخبارية"، أن الملقب بأبوعبيدة التركي التقى زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي عدة مرات.
قتلٌ، اغتصاب، مجازرُ، اعتقالاتٌ، وغيرها من الجرائم تورط بها التنظيم في سوريا والعراق خلال أكثر من خمس سنوات، خاصة في مدينة الرقة أو ما تسمى عاصمة الخلافة.
مسؤول عمليات داعش في "تل أبيض"
رحلة طويلة اجتازها المواطن التركي سافاش يلدز، والملقب بـ"أبوجهاد التركي" في تنظيم داعش الإرهابي، حتى وصل من تركيا إلى سوريا، في ظل التسهيلات اللامحدودة التي منحته إياها المخابرات التركية، بدءاً من أضنة وصولاً إلى الرقة، العاصمة المزعومة للتنظيم.
يُعد أبوجهاد التركي المحرك والمسؤول الرئيسي عن عمليات التنظيم في مدينة كري سبي أو تل أبيض في شمال سوريا، فيما يقبع الآن في سجون قوات سوريا الديمقراطية.
رغم كل ما ارتكبه التنظيم من ممارسات، فإن الذنب الذي ارتكبته عناصره البارزون يلاحقهم، فيما يعتبرون أنفسهم أبرياء وعلى قناعة بأن ما فعلوه يعبر عن أفكارهم.
اعترافات "داعشي": كنّا عبيداً
استغل العنصر في تنظيم داعش الإرهابي محمد عمار عبد القادر، والملقب بـ"أبومحمد الألماني"، من أصل تونسي، عمله مع منظمة صحية ألمانية، ليعبر إلى سوريا مروراً بتركيا، حيث منحه عمله كسائق لسيارة إسعاف المجال للانضمام لداعش، كما يشرح في لقاء خاص مع "العين الإخبارية" من سوريا.
يؤكد عبدالقادر على الدور التركي الذي لا يمكن إنكاره في مرور آلاف المسلحين من داعش إلى سوريا، فقد كانت للمخابرات التركية المجال الأبرز في تشكّل التنظيم بمعناه الفكري والأيديولوجي وحتى الجغرافي، وفقاً لكلام "أبومحمد الألماني" المعتقل الآن لدى قوات سوريا الديمقراطية.
صدمة كبيرة تعرض لها الداعشي، بعد أن رأى التنظيم الإرهابي على حقيقته، من ظلم ووحشية واستبداد وقتل وزنارين.. فلا مزايا ولا غيرها حصل عليها، كما يقول.
الندم، والنفي، والاغتراب، والعودة إلى الحياة الطبيعية، هي حالات نفسية يتعرض لها أبومحمد الألماني الذي يسعى للخروج من سواد التنظيم إلى ألوان الحياة.. لكن ما الضريبة التي يجب أن يدفعها؟
المحور الخامس: رد الإدارة الذاتية
الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بعد الانتهاء من تنظيم داعش الإرهابي.. كيف تنظر هذه الإدارة إلى التهديدات التركية المستمرة للحدود ومحاولات عزل عفرين عن محيطها الداخلي والخارجي ببناء الجدار العازل؟ الوضع الأمني والإداري والخدمي في هذه المناطق التي تُدار من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.. هذه أسئلة ومحاور تجيب عنها السيدة بيريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وذلك في مقر الإدارة في بلدة عين عيسى التابعة لمحافظة الرقة السورية.
* "العين الإخبارية": ما الاستراتيجية التي تتبعها في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بعد الانتهاء من تنظيم داعش الإرهابي؟
- بيريفان خالد: في البداية نرحب بـ"العين الإخبارية" في مقر الإدارة.. فيما يتعلق بإدارة الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا، فقد كانت تتويجاً للإدارات السبع التي أنشئت في عام 2014 بدءاً من منطقة الجزيرة والفرات وعفرين ومنبج ودير الزور والطبقة والرقة، بإعلان الإدارة الذاتية بقوتها العسكرية وقوات سوريا الديمقراطية وهزيمة تنظيم داعش الإرهابي في 23 مارس/آذار 2019.. الإدارة لديها استراتيجية ما بعد داعش.
يعيش أكثر من 5 ملايين شخص في شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من النازحين والمهاجرين.. ولنكن منطقيين، داعش انتهى جغرافياً وليس فكرياً.
لدينا أيضا برامج لإعادة التأهيل والتوعية للمجتمع بشكل عام في مناطق شمال وشرق سوريا.
أما أولوياتنا فتبدأ بالصحة وعلاج بعض الأمراض، مثل الليشمانيا، التي انتشرت بسبب الحرب، ثم التعليم، لا سيما في معظم المناطق التي احتلها داعش، مثل الرقة ودير الزور لسنوات عديدة حيث تم إغلاق معظم المدارس، ما خلف جيلاً محروماً ومضطهداً، لذلك نولي أولوية لإعادة تأهيل المدارس والمعلمين، ثم تعزيز الدور الزراعي، وأخيراً وتوفير الحياة الكريمة والاحتياجات للناس.
* "العين الإخبارية": كيف تنظرون إلى التهديدات التركية المستمرة للمنطقة ومحاولات عزل مدينة عفرين عن محيطها الداخلي والخارجي عن طريق بناء الجدار الفاصل؟
- بيريفان خالد: هذا ليس بالأمر الجديد فيما يتعلق بالتهديدات التركية.. مؤخراً شاهدنا احتلال عفرين.. إن الدولة التركية تتظاهر بأن لها الحق في السيطرة على هذه المناطق بذريعة حماية أمنها القومي، فما زالت الدولة تحلم بالإمبراطورية العثمانية، لكن توجد هنا سيادة الدولة السورية، ولن نسمح لأي انتهاك أو احتلال لأي مدينة سورية، لأن الإدارة الذاتية جزء لا يتجزأ من سوريا.
* "العين الإخبارية": إلى أين وصلت مفاوضاتكم مع النظام السوري؟ وهل هناك استراتيجية محددة في هذا الإطار؟
- بيريفان خالد: منذ إعلان الحكم الذاتي ونحن ندعو للحوار السوري-السوري، ونحن واثقون تماماً من الحوار.. وفيما يتعلق بالنظام، فلا شيء جديدا حتى الآن.
ختاماً
في 25 مايو/أيار 2019، انتهت هذه المهمة الإنسانية الصحفية المحفوفة بالأخطار في اليوم الـ21، هذه المهمة التي عايشتها "العين الإخبارية" لحظة بلحظة بكل ما فيها من قبح وجمال، من أجل نقل المرحلة المأساوية والإنسانية في مرحلة ما بعد داعش بشمال شرقي سوريا التي يتجدد جرحها دون أن يندمل بعد.وأخيراً، تنفسنا الصعداء بعد الوصول إلى العاصمة أبوظبي، فيما لا تزال الذاكرة مليئة بالصور والفيديوهات والمشاهد الخطيرة، ولسان حال الأطفال السوريين يقول: الحق والخير والجمال سمتنا! متسائلين: ألا من عودة قريبة إلى منازلنا واحتضان ألعابنا؟