مدينة البعوث الإسلامية.. منارة للعلم الأزهري والتنوّع الثقافي
طلبة من نحو 100 جنسية يعيشون في "البعوث الإسلامية" دون أي فوارق أو تعصّب، إذ يجمعهم الدين الحنيف بما يحمله من معاني التسامح والتضامن.
مشهد عامر بمئات البشر من مختلف الجنسيات والأعراق والبلدان، وعشرات اللغات واللهجات، التأموا حول مائدة الإفطار التي نظمتها جامعة الأزهر الشريف في مدينة البعوث الإسلامية بمصر.
وأكثر ما يشدّ الانتباه في المدينة، دقة النظام والهدوء ونظافة الشوارع، فضلاً عن اتساع المساحات الخضراء المليئة بالأشجار والورود، ليكتسب المكان مسحةً من الجمالية ويجعل المرء يحس بالراحة النفسية.
ويعيش الطلبة من نحو 100 جنسية في "البعوث الإسلامية" دون أي فوارق أو تعصّب، إذ يجمعهم الدين الحنيف بما يحمله من معاني التسامح والتضامن.
ويحرصون على الإفطار الجماعي في شهر رمضان المبارك، على الرغم من اختلاف عاداتهم وتقاليدهم، لِتُعمَّر المائدة بمأكولات متنوعة.
مدينة العلم والتسامح
ينتمي الطلبة إلى 56 جنسية أفريقية و48 آسيوية، فضلاً عن بعض الأوروبيين والأمريكيين والأستراليين، مُشكِّلين لوحةً فنية رائعة تترجم التنوّع الثقافي والحضاري.
جاء الكل إلى هنا بحثاً عن تحصيل العلم والمعرفة من جامعة الأزهر الشريف، متحمّلين عبء السفر والغربة والنفقات المالية، حتى يعودوا إلى بلدانهم متسلحين بنور العلم وقيم الوسطية والاعتدال، ويساهموا في تحسين صورة الإسلام والتعريف بمبادئه وقواعده ومقاصده.
في هذا السياق، قالت الطالبة الماليزية سوبتيا محمد: "أحسّ بالأمان داخل المدينة، وسهّل عليّ التعامل مع المشرفات وعاملات النظافة تعلُّم اللغة العربية، كما أتقنتُ بفضلهم اللهجة المصرية العامية، التي ساعدتني في التسوّق من حي الغورية وقرب مسجد سيدنا الحسين".
وتحتفظ الطالبة الهندية أليشا انجومان ببعض الوصفات الشعبية لعلاج نزلات البرد وآلام الجهاز الهضمي، فهي مُلقّبة بـ"أليشا إسعاف" لقيامها بهذا الدور تجاه كل ما يحتاج إلى مساعدة طبية.
من جهتها، أكدت الطالبة الإندونيسية مفتاح الجنة نور، الحرص على تجميل الغرف بمعروضات ورموز البلدان، "إذ يمكن أن تتعرّف إلى جنسية أي زميلة بزيارة غرفتها".
وتفوح رائحة التسامح من أركان مدينة البعوث الإسلامية، إذ تعدّ العربية لغة التعليم الأساسية، ولكنّ الدراسين يهتمون بتعلّم مفردات جديدة من شتى اللغات واللهجات.
وتُباهي الطالبات الوافدات من تركيا، مثل فاطمة (فطوش) وحكمت يباهين، بتعليم زميلاتهن من الهند وتايلاندا وإندونيسيا كثيراً عن العادات والأطعمة والمفردات الشائعة في تركيا.
من جانب آخر أكد التركي تحسين دوغان تركي، أنه تعلّم من صديقه موهان روي محمد الماليزي، كلمات التحية وعبارات التهنئة، وأما زميلاه من الهند إرشاد وظفار، فعرّفاه بعادة تسمية المواليد الجدد في وطنهم، خشية الحسد أو الموت، إضافةً إلى تقاليد الخطوبة والزفاف بصورة سليمة "غير تلك التي تُروّجها الأفلام الهندية وتبالغ فيها".
أعياد الشعوب.. موسم المفاجآت
في ظل التفاعل اليومي تصبح الأعياد والمناسبات الوطنية الخاصة بكل بلد موسماً للمفاجآت, فالطالب الروسي محمد إيفس فاجأ زميل دراسته الأذربيجاني علي محمد، حين وضع على باب غرفته علم أذربيجان ليلة الاحتفال بعيد استقلالها.
وأكد المشرف العام على "البعوث الإسلامية" أن الطلاب يتوزّعون على مباني المدينة السكنية، وعددها 32، فهناك مبنى للأفارقة وآخر يخص الآسويين الذين يمثّلون أكبر جالية، إذ يبلغ عدد الماليزيين 6000 طالب، ويفوق مجموع الإندونيسيين الـ5000، بينما يعتبر الأستراليون والأمريكيون أقلّ الوافدين عدداً.
وبالنسبة إلى الطعام تراعي المدينة التنوّع الثقافي، حيث تقدّم 3 وجبات خلال الأيام العادية، هذا فضلاً عن راتب شهر للحاصلين على منحة الدراسة في مصر.
شُيّدت "البعوث الإسلامية" على مساحة 50 فداناً في أطراف القاهرة، وأضحت اليوم أشهر مدن العالم التي تستوعب زخماً هائلاً من الطلاب، يدرسون الفقه والشريعة وأصول الدين واللغة العربية.