جزيرة «هوكايدو» اليابانية.. مركز مستقبلي لصناعة الرقائق عالمياً
في تحول اقتصادي هو الأجرأ منذ عقود، تسعى اليابان لإعادة تشكيل صناعتها التكنولوجية.
وتنوى طوكيو ذلك عبر ضخ مليارات الدولارات لتحويل جزيرة هوكايدو الزراعية والسياحية إلى محور متقدم لصناعة الرقائق الإلكترونية. فهذه الجزيرة، المشهورة بالألبان ومنتجعات التزلج وحقول الزهور، تشهد طفرة عمرانية هائلة مع بناء مصانع ومختبرات وجامعات تقنية جديدة، ضمن استراتيجية لإحياء مكانة اليابان في سوق الرقائق العالمي الذي تتجاوز قيمته 600 مليار دولار.
ووفقا لتقرير نشرته هيئة الاذاعة البريطانية، فإن مشروع هوكايدو يمثل محاولة يابانية جريئة للعودة إلى قلب صناعة تعدّ العمود الفقري للاقتصاد الرقمي العالمي، برغم كل ما يحيط به من مخاطر وتمويل ضخم وتحديات بشرية وتقنية.
نجم جديد في القطاع التكنولوجي
ويقف في قلب هذا المشروع اسم جديد في التكنولوجيا اليابانية وهي شركة رابيدوس، المدعومة من الحكومة وشركات كبرى مثل تويوتا وسوني وسوفت بنك، والمنبثقة من شراكة مع IBM. وقد جمعت مليارات الدولارات لإنشاء أول مصنع متقدم للرقائق في اليابان منذ عقود، وذلك في مدينة تشيتوسي الصغيرة. وجاء اختيار الموقع بسبب توفر المياه والطاقة والبنية التحتية، والأهم: انخفاض مخاطر الزلازل مقارنة بمناطق أخرى، وهو عامل حاسم لصناعة حساسة كهذه.
وتمثل أبرز إنجازات رابيدوس في حصولها على جهاز الطباعة بالأشعة فوق البنفسجية القصوى من ASML، مما أتاح لها تطوير نماذج أولية لترانزستورات بدقة 2 نانومتر؛ وهي تقنية لا تملكها سوى TSMC وسامسونغ.
وتخطط الشركة لبدء الإنتاج الضخم بحلول 2027، رغم أنه هدف يتطلب مستويات كفاءة مماثلة لتلك التي تميزت بها الشركات التايوانية والكورية على مدى سنوات.
شكوك كبيرة
لكن المشروع محفوف بالشكوك. إذ تشير دراسات آسيوية وغربية إلى فجوة تمويلية تبلغ نحو 5 تريليونات ين ضرورية للإنتاج التجاري، إضافة إلى نقص الخبرة التصنيعية لرابيدوس التي لا تمتلك سجلًا صناعيًا طويلًا. كما ستواجه الشركة صعوبة في جذب عملاء كبار، في ظل العلاقات المتينة التي تجمع الشركات العالمية بعمالقة القطاع في تايوان وكوريا.
وهذا التحرك يأتي بعد عقود من التراجع؛ فقد فقدت اليابان مكانتها التي تمتعت بها في الثمانينيات حين كانت تنتج نصف رقائق العالم، قبل أن تخسر السباق بسبب ضعف الاستثمارات الحكومية. واليوم تحاول طوكيو استعادة المبادرة عبر استثمارات ضخمة بلغت 27 مليار دولار بين 2020 و2024، تلتها حزمة جديدة بقيمة 65 مليار دولار لدعم الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
لكن التحديات الداخلية لا تقل صعوبة؛ فاليابان تعاني نقصًا متوقعًا بنحو 40 ألف مهندس في هذا القطاع، ما دفع رابيدوس للتعاون مع جامعة هوكايدو وتوسيع الاعتماد على العمالة الأجنبية رغم الحساسية المجتمعية لهذا التوجه.
وبدأ التحرك الياباني يجذب لاعبين دوليين، إذ افتتحت TSMC مصنعًا في كيوشو وتبني آخر سيدخل الخدمة في 2027، فيما توسعت شركات محلية مثل كيوكسيا وتوشيبا، إضافة إلى دعم أمريكي لشركة ميكرون لتعزيز منشآتها في هيروشيما.
وفي هوكايدو تحديدًا، افتتحت شركات معدات الرقائق مثل ASML وTokyo Electron مكاتب جديدة، ما يساهم في بناء منظومة صناعية متكاملة.
وتزداد قيمة هذا الرهان مع صعود الذكاء الاصطناعي وتزايد الحاجة لسلاسل توريد آمنة في ظل التوترات الجيوسياسية. وتؤكد رابيدوس أن ميزتها ليست منافسة الإنتاج الضخم بل القدرة على تقديم رقائق مخصّصة بسرعة تفوق المنافسين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTA5IA== جزيرة ام اند امز