وثائق إسرائيل السرية لحرب 1973.. تفاصيل أشهر الخداع والصدمة
كشفت وثائق إسرائيلية سرية تغطي الأشهر السابقة لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، نجاح خطط الخداع المصرية السورية، وتخبط القيادة الإسرائيلية
وبمرور 50 عاما على الحرب، أماطت إسرائيل اللثام عن محاضر الجلسات التي كانت في جزء كبير منها طي الكتمان.
وجاء الكشف عن الوثائق قبل يوم عيد الغفران، الذي يحل 24 سبتمبر/أيلول الجاري، وهو اليوم الذي جرت فيه الحرب، وفق التقويم العبري، والذي بات منذ العام 1973 يذكر إسرائيل بهذه الصدمة.
وتعرض الوثائق عشرات آلاف الوثائق، ومحاضر آلاف الجلسات واللقاءات السياسية والاستخبارية والعسكرية التي تمت ما قبل حرب 1973 وفي أثنائها.
وقال الأرشيف الوطني الإسرائيلي: "تقدم المجموعة لمحة رائعة عن عملية صنع القرار، وظروف عدم اليقين بين القادة، والقتال على الجبهات، وتأقلم الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والاتصالات السياسية التي جرت في نهاية الحرب مع مصر وسوريا، بوساطة الولايات المتحدة، والمسار الذي أدى إلى ترتيبات فصل القوات مع مصر وسوريا التي انتهت في نهاية مايو /أيار 1974".
وأضاف: "تظهر محاضر اجتماعات الأيام الأولى من الحرب خيبة الأمل المصحوبة بخوف شديد واضطراب عاطفي".
منزل غولدا
ووفقا لوثيقة مؤرخة في 18 أبريل/نيسان 1973، اطلعت عليها "العين الإخبارية" فإنه جرت مشاورة في منزل رئيسة الوزراء غولدا مائير بشأن التحذيرات الواردة حول نوايا مصر وسوريا، وحضر المشاورة رئيس الأركان ديان جليلي ورئيس مجلس الأمن ورئيس الموساد وكبار الضباط.
وفي بداية المحادثات، تم الكشف عن خلاف بين رئيسي جهازي المخابرات، رئيس مجلس الأمن القومي إيلي زايرا، ورئيس الموساد تسفي زامير، إذ كرر زايرا الخيارات الثلاثة لمصر، والتي هي في تقديره: حرب شاملة، حرب استنزاف أو غارات مفاجئة في عمق سيناء.
وقام بتقييم الخيارات الثلاثة على أن فرصها ضعيفة. وأعطى تقييما مماثلا فيما يتعلق بنوايا السوريين وأشار إلى أن معمر القذافي، حاكم ليبيا حينها، يضغط عليهم بشكل عام حتى لا يبدؤوا الحرب لأنهم غير مستعدين. وأشار إلى أن الاتحاد السوفياتي لا يريد الحرب أيضًا.
ومن ناحيته، فقد أشار رئيس الموساد زامير إلى أنه ينظر إلى مسألة الإخطارات التي تلقتها إسرائيل، هذه المرة بجدية أكبر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة.
وأشار زمير في كلامه إلى الفرق بين الحرب الشاملة والحرب التي يكون هدفها تحفيز الحل السياسي للمشكلة، كما يقترح (الرئيس الراحل محمد أنور) السادات باستمرار.
ولخص كلامه قائلا: "أعتقد أنه بحسب الاستعدادات هناك احتمال للحرب. لا أريد اللجوء إلى النسب، لكن يجب الاستعداد لمواجهة هذا التحدي".
ويتضح من وثيقة أخرى مؤرخة في 24 أبريل/نيسان 1973، اطلعت عليها "العين الإخبارية" أن الحكومة الإسرائيلية ناقشت الأمر مجددا.
وبحسب الوثيقة، فقد عرض رئيس مجلس الأمن القومي زايرا مرة أخرى التقارير حول النوايا المصرية والسورية والخيارات الثلاثة المتاحة لمصر وسوريا، وقال إن سوريا لديها خياران: فتح محدود لإطلاق النار أو عملية للسيطرة على مرتفعات الجولان.
وقدر زايرا أن هدف المصريين هو خلق ضغط سياسي عن طريق التهديد بالحرب قبل اجتماع القمة بين قادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، وذكر أنه على الرغم من أن التقارير هذه المرة كانت أكثر خطورة مما كانت عليه في أواخر عام 1972، إلا أن احتمال اندلاع الحرب منخفض.
كما قدر زايرا أن هناك انعدام ثقة بين مصر وسوريا، وبالتالي لا يعتقد أن السوريين سيشنون هجوما منسقا، ولكن إذا فتحت مصر النار، فإن السوريين سيفحصون التطورات في القطاع المصري قبل الشروع في هجوم.
ورغم تقييمه المنخفض لاحتمال اندلاع الحرب، أشار إلى أنه يجب انتظار علامات إضافية على الأرض وإعادة تقييمها لاحقا.
واتفق وزير الدفاع موشيه ديان مع تقييم زايرا، ومع ذلك، قال وزير الدفاع إنه بما أن المصريين لم يغيروا انتشارهم العسكري في السنوات الأخيرة ولم يدخلوا في عملية سياسية مهمة، فإنهم في طريقهم للعودة إلى الحرب.
"أداة"
أما وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان، فقال إن المصريين كانوا يحاولون خلق "ذعر الحرب" كأداة للضغط السياسي.
وأوضح أن مصر في حالة من الإحباط العميق. هذا الإحباط هو نتيجة استراتيجية مشتركة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لتعميق هذا الإحباط، من أجل دفع مصر إلى الدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق على تسوية جزئية، وهي الطريقة المفضلة للأمريكيين.
وخلصت غولدا مائير إلى أنه على الرغم من أنها تعتقد "بدرجة كبيرة من اليقين أن الحرب لن تندلع، فإن على إسرائيل أن تعيش مع الشعور بأنها يمكن أن تحدث".
وقبل رئيس الأركان رأي رئيسة الوزراء وقال إنه على الرغم من موافقته "على تقييم الاحتمال الضعيف، فإن الجيش الإسرائيلي يقوم ببعض الاستعدادات لاحتمال اندلاع الأعمال العدائية مع ذلك".
واختتم زايرا حديثه بتكرار تقييمه بأنه لا توجد علامات في العمليات المصرية على الأرض يمكن أن يشير إلى استعدادات لهجوم. وشدد على أن المخابرات العسكرية يمكن أن تعطي تحذيرا إذا خطط المصريون لعملية كبيرة تهدف إلى عبور القناة.
وختم بالقول إن "العرب ليس لديهم نية لاحتلال كل سيناء أو هزيمة إسرائيل، لأنهم يعرفون أنهم غير قادرين على القيام بذلك، وإذا فتحوا النار فسيكون ذلك من أجل إثارة حركة سياسية وجلب القوى العظمى لفرض نظام على إسرائيل".
نجاح الخداع
وفي الأسابيع التي تلت ذلك، استمرت التحذيرات الخطيرة من اندلاع الحرب في التدفق على مكتب رئيسة الوزراء الإسرائيلية.
التحذيرات أشارت من حين لآخر إلى تغيير في توقيت الهجوم، لكن الرسالة ظلت ثابتة: قرر السادات الذهاب إلى الحرب بغض النظر عن أي شيء، على الرغم من أنها ستكون محدودة النطاق على الأرجح.
وعلى الرغم من حقيقة أن الحرب لم تبدأ في شهر مايو/أيار، وعلى الرغم من حقيقة أن تقييم المخابرات العسكرية بقي كما هو؛ أن احتمال اندلاع الحرب كان منخفضا للغاية، إلا أن القيادة الأمنية الإسرائيلية كانت ترى أن مصر وسوريا متجهتان إلى الحرب في الصيف، وفق الوثائق.
إذ أعلن الجيش الإسرائيلي حالة تأهب قصوى، استمرت حتى أغسطس/آب 1973.
وفي أغسطس/آب 1973، تقرر إلغاء إنذار أزرق أبيض، الذي أٌعلن في أعقاب تقارير استخباراتية وردت في أبريل/نيسان ومايو/أيار بأن مصر وسوريا تعتزمان بدء حرب، وتقرر أن يعود الجيش الإسرائيلي إلى طبيعته.